الدراما السورية في عام:تراجع الانتاج وتزايد الجرأة

19-12-2009

الدراما السورية في عام:تراجع الانتاج وتزايد الجرأة

بين نهاية الموسم الدرامي الرمضاني ونهاية العام الميلادي، مسافة ليست بالشاسعة، وهو ما يضفي على إطلالتنا السنوية طابع التأخر عن الموسم أو طابع التكرار، مع تعدد الكتابات عن أعمال الموسم، وتعدد استطلاعات الرأي والاستبيانات التي تجري بسرية تامة بين الجهة المنظمة وشريحة قريبة أو مقربة منها، لتخرج النتائج تماما كمقال الرأي الصحفي المستند إلى رأي الكاتب الشخصي، موشى بشيء من المجاملات أحيانا، وبشيء من الشخصانية والتعميم في غالب الأحيان، بعيدا عن رأي الجمهور أولاً، وبعيداً عن الرأي النقدي ثانياً وغالبا، مع الانتباه إلى أن صفة صحفي في سياق الجملة السابقة لا تعني كل الصحفيين، كما لا تقصد القلة القليلة التي لا تزال تكتب عن أعمال تابعتها، من دون تأثر باسم الجهة المنتجة أو باسم المخرج الصديق. ماذا عن الدراما السورية في عام؟تاج حيدر في- قاع المدينة-.
آراء كثيرة تناولت الدراما السورية هذا العام أبرزها أن الانتاج يتراجع وجرعة الجرأة تتزايد. كّم الإنتاج تراجع عن السنوات السابقة بنسبة تزيد على أربعين بالمئة، وهو ما أعاده البعض إلى تراجع الرأسمال الخارجي المموِّل، سواء نتيجة الأزمة العالمية، أو الاتجاه إلى مصر، مع استعادة الدراما المصرية دورها في السوق، وكذلك إلى صعود الدراما الخليجية، وإلى “اندلاع” الدراما التركية وانتشارها كالنار في الهشيم بقرار مقصود جداً من “الإم بي سي”، بحسب تصريحات سابقة لمديرها، (وبعضهم أشار إلى صعود الدراما الأردنية المتمثلة بانكفاء المركز العربي عن الإنتاج في سوريا هذا العام وتوجيه إنتاجه إلى الأردن، وهو رأي يعاني بعض التسرّع إذا انتبهنا إلى أن منتجا واحدا، وعشرة أعمال درامية أردنية، لا تعني بلوغ الدراما الأردنية درجة التهديد). من جهة أخرى، يمكن أيضا الإشارة إلى محاولة كسر الاحتكار الرمضاني عبر العرض الحصري لأعمال درامية من خارج الموسم الرمضاني، كأحد الأسباب لتراجع الكم أيضا، والتي ظهرت لدى “الإم بي سي” و”روتانا خليجية”، فبعض المنتجين ما عادوا ملزمين بالسباق الرمضاني، طالما أن أعمالهم حجزت لنفسها مكانا مناسبا خارج الموسم “ضيعة ضايعة”، “أهل الغرام”، “اسأل روحك”... وغيرها.
في المقابل، تراجُع الكم ترافق مع الدخول إلى مساحة جديدة في النص التلفزيوني، فضاؤها مناطق العشوائيات، ومحورها خراب اجتماعي عام، لكن السمة الأبرز في هذه النصوص والأعمال هو في تشابه الموضوعات، وهذا ما بدا وكأنه اتجاه مقصود ومدروس، إلا أن الامر بالتأكيد ليس كذلك، بل هو العكس، فما حدث لم يأت من تنسيق وتعاون، بل من المنافسة غير النزيهة السائدة تاريخيا بين المنتجين، والتي أدت سابقا لوجود أعمال عن فترة تاريخية بعينها أو عن شخصية بذاتها، أو عن موضوع محدد، في لعبة كسر عظم بين المنتجين، وكان لتلك الموجة امتدادها بالطبع، وفي الامتداد، موجة هذا الموسم التي سميت “موجة العشوائيات”، (على غرار موجة الفانتازيا والتاريخي وغيرها)، بينما غابت الكوميديا تقريبا (ما عدا: إذاعة فيتامين، مختارات من بقعة ضوء)، كما غاب التاريخي ما عدا عمل ديني الطابع، (صدق وعده)، وحضر التاريخ القريب عبر عملين يمكن وسمهما بالنخبويين، “الدوامة” و”هدوء نسبي”، وبالتالي، فهما خارج المنافسة بالضرورة، مثلما خرجت أعمال البيئة الشامية من المنافسة أيضا، في ظل التفاقم المضطرد لحضور “باب الحارة” الإجباري، والذي يبدو أنه سيسم الموسم المقبل أيضا، مع دفع “الإم بي سي” للغالي والرخيص من أجل عودة عباس النوري إلى العمل، في إثبات جديد بأن العمل مشروع حقيقي لهذه الشاشة، إعلاميا وسياسيا وثقافيا وأخلاقيا، وهذا ما يغيب عن الغالبية العظمى لنقاد العمل، سواء مديحا أو هجاء، وعن بعض العاملين فيه.
وفي الاختلاف عن الموجة أيضا، مسلسل “رجال الحسم”، حيث استطاع المخرج نجدت أنزور تحقيق خطوة متقدمة درامية عبر مسلسل يتصدى لعالم الجاسوسية، والصراع العربي - الإسرائيلي، من خلال التمحور حول مرحلة حرب حزيران (يونيو) 1967.
انطلقت تسمية الموجة من حضور العشوائيات في نسبة جيدة من أعمال الموسم، وإن كنا نعتقد أن العشوائيات لم تكن سمة الأعمال المشار إليها، بل تفصيلات معينة داخل تلك العشوائيات، قد توجد خارجها أيضا في الواقع المعاش، محورها الخراب الأخلاقي والانهيار القيمي والإنساني، في زمن يمكن تسميته بـ”زمن العار”، وهو عنوان أحد أكثر الأعمال متابعة. وفي “شتاء ساخن” المأخوذ عن قصة حقيقية حدثت فعلا، وهي جريمة تناقلت تفاصيلها الصحف المحلية، ليس هناك أي سبب يدفع بالأخ لتزويج عشيقته لأخيه، مع الإبقاء على العلاقة بينهما، وليس ثمة أسباب تمنع زواجه هو منها مثلا ولو في السر، ولا من أسباب تمنع أن يبقي على علاقتهما في بيت خاص مثلا، ربما باستثناء أنه أبن مجتمع العار الذي يمسي فيه الخراب هو العرف السائد، وهو عمق العادات والتقاليد وحقيقتها البعيدة عن القشور التي يتغنى العرب بأصالتها، وهنا نحن أمام قصة يفترض أنها حدثت فعلا، مما يجعلها أكثر حقيقية وواقعية من الأعمال الدرامية الواقعية الأخرى..

الأفضل
تراجع الكم، لم يقلل من حضور الممثل السوري. على العكس من ذلك، لعله أسهم في إبراز طاقاته الإبداعية المعترف بها عربيا، حتى بات من الصعب أن تمنح جائزة أفضل ممثل لفنان من دون غيره، فإن كان فلان قدم دورا لافتا في مسلسل ما، فإن الآخر لم يتأخر عنه في مسلسل ثان، وبغض النظر عن رأينا في سوية العملين، لكن الآراء الصحفية، سواء الفردية أو تلك التي استترت خلف استطلاعات (مفترضة) كان لا بد لها من أن تختار، وغالبا ما أتى الاختيار بناء على اختيار العمل الأفضل، وفي ذلك شيء من الظلم لطاقات مبدعة كانت أفضل من أعمالها.
مصطفى الخاني ينال مرتبة أفضل ممثل في الشرق الأوسط، بحسب استبيان لمحطة “ام بي سي” منتجة “باب الحارة”، متقدما على نجوم الباب العتيد الراسخين في أدوارهم منذ أربعة مواسم مضت، من دون أن يستطيعوا الاقتراب من مرتبة “أفضل ممثل” ولا في “حارة الضبع” ذاتها، وهي مسألة تحسب للمخرج بسام الملا، ومشروعه الكبير في “باب الحارة”، ولعلنا نذكر تصريحه ذات مرة أنه قادر على تصوير المسلسل بلا ممثلين، ويبدو أن هذا ما حدث هذا الموسم، فرغم موهبة مصطفى الخاني الكبيرة واجتهاده وثقافته ووعيه ودماثته، ورغم الإضافة الحقيقية التي قدمها لشخصية “النمس” البديلة لشخصية “أبو غالب” القتيلة، والمطابقة لها دراميا، فإن نيله هذه الشعبية الكبيرة على امتداد الشرق الأوسط - بحسب تعبير الاستطلاع المذكور - إنما يؤكد غياب ممثلي “باب الحارة” بأجزائه، وغياب مخرجه الذي يعتقد أنه قبض على أطراف المجد جميعها، ولم يتبق للدراما السورية ما تفعله بعد “باب الحارة”، وهذا الاقتراح بالمناسبة لم يغب عن ماكينة (البروباغاندا “الإمي بي سيّه”)، حيث تناقلت المواقع الالكترونية خبرا “مفاده أن المنتجين السوريين لن يتجرأوا على الإنتاج في العام المقبل، خوفا من وجود الجزء الخامس لـ”باب الحارة”، وسيؤجلون أعمالهم إلى العام الآتي.
سامر المصري، لا يزال محتفظا بشخصية العكيد في ذهن الجمهور، ويبدو أن نجم “الشام العدية” أكد حضوره لكن كـ”عكيد” وليس كـ “أبو حجاز” (بطل “الشام العدية”)، كما لم يغب اسمه عن تفضيلات المشاهد، ولا كتابات الصحافة، والأطرف أنه كان الحاضر الأبرز في “باب الحارة” وهي الخدعة الذكية التي مارسها بسام الملا حيث لعب على غياب “العكيد أبو شهاب” ثم استثمره أكثر بكثير مما استثمر حضوره في الجزء السابق، وأكدت ذلك بعض الكتابات الصحفية التي مُررت قبل وأثناء العرض، وبحيث بات معظم المشاهدين في انتظار عودة “العكيد” حتى الحلقة الأخيرة، وإن كان خلاف المصري مع الملا هو الأكثر بروزا في الصحافة الفنية، وخصوصا منها المأجورة؟!
على صعيد آخر، يحقق النجم جمال سليمان حضورا طيبا في الساحة المصرية، رغم خصوصيتها ورغم صعوبة أن يقترع الشارع المصري لفنان من غير المصريين، وهو اعتراف مهم بفنان كبير استطاع الحفاظ على مكانته الفنية رغم اختلاف (جغرافيا) الإنتاج والعرض.
وقد نال الفنان سليمان مرتبة “أفضل ممثل” في مصر، رغم أن مسلسل “أفراح ابليس” لم ينل الحظوة ذاتها، وجاء متأخرا على قوائم الأعمال الأكثر مشاهدة، بحسب استطلاعات الرأي ذاتها، وهو ما ينطبق على حالة الفنانة سلاف فواخرجي، التي حافظت على مكانتها بين أفضل الممثلات رغم تأخر مسلسلها “آخر أيام الحب” في قائمة الاستطلاعات.
الفنان باسل الخياط واصل تقدمه عبر حضور جيد وأداء محترف في “رجال الحسم”، كما لم يبتعد عابد فهد عن قائمة “الممثل الأفضل” أيضا، عبر دور جميل في “هدوء نسبي”. أما الفنانة قمر خلف، فقد حققت خطوة متقدمة جدا ولفتت الأنظار بأداء محترف وقدير في أعمالها كافة “هدوء نسبي”، “زمن العار”، “طريق النحل”، فهي استطاعت باقتدار ألا تكون هي في كل مرة، وأن تقدم شخصياتها، كل بلونها، وطبيعتها، ونكهتها الخاصة، لتؤكد قدرة الممثل الحقيقي على التنويع وعلى الحضور بفاعلية.
على صعيد الإخراج، كانت الأعمال بمجموعها كما هو متوقع، مع استثناءات طفيفة لعل أولها المخرج سيف الدين سبيعي الذي قدم سابقا جزأين من “الحصرم الشامي” ومسلسل “أولاد القيمرية” على قناة مشفّرة، أي إن عمله لم يصل إلى الجمهور العريض، ومن هنا، فإن حضوره هذا العام كان لافتا، في مسلسل “عن الخوف والعزلة”، الذي نرى إخراجياً، على الأقل، كان من أفضل أعمال الموسم، وسجل اسم سبيعي على قائمة أفضل المخرجين السوريين، بدءا من حسن تعامله مع مادته الدرامية ووصولا إلى اختياره الصحيح (غالبا) لطاقم العمل، ناهيك بحلوله الذكية، وحرصه على تقديم مادة بصرية تعي غايتها ودلالاتها، وتُغْني حكايتها الدرامية، وتتفهم جمهورها ومآلها.
المخرج سمير حسين، في مسلسل “قاع المدينة”، أثبت مرة أخرى قدرته المختلفة مشفوعا بخلفية أكاديمية وحس محترف، وقدرة جيدة على التعامل مع تفاصيل الصورة والكادر، ومع السياق العام لحكايته الدرامية، بينما تعثر إياد النحاس في أول أعماله “الشام العدية” الذي لعبه نجماه سامر المصري وبسام كوسا، حيث بدت كبواته واضحة في أكثر من تفصيل، خصوصا في الشغل على النص الذي تجاوز الشهر الكريم وعيد الفطر، بعدد حلقاته، وكاد يصل إلى عيد الأضحى لو رحمة الله، كما تسبب الإخراج في تعرض العمل لكثير من الانتقادات، وخصوصا منها مشهد يمر فيه البطل أمام سيل من إطلاق النار الكثيف من دون أن يخدش؟! بالإضافة لتفاصيل أخرى (قد لا تتم ملاحظتها بدقة من المشاهد) لكنها تخلف إحساسا بالخلل.
على صعيد آخر، أشارت كتابات صحفية إلى خسارة الدراما السورية لمخرجين قدموا هذا العام أعمالا درامية غير سورية وعلى رأسهم المخرج باسل الخطيب صاحب البصمة الخاصة، والحساسية المختلفة، والذي ترك غيابه فراغا، فيما أشادت كتابات أخرى بمسلسله “بلقيس”، الذي شكل إضافة لأرشيف الدراما العربية.

صبحي حليمة

المصدر: الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...