الأبعاد الإجرائية لمشروع إقامة المحكمة الدولية

19-05-2007

الأبعاد الإجرائية لمشروع إقامة المحكمة الدولية

الجمل:     بعد فوز حليف إدارة بوش الجديد نيكولاس ساركوزي بالرئاسة الفرنسية، وبدء العد التنازلي لبقاء رئيس الوزراء البريطاني طوني بلير، الحليف المخلص لبوش، قرر الثلاثي: بوش، ساركوزي، بلير.. حرق المراحل، القفز دفعة واحدة، وتقديم مشروع قرار إنشاء المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري.

طبيعة مشروع القرار:
• الوضع القانوني:
يطالب مشروع القرار مجلس الأمن الدولي بإقرار ترتيبات الاتفاق بين الأمم المتحدة ولبنان حول تشكيل المحكمة الجنائية الدولية، بحيث يشرع المجلس فوراً بعد إقرار الترتيبات المشار إليها في عملية إدخال القرار موضع التنفيذ، والقيام باتخاذ الخطوات اللازمة لإقامة المحكمة بالتنسيق مع الحكومة اللبنانية، وإطلاع المجلس خلال 90 يوماً.
• نص مشروع القرار:
وضعاً في الاعتبار قراراته السابقة وبالذات القرارات: 1559، 1626، 1644، 1664، 1748، فإن مجلس الأمن يجدد إدانته للجريمة الإرهابية التي وقعت بلبنان في الرابع عشر من شباط 2005م، وغيرها من الاعتداءات التي حدثت في لبنان منذ تشرين الأول 2004م.
إن مجلس الأمن:
- يؤكد احترامه لسيادة لبنان ووحدته وسلامة أراضيه واستقلاله السياسي تحت ظل سلطة الحكومة اللبنانية الوحيدة.
- ويشير إلى رسالة رئيس وزراء لبنان إلى الأمين العام للأمين العام للأمم المتحدة في 13 كانون الأول 2005م، التي طالب فيها بإقامة محكمة ذات طابع دولي.
- يذكر أن حكومة لبنان ومنظمة الأمم المتحدة قد وقعتا في 23 كانون الثاني و6 شباط 2007 على اتفاقية المحكمة الخاصة.
- ويشير إلى رسالة رئيس مجلس الوزراء اللبناني إلى الأمين العام التي أوضح فيها أن الأغلبية البرلمانية تؤيد قيام المحكمة، وطلب أن يتم عرض طلبه بإنشاء المحكمة على مجلس الأمن بصورة عاجلة.
- ويضع في اعتباره طلب الشعب اللبناني الكشف عن المسؤولين عن التفجير الإرهابي الذي أودى بحياة رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري والآخرين، ومعاقبتهم.
- ويؤكد رغبته في مساعدة لبنان في البحث عن الحقيقة ومحاسبة المتورطين في الهجوم الإرهابي من أجل معاقبة منفذي ومخططي ومنظّمي هذه العمليات والاغتيال الأخرى.
- يؤكد أنه بما أن هذا العمل الإرهابي وما ترتب عليه يشكل تهديداً للأمن والسلم الدوليين، فإنه استناداً لأحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، يقرر بأن بنود الاتفاقية الخاصة بقيام المحكمة الخاصة بلبنان، والموقع عليها بين الأمم المتحدة والحكومة اللبنانية تدخل حيز التنفيذ فور الموافقة على القرار وإجازته وتثبيته.
- يقر بأن مكان انعقاد المحكمة سوف يحدد بالتشاور مع الحكومة اللبنانية وتتم المصادقة عليه باتفاق بين الأمم المتحدة والبلد المضيف.
- يقر بإمكانية قبول أو استعمال واستخدام إي مساعدات طوعية من الدول لتغطية النقص في تمويل المحكمة، في حال  إقرار تقرير السكرتير العام بأن مساهمة الحكومة اللبنانية لا تكفي لتغطية النفقات.
- يطلب من السكرتير العام أن ينسق مع الحكومة اللبنانية في اتخاذ الخطوات والإجراءات اللازمة لقيام المحكمة، وإخطار مجلس الأمن خلال فترة تسعين يوماً على التطورات.

الأبعاد الإجرائية لمشروع القرار:
تضمنت التحركات المؤسسية قيام مندوبو الدول الخمسة دائمة العضوية في مجلس الأمن بعقد اجتماع مغلق أمس الأول من أجل مناقشة الأولية حول نص المشروع، ثم بعد ذلك تم نقل نص المشروع إلى مندوبي الدول العشر الأخرى غير دائمة العضوية في مجلس الأمن.
وعلى صعيد التحركات خارج الإطار المؤسسي، تقوم حالياً كل من فرنسا، بريطانيا، والولايات المتحدة بعملية (لوبي) تهدف لإجراء المشاورات والضغوط على روسيا والصين والدول العشر الأخرى غير دائمة العضوية في المجلس، وذلك من أجل الحصول على موافقة هذه الأطراف بما يوفر الإجماع أو الأغلبية المريحة لإجازة مشروع القرار داخل المجلس. ويتوقع أن لا تكون هناك معارضة كاملة لمشروع القرار، وسوف تنحصر المعارضة لبعض البنود التي يمكن أن يدور حولها الخلاف، في الآتي:
- استخدام الفصل السابع كأساس لقيام المحكمة.
- إجازة الاتفاق بين الحكومة اللبنانية والأمم المتحدة، والتحفظات التي يمكن أن يشير إليها بعض أعضاء المجلس.
- فترة قيام المحكمة.
- الإشراف على المحكمة.
- نظام عمل المحكمة.

مجلس الأمن الدولي ومعطيات خبرة العدالة الجنائية الدولية:
أقر مجلس الأمن الدولي قيام بعض المحاكم الخاصة ذات الطابع الدولي، منها على سبيل المثال: محكمة رواندا، محكمة سيراليون، محكمة يوغسلافيا، ومحكمة دافور.. وتتعلق جميع هذه المحاكم بالنظر في قضايا جرائم الحرب، وفقاً للقانون الدولي، ولكن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، سوف تنظر في قضية اغتيال رفيق الحريري وآخرين، باعتبارها جرائم إرهاب، وهنا نشير إلى الآتي:
- لا يوجد قانون جنائي دولي لجرائم الإرهاب، وذلك لأن أمريكا تعارض بالأساس تعريف الإرهاب، وتتمسك بضرورة أن يكون مفهوم الإرهاب مفتوحاً على كل التفسيرات، وبالتالي تبرز الإشكالية القانونية المتعلقة بكيفية إجراء المحاكمة القضائية على جريمة يفتقر مفهومها إلى التعريف والتحديد، خاصة أن صفة الإرهاب تنقل جريمة اغتيال الحريري من (دائرة القتل الجنائي) إلى دائرة (الإرهاب الذي يهدد الأمن والسلم الدوليين).
- اختصاص المحكمة: حتى الآن لا يعرف الكثير عن طبيعة ونطاق اختصاص المحكمة الزماني والمكاني، فهل يا ترى سوف يتلاعب مجلس الأمن الدولي بنطاق اختصاص المحكمة (مثلما فعل في محكمة رواندا) على النحو الذي جعل الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي متهمان بمساعدة بعض الأطراف المتورطة في مذبحة رواندا على الإفلات من المساءلة والعقوبة.. أم أن مجلس الأمن الدولي سوف يكون عادلاً هذه المرة في إقرار نظام المحكمة وتحديد نطاق اختصاصها بالشكل الذي يعزز قدرات المحكمة في تحديد المسؤولية عن جريمة الاغتيال ومعاقبتهم، خاصة إذا تم الكشف عن الأطراف التي تتمتع بحماية أمريكا وفرنسا وبريطانيا.
وعموماً، يظل الطابع السياسي لمحكمة لبنان الدولية طاغياً على كل شيء، فالإجماع اللبناني الموحد حول ضرورة تطبيق العدالة، تعرض للاهتزاز بسبب محاولة بعض الأطراف التلاعب بالعدالة وتوظيفها لصالح بعض الأجندة السياسية الشرق أوسطية، وهو أمر كشفته بوضوح محاولة المحقق الدولي اليهودي الألماني ديتليف ميليس، الذي حاول (تركيب) الأدلة من أجل تضليل العدالة الدولية وتوجيهها في الاتجاه الخاطئ.. وبعد أن انكشف أمره، وافتضحت الأطراف التي كانت تدعم وتساند مخطط التزوير، لم تقرر الأمم المتحدة معاقبة ميليس على جريمة الشروع في التزوير من أجل تضليل العدالة الدولية.. بل قبلت إنهاء مهمته، وقدّمت له 10 ملايين دولار مكافأة لأتعابه.. والآن، بغض النظر عن المبلغ الذي سوف تقدمه الأمم المتحدة للمحقق الدولي سيرجي براميريتس الذي حل محل ميليس، نتساءل: لماذا لا ينتظر مجلس الأمن الدولي التقرير النهائي، لكي ينظر في محتواه ويقرر إن كان التحقيق يحتاج إلى محكمة دولية خاصة أم لا.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...