استيراد الآلات المستعملةهل طورت صناعتناأم فتحت باباً أخر للفساد؟

24-03-2010

استيراد الآلات المستعملةهل طورت صناعتناأم فتحت باباً أخر للفساد؟

في قراءة لمسيرة الصناعة في البلدان المتقدمة خلال السنوات الماضية نلحظ أن تطوراً كبيراً قد شهده هذا القطاع وخاصة أنه قد استعمل التقنيات الحديثة الأمر الذي جعل تلك الدول متقدمة بصناعاتها، لكن الصناعة عندنا ما زالت تواجه تحديات كبيرة لبناء قاعدة صناعية متينة، ونسيج صناعي قوي ومتماسك، وهذا يتطلب الاعتماد على التقنيات المتطورة، والتكنولوجيا الحديثة لتدعيم القدرات التنافسية، والارتقاء بمواصفاتها القياسية إلى أعلى مستوى، لكن القرارين 8 لعام 2004 و3929/5 لعام 2008، الذين سمحا باستيراد الآلات الصناعية المستعملة مهما كانت سنة الصنع شكلا مجالاً للتجاذب.‏‏‏

إحصاءات‏‏‏

وتشير الإحصاءات المنشورة في المجموعات الإحصائية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء أنه خلال السنوات الخمس الماضية تراجعت حصة القطاع الخاص من إجمالي إنتاج الصناعات التحويلية من 54.2٪ إلى 45.7٪، كما تراجعت حصة القطاع الخاص من صافي الناتج المحلي من 95.3٪ إلى 84.6٪ ومرد هذا التراجع هو السماح بترخيص مشروعات بآلات مستعملة يتناقض جذرياً مع السياسات المعلنة للدولة التي تهدف إلى تقوية النسيج الصناعي، وتكوين قاعدة صناعية قوية، حيث كان من الممكن أن تسجل المؤشرات السابقة ارتفاعاً كبيراً لو تم الاعتماد على التقنيات المتطورة وخطوط إنتاج حديثة.‏‏‏

وبالعودة إلى قراري السماح باستيراد الآلات المستعملة رقم 8/م تاريخ 18/3/2004 والقرار رقم 3929/5 تاريخ 2/7/2008أشارت النشرات الاحصائية الصادرة عن المكتب المركزي للاحصاء إلى جملة معطيات تركها القراران على الصناعة السورية منها:‏‏‏

- ارتفاع تكاليف الإنتاج بسبب تدني الطاقات الإنتاجية للآلات المستعملة بالمقارنة مع خطوط الإنتاج الحديثة والتقنيات المتقدمة.‏‏‏

- ارتفاع معدلات الهدر في المواد الأولية ومستلزمات الإنتاج وتبديد قسم كبير من طاقات قوة العمل والإنتاج.‏‏‏

- ارتفاع معدلات استهلاك قطع الغيار بسبب الأعطال المتكررة وتبديد مقادير مهمة من القطع الأجنبي لقاء تأمينها من الأسواق اللهم إذا توفرت هذه القطع، كون غالبية الآلات المستعملة التي يتم استيرادها لا تتوفر لها قطع تبديلية في بلد المنشأ.‏‏‏

- ارتفاع تكاليف الصيانة للآلات والتجهيزات الصناعية المستعملة بالقياس إلى الآلات ذات التقنيــــــــــــات المتطورة.‏‏‏

- ارتفاع معدلات التلوث البيئي الناتج عن المنشآت الصناعية المقامة بآلات مستعملة.‏‏‏

- عدم مراعاة الآلات المســــــــتعملـــــــــة المسموح باستيرادها لمسألة الأمن الصناعي والاعتبارات البيئية.‏‏‏

- تدنـي المواصفات القياســــــــية للمنتجــــــــــات المصنعة في المنشـــــــآت التي تستخدم الآلات والتجهيــزات المستعملة وتدني نوعيتها وهذا أدى إلى:‏‏‏

آ- صعوبة تسويق المنتج في الأسواق المحلية قبل الخارجية.‏‏‏

ب- تدني مستوى أسعار السلع المنتجة والمصنعة بآلات مستعملة بسبب تدني نوعيتها ومواصفاتها.‏‏‏

ج- ارتفاع معدل استهلاك الوقود والطاقة الكهربائية.‏‏‏

د- تراجع معدلات التصدير للأسواق الخارجية وصعوبة تسويق المنتج المصنع في منشآت مقامة بآلات مستعملة.‏‏‏

و- قصر العمر الإنتاجي للآلات المستعملة المسموح باستيرادها.‏‏‏

والأهم من كل ذلك تحويل الصناعة السورية من خلال الآلات المستعملة إلى مقبرة للخردة نتيجة الاستمرار باستيراد الآلات والتجهيزات المستعملة وتدني سمعة المنتج السوري محلياً وخارجياً.‏‏‏

في حين أن البلدان الصناعية تسعى باستمرار للتخلص من الآلات والتجهيزات المستعملة لقدمها واستبدالها بآلات حديثة ذات تقنية صناعية عالية.‏‏‏

آثار بيئية‏‏‏

وتشير التقارير والدراسات التي قامت بها الجهات المعنية بالبيئة إلى أنها تعتبر الصناعات بهذه الآلات المستعملة ملوثة للبيئة، وهي فوق كل ذلك تشكل عبئاً على الاقتصادات لأننا نسعى دائماً إلى الوصول بصناعتنا إلى أعلى مستوى تكنولوجي في تصنيع خطوط الإنتاج التي تحقق إنتاجاً غزيراً بتكلفة منخفضة وريعية عالية وقدرة غير محدودة على المنافسة، لكن وبكل أسف إن انتشار المنشآت المخالفة بسبب المتاجرة بالآلات المستعملة المستوردة كان سبباً رئيسياً في تدني صناعتنا وإنتاجيتها، هذا بالإضافة إلى انتشار المنشآت الصناعية غير المرخصة على حساب الأراضي الزراعية والسكنية، وظهور سلع غير معروفة المنشأ كل ذلك نتج عن تطبيق هذين القرارين اللذين أشرنا إليهما وخاصة أنه يتم ترخيص المنشآت بآلات مستعملة بشكل عشوائي يتناقض مع ما نص عليه القرار بالكشف على الآلات والتجهيزات الصناعية المستعملة المستوردة من قبل لجنة تضم ممثلين عن وزارة الصناعة - ومديرية الجمارك العامة وقد ألغيت هذه اللجنة والترخيص يتم وفق نفس الآلية والإجراءات التي يتم فيها الترخيص للمنشآت الصناعية بآلات جديدة.‏‏‏

ولا نريــــــد الدخول في تفاصيل استغلال العديد من المستوردين الذين لجؤوا إلى بيع الآلات المستعملة المستوردة في السوق السوداء تهرباً من ترخيصها خلافاً لما نص عليه القرار.‏‏‏

- وتشير الوقائع التي حصلنا عليها من المجموعات الإحصائية إلى انتشار المتاجرة بالآلات والتجهيزات المستعملة في السوق المحلية وقد نتج عن ذلك ظهور عشرات المشـــروعات المخالفة، وذلك بسبب ضعف الرقابة وصعوبتها على هذه المنشآت التي تم تنفيذها بآلات وتجهيزات مستعملة، والتي تتهرب من تسديد التزاماتها تجاه الدولة، والتهرب من الرقابة الصحية والتموينية والمواصفات القياسية، وإقامتها في أماكن يصعب الوصول إليها إما في الأقبية أو البيوت الشعبية، أو الأرياف ما خلق مناخاً مؤاتياً للفساد والرشوة.‏‏‏

منشآت منفذة بآلات وتجهيزات مستعملة‏‏‏

وإذا ما أردنا التوقف عند العدد الإجمالي للمنشآت الصناعية المنفذة في مختلف الفروع الصناعية منذ تاريخ صدور قراري السماح باستيراد الآلات الصناعية المستعملة فهي موزعة على الشكل التالي وفق إحصاجدول رقم 1ئيات المجموعات الإحصائية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء.‏‏‏

إجمالي المنشآت الصناعية المنفذة خلال الفترة‏‏‏

2004 - 2008 (انظر الجدول رقم 1)‏‏‏

جدول رقم 1‏‏‏


 مشيرين إلى أن أكثر من ثلث المنشآت المشار إليها تمت إقامتها بآلات مستعملة ونبين أدناه عدد هذه المنشآت ورأسمالها وعدد عمالها.‏‏‏

إجمالي المنشآت الصناعية المنفذة بآلات مستعملة‏‏‏

خلال الفترة 2004 - 2008 (انظر الجدول رقم 2)جدول رقم 2‏‏‏

جدول رقم 2‏‏‏

‏‏‏

يستخلص من خلال التدقيق في البيانات التفصيلية وضمن إطار كل فرع من الفروع الصناعية الهندسية والكيميائية والغذائية والنسيجية ما يلي:‏‏‏

الصناعات الهندسية‏‏‏

اختلف عدد المنشآت الصناعية التي أقيمت بآلات مستعملة من نشاط صناعي إلى آخر ضمن إطار هذا الفرع، أي إن حوالي 87٪ من المنشآت الهندسية المنفذة بآلات مستعملة هي منشآت طباعة وإن 13٪ من هذه المنشآت هو للصناعات الأخرى.‏‏‏

وقد ترتب على هذا تدني مستوى خدمات الطباعة وخاصة فيما يتعلق بالمطبوعات التي تصدر في سورية والتي تطبع في لبنان أو الأردن أو قبرص.‏‏‏

الصناعات النسيجية‏‏‏

بلغت نسبة المنشآت الصناعية المنفذة بآلات مستعملة 50٪ من إجمالي المنشآت الصناعية المنفذة وقد توزعت هذه المنشآت على عدد من الأنشطة الصناعية ضمن إطار هذا الفرع.‏‏‏

الصناعات الكيميائية‏‏‏

بلغ عدد المنشآت المنفذة بآلات مستعملة في هذا الفرع الصناعي 326 منشأة توزعت على عدد من الأنشطة الصناعية.‏‏‏

الصناعات الغذائية‏‏‏

بلغ عدد المنشآت الصناعية المنفذة بآلات مستعملة في مجال الصناعات الغذائية 322 منشأة.‏‏‏

نظراً لأهمية الصناعات الغذائية وعلاقتها المباشرة بالأمن الغذائي الوطني وصحة الفرد وضرورة تأهيلها وتطويرها وتعزيز قدراتها وتمكينها من تصنيع الخامات الزراعية لتحقيق كفاية المجتمع وباعتبارها تعتمد في قسم أعظم منها على مواد أولية محلية ينبغي أن تعتمد على تقنيات صناعية متقدمة وعدم الاعتماد في إقامتها على آلات وتجهيزات مستعملة.‏‏‏

- الصناعي باسل الحموي - صناعات نسيجية وعضو غرفة الصناعة قال: أنا أحد الأعضاء الذين عارضوا السماح باستيراد آلات مستعملة ضمن عمر غير محدد، والسبب في ذلك أنه كان لدي قناعة سابقة وما زالت أن السماح باستيراد آلات مستعملة ضمن عمر استخدامي لهذه الآلات لا يزيد عن خمس سنوات هو موضوع صحي ولا يؤثر بالصناعة القائمة وله جدوى إنتاجية ونوعية بالنسبة لمستخدمي هذه الآلات.‏‏‏

وتابع قائلاً: أنا مع أن يتم استيراد آلات مستعملة من شركات اشترت تلك الآلات منذ فترة قصيرة ولأسباب خاصة بها طرحت آلاتها للبيع، ومن المنطق أن نكون نحن في سورية أحد المستفيدين من تلك الشركات المتعثرة والاستفادة من الآلات والتي تباع بأسعار متدنية والتي هي شبه جديدة.‏‏‏

وأضاف: إن دخول آلات مستعملة وقديمة جداً إلى القطر وبأسعار متدنية بشكل أكيد لن تدخل في تطوير الصناعة الوطنية بل على العكس تصبح عبئاً على المعامل القائمة والتي اشترت في السابق آلات جديدة وتتجه إلى إنتاج نوعية مميزة وعالية.‏‏‏

وأن دخول الآلات المستعملة بأسعار متدنية أثر بشكل غير عادل على قيمة الآلات الموجودة في أسواقنا المحلية، وأضعف من إمكانية تبديل الآلات المستعملة في سورية بآلات جديدة بعد أن انخفضت قيمة هذه الآلات بعد دخول الآلات المستعملة، وأصبح الفرق بينهما فرقاً كبيراً لا يشجع في كثير من الحالات أصحاب المنشآت على تبديل آلاتهم بآلات جديدة نتيجة هذا الفرق الكبير.‏‏‏

وتابع الحموي قائلاً: أصحاب المنشآت الصناعية المتطورة لا تقبل بإدخال آلات مستعملة حتى لو كان هناك سماح بآلات مستعملة، لأن هذه الآلات المستعملة لا تؤدي إلى النوعية والكمية المنتجة على الآلات الحديثة المماثلة، وببساطة لاجدوى اقتصادية لتلك الآلات المستعملة مهما كان سعرها متدنياً عند أصحاب تلك المنشآت.‏‏‏

وأوضح الحموي: أن المصارف العالمية لاتقبل بضمان الآلات التي يزيد عمرها عن عشر سنوات كذلك المصارف المأذونة في القطر والمصرف الصناعي تحديداً لا يقبل إعطاء أي قرض للآلات المستعملة، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على المخاطرة التي يدخل بها الصناعي المستورد لتلك الآلات المستعملة غير محدودة العمر.‏‏‏

ودعا لإعادة دراسة القرار رقم 3929/5 تاريخ 2/7/2008 وأثره على صناعتنا الوطنية، والوقوف عند النتائج الإيجابية والسلبية الناجمة عنه.‏‏‏

- عدنان النن رئيس غرفة تجارة ريف دمشق (صناعات غذائية) قال: بالنسبة للآلات المستعملة يمكن القبول ببعضها فيما إذا كان هذا البعض يفيد العملية الإنتاجية ويحقق نوعية جيدة للمنتج.‏‏‏

ويتابع قائلاً: الآلات المستعملة مقبولة في بعض الصناعات لكن الصناعات التي تحتاج لتقنية متطورة سيكون لها وضع آخر فهي تحتاج لآلات حديثة متطورة لأن العملية الإنتاجية لمثل هذه الصناعات التي تحتاج لتقنية سيكون للآلات المستعملة مؤثرات على العملية الإنتاجية وتنظر بالعملية الإنتاجية، لأن العملية التطويرية تحتاج لآلات تقنية حديثة قد لا توجد في الآلات المستعملة خاصة تلك التي مضى على تصنيعها أكثر من خمس سنوات، وهذه الآلات المستعملة بالنتيجة ستسيء للمنتج الوطني، وبالتالي هي غير قادرة على إنتاج إنتاجية منافسة للآلات الحديثة، بمعنى إننا لا نمنع استيراد الآلات المستعملة لكن بشرط ألا تؤثر على المنتج الوطني الجيد.‏‏‏

وحول تشكيل لجنة لتقييم القرار الذي لم يحدد سنة الصنع ولا بلد المنشأ قال النن: أنا مع أن تشكل لجنة لتقييم الإيجابيات والسلبيات الناتجة عن استيراد الآلات المستعملة ومدى صلاحية استمرار العمل باستيرادها أو عدمه لكن بشرط أن تكون هناك دراسات حول مدى تأثير الآلات المستعملة في التلوث البيئي، هذا بالإضافة إلى التأكيد على تقديم المنتج الجيد والمتميز والمنافس ومدى تأثير الآلات المستعملة على صغار الصناعيين من حيث تكاليف الإنتاج ووجود قطع التبديل، وخاصة أن غالبية الآلات المستعملة تعود لشركات ربما تكون قد أغلقت مصانعها أو اتجهت لتصنيع آلات حديثة ومتطورة تقنياً وألغت تصنيع تلك الآلات القديمة لأن العمر الافتراضي لأي آلة لا يتجاوز عشر السنوات.‏‏‏

- بهاء الدين حسن نائب رئيس غرفة تجارة دمشق قال: فيما يتعلق بالآلات المستعملة وكيفية دخولها إلى القطر لابد من أن تكون هناك لجنة تدقق في عملية الاستيراد هذه، ولابد أن تكون هناك مراقبة فعلية بحيث لا تكون عبارة عن شكل دون مضمون.. الآلات المستعملة أصبحت عبئاً على البيئة وعلى الاقتصاد الوطني كونها - أي الآلات المستعملة - لا تجاري في إنتاجها الآلات المتطورة تكنولوجياً إن من حيث الإنتاج أم من حيث نوعية هذا الإنتاج، نحن لا نريد أن تدخل إلينا آلات (سكراب) لا نعرف مصدرها.‏‏‏

- إن تدفق الآلات المستعملة ودون وضع ضوابط يلحق أضراراً فادحة بصناعتنا الوطنية وبقدرتها على المنافسة وهذا يتطلب اتخاذ إجراءات فورية وسريعة لجهة تشكيل لجنة للتقييم مع الأخذ بعين الاعتبار بتحسين التقنيات المستخدمة في الإنتاج الصناعي، وتفعيل دور المؤسسات المساندة، وهيئات الدعم المرتبطة بالنشاط الصناعي، وتحديث نظم وطرائق الإنتاج ونقل التكنولوجيا الحديثة وتطوير البحث العلمي الصناعي، وتنظيم آلية رقابية على المنشآت التي رخصت بآلات مستعملة منذ صدور القرار بغية الحد من المتاجرة بهذه الآلات، وكشف المنشآت المخالفة، وضبط مخالفاتها وإلزامها بشروط الأمن الصناعي والمواصفات القياسية.‏‏‏

اسماعيل جرادات

المصدر: الثورة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...