استراتيجيا إفساد الثقافة في سوريا

28-03-2007

استراتيجيا إفساد الثقافة في سوريا

الجمل ـ محمد علاء الدين عبد المولى :   أحاول أن أرى السؤال حول وجود استراتيجية ثقافية في سورية من خلال منظار محدد، حتى لو كان ذا ألوان مختلفة، ولكنها محددة وواضحة، فلا أستطيع. لأن السؤال يتضمن مفهومين كبيرين لا يمكن المرور بهما باستسهال. (استراتيجية + ثقافة). ولأننا في سورية نسمع دائما أن الحكومة لها خطط خمسية، فقد ذهب ذهني (وربما كان ذلك يدعو للسخرية) إلى أن هناك في البلد من يخطط لمشروعات ثقافية إنمائية كل خمس سنوات... فسألت من يكون هؤلاء الذين يضعون استراتيجية ثقافية لبلدي؟ ثم عدلت عن الفكرة لأنني حسب علمي لا حاجة عند الحكومة لوجع رأس كهذا... ثم لأنني لا أرى في الحكومةِ مَنْ هوَ قادرٌ على التّصدّي لوضعِ استراتيجية ثقافية، وربما كانت الحكومة بحاجةٍ إلى الاستعانةِ بخبراتِ دولٍ أوروبيةٍ صديقةٍ ذات باع طويل في وضع استراتيجيات ثقافية لهذا البلد أو ذاك. وقفت عند وزارة في الحكومة معنية مباشرة بالثقافة وهي وزارة الثقافة، فابتهج قلبي واطمأن قلقي وقلت: وجدتها... هنا توضع الاستراتيجية الثقافية لبلدي... فرأيت المسرح متراجعا، والفيلم السوري منتميا لتقاليد السلحفاة مع أن السينما (بتجيب فلوس للّدولة) لكن الدولة عفيفة... ورأيت النشر في الوزارة صعباً وسهلا وغير خاضع لرؤية ولو على مدى خمس سنوات... وانتظرت بعد هذا أن تباشر الهيئة السورية العامة للكتاب مهامها، لكن إذا باشرت مهامها بعقلية الوزارة وبعض كوادرها، فعلى الهيئة السلام... واستبشرت خيراً بوجود سيدتين قريبتين من مكان صنع القرار الثقافي في البلد، هما الأديبتان المبدعتان د. نجاح العطار (نائبة رئيس الجمهورية) وكوليت خوري (مستشارة السيد الرئيس للشؤون الثقافية) وانتظرت أن تأتي ثمرات هاتين السيدتين في رسم ملامح ولو عامة لاستراتيجية ثقافية ممكنة للبلد...
في سورية ثقافة؟ نعم... فليس هناك مجتمع دون ثقافة. حتى قبائل أسترالية بدائية لديها ثقافة... ولكن... في سورية ثقافة تنتجها وتحملها وتشجعها قوى ومجموعات ومؤسسات ووزارات وإعلام وصحف... كلها تريد أن تطبع الثقافة بطابعها. فتتسارع كل تلك العناصر لتحقق أكبر قدر ممكن من التثقيف كل في ميدانها... حتى القرى الصغيرة بدأت تقيم مهرجانات سنوية باسمها... والتثقيف هنا لا ينتج فعلا ثقافياً موضوعيا حقيقيا قدر ما ينتج ثقافة على شاكلة من يتصدى له، حاملا سماته السياسية التي لا ينقصها مرات الولاء السياسي على حساب الولاء الثقافي للوطن... والآن تنتشر في سورية ظاهرة رعاية المحاضرات الدينية على أعلى مستوى، فأتساءل ما الاستراتيجيا السحرية القابعة وراء هذا؟؟؟ وأجد أنّ من يحضر في مثل هذه المحاضرات في الصف الأول وعلى وجهه ملامح الإيمان والورع، هو نفسه من يرعى مهرجاناً تبدع فيها هيفاء وهبي بمشروعها الثقافي المحتشد والطافر من وراء ثيابها التي قلّت ودلت... قد يوحي ذلك بأن هناك تنوّعاً . ولكن مهلا... إن ما قد يبدو على السطح أنه تنوع ما هو في العمق إلا (عددا كميا لا نوعيا) وشكلاّ من أشكالِ السّياحة... مهما كان الذي يشجع السياحة، راقصة أم داعية...وتلك (لعمري) من ملامح الثقافة السورية: إنّها ثقافةٌ سياحيةٌ بامتيازٍ...
استراتيجية ثقافية؟؟؟ أين الفرص الحقيقية لمن يقدمون الإبداع الشعري في سورية؟ ولماذا يصبح عمر الفرا (شاعرا كبيرا) في سورية؟ وضمن أي استراتيجيا يقع هذا التضليل؟ أين الفكر النقدي والفلسفي في سورية؟ هذا تتولاه جامعات رثّة واتحاد أدباء تقليدي وتابع... أين المسرح في سورية؟ أين الفيلم؟ أين الأصوات الشابة المهمة التي تدهش العالم ولا تجد دكانا في سورية ينتج لها كاسيتا؟ أين أغنية المدينة السورية؟ لماذا عُمّمَتْ ثقافة علي الديك؟ (وهل ستنشرون هذا الكلام؟ أم أنه لا يتناسب مع الاستراتيجية الثقافية الرّاهنة؟) أذكرُ أنّ علي الديك أحيا ذات أمسية حفلة في جامعة البعث في حمص... في مقرّ أكاديمي معرفي كان (يلعلع) صوت علي الديك... حسنا ربما كانت هذه سمة من سمات الثقافة السورية، أي أن يرقص الوقار الأكاديمي والعلمي على الطبلة ويشرب المتة... هذه هي الثقافة التي تخدم نمطاً ذهنيا أحاديا مهيمنا على رؤوس العباد والبلاد. وتلك هي الاستراتيجيا الراهنة للثقافة السورية والتي آملُ أن ينتهي مفعولها قريبا، على يد خبرات ثقافية وإبداعية حقيقية تقدم الاستراتيجيا البديلة... وحتى ذلك الوقت، لا أجد في سورية إلا استراتيجيا إفساد الثقافة...

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...