آفاق المبادرة التركية لحل الأزمة الكردية

09-08-2009

آفاق المبادرة التركية لحل الأزمة الكردية

الجمل: تعتبر الأزمة الكردية من الملفات الأكثر تعقيداً في كل من تركيا والعراق وقد أكدت معطيات خبرة هذه الأزمة أن تداعياتها لم تقتصر حصراً على جنوب شرق تركيا وشمال العراق وإنما على توازن العلاقات التركية – العراقية وحالياً لا يمكن من قبيل الصدفة أن تتزامن زيارة رئيس الوزراء العراقي لإقليم كردستان مع تزايد التحركات التركية ضمن ما أطلق عليه الخبراء اسم "المبادرة الكردية" التركية.
* التحركات التركية إزاء ملف الأزمة الكردية: إلى أين؟
تقع المناطق الكردية – التركية جنوب شرق تركيا وتبلغ مساحة الأراضي التركية التي تطالب بها الحركات الكردية حوالي 230 ألف كيلومتراً مربعاً بما يغطي 17 محافظة تركية (إيرزنكان – إيرزوروم – كارز – مالاتيا – تونسيلي – إيلاتزيغ – بينغول – موس – أفري – أويامان – دياربكر – سي إيرت – بتليس – فان – سانلي أورفا – أكا أورفا – ماردين - هاكاري)، وتقدر المصادر الإحصائية الديمغرافية عدد الأكراد الأتراك بحوالي 14 مليون نسمة.
برغم تعدد الحركات السياسية الكردية - التركية فإن الأكثر أهمية في هذه القوى هي:
• حزب العمال الكردستاني التركي: تتمركز قواعده في شمال العراق ويمثل العمل المسلح رهانه الأساسي في تحقيق أهدافه.
• حزب المجتمع الديمقراطي: تتمركز قواعده نظرياً في تركيا وعملياً في مناطق جنوب شرق تركيا وبرغم أن اسم الحزب وبرنامجه لا يحمل أي صفة قومية كردية فإن عضوية الحزب وسنده الجماهيري هو كردي – تركي حصراً ويمثل العمل السياسي الجماهيري المدني السلمي رهانه الأساسي في تحقيق أهدافه.
أدت التطورات السياسية الجارية في الساحة التركية خلال الأعوام الماضية إلى نشوء 20 حركة سياسية كردية – تركية ولكن بسبب الظروف والمستجدات السياسية تآكلت شعبية هذه الحركات ما عدا حزب العمال الكردستاني وحزب المجتمع الديمقراطي ولاحقاً وبسبب الظروف التي طرأت على شمال العراق فقد أصبح حزب المجتمع الديمقراطي هو الأكثر نفوذاً على أكراد تركيا.
تحالف حزب المجتمع الديمقراطي مع حزب العدالة والتنمية الإسلامي التركي بما أدى إلى تعزيز سيطرة حزب العدالة على الدولة في تركيا وبالمقابل فقد نجحت تفاهمات حزب العدالة والتنمية – حزب المجتمع الديمقراطي في القيام بدفع أنقرة إلى إطلاق عليه "المبادرة التركية" التي تم إعدادها بواسطة فريق عمل ضمن 15 خبيراً وبتنسيق مباشر مع وزير الداخلية التركي وتم إعداد التقرير الذي حمل عنوان «حل المسألة الكردية: نحو نموذج تركي».
تقول التسريبات أنه برغم عدم إعلان أنقرة رسمياً عن تفاصيل المبادرة فإن الوقائع والمعلومات التي ظهرت بشكل خافت في الساحة التركية تتضمن الآتي:
• 1 آب 2009: ناقش بعض الأكاديميين والصحفيين والمفكرين الأتراك المسألة الكردية والحلول الممكنة لها وتمت المناقشة في مقر أكاديمية الشرطة التركية في أنقرة وقد تمت المناقشات بإشراف وزير الداخلية التركي بيسير أتالاي.
• 2 آب 2009: قام الشاهد السري الثالث في قضية سيمال تيموزو قائد كتيبة جندرمة محافظة كيساري المتهم بالتورط في الاغتيالات وعضوي التنظيمات الكردية السرية المسلحة بسحب شهادته أمام المحكمة ووصف الخبراء هذا الإجراء بأنه صفقة تهدف لتمهيد المسرح التركي لقبول وتمرير المبادرة التركية طالما أن الاستمرار في القضية سيترتب عليه توريط زعماء حزب المجتمع الديمقراطي، إضافة إلى إثبات ارتباطاته السرية مع حزب العمل الكردستاني وهو أمر لن يترتب عليه محاكمة زعماء المجتمع الديمقراطي وإنما قيام المحكمة الدستورية العليا بحله وحظر نشاطه إضافة إلى طرد نوابه من البرلمان، الأمر الذي سيضعف أغلبية التحالف الذي يقوده حزب العدالة والتنمية من جهة ويعزز من الجهة الأخرى موقف القوى المعارضة داخل البرلمان التركي وعلى وجه الخصوص حزب الشعب الجمهوري.
• 3 آب 2009: بدأت أنقرة تواجه بعض الضغوط الداخلية على خلفية محاكمة عناصر شبكة أرغيناكون وضغوط خارجية بواسطة رئيس جمهورية شمال قبرص محمد علي طلعت الذي عقد لقاء مع ألكسندر داونار مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى قبرص وأيضاً بواسطة الجنرال فوغ راسموسين (الدانماركي) الذي سبق أن سعت تركيا لعرقلة توليه منصب أمين عام حلف الناتو ولكنه تولاه بعد زيارة الرئيس أوباما الأخيرة لأنقرة وقد طالب راسموسين فور توليه منصبه تركيا بضرورة القيام بالمزيد من الإجراءات لبناء الثقة في الداخل والخارج وكذلك فإن حل المسألة الكردية هو أحد الشروط المطلوبة بواسطة المفوضية الأوربية.
• 4 آب 2009: أعلن رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بأنه يرى أن هناك فرقاً كبيراً بين حزب المجتمع الديمقراطي وحزب العمال الكردستاني وأضاف أنه سيلتقي رسمياً بممثلي حزب المجتمع الديمقراطي للتفاهم حول المسألة الكردية.
• 5 آب 2009: عقد رجب طيب أردوغان اجتماعاً رسمياً في مقر البرلمان التركي مع ممثلي حزب المجتمع الديمقراطي لمناقشة مشروع المبادرة التركية التي أشرفت على إعدادها الحكومة التركية.
• 6 آب 2009: عقد أردوغان لقاء مع رئيس الوزراء الروسي بوتين ورئيس الوزراء الإيطالي بيرلوسكوني وفي الوقت نفسه عقد الرئيس التركي عبد الله غول لقاء مع رئيس الوزراء العراقي السابق ابراهيم الجعفري لمناقشة الموقف العراقي وفي الوقت ذاته كذلك عقد السفير الأمريكي في تركيا جيمس جيفري لقاء مع أعضاء حزب المجتمع الديمقراطي لمناقشة محتوى المبادرة التركية.
• 7 آب 2009: عقد أردوغان اجتماعاً مطولاً مع الوزراء من أعضاء مجلس الأمن القومي التركي لمناقشة المبادرة التركية.
تأسيساً على ذلك، فقد جاءت أولى ردود الأفعال التركية الرافضة للمبادرة من حزب الشعب الجمهوري والحزب القومي التركي اللذان أكدا أنهما سيعملان من أجل الآتي:
• إسقاط المبادرة داخل البرلمان التركي.
• شن حملة سياسية ضد المبادرة باعتبارها تشكل خطراً يعرض وحدة الأمة التركية للانقسام.
إضافة لذلك، تقول بعض المعلومات والتسريبات أن المؤسسة العسكرية التركية ما زالت متحفظة على المبادرة ولم تظهر أي ردود أفعال عنها وتقول بعض التسريبات باحتمالات أن تسعى المؤسسة العسكرية إلى رفض المبادرة ومن الممكن أن تسعى إلى اتخاذ المبادرة كذريعة لاستهداف حكومة حزب العدالة والتنمية وفقط يتوقف الأمر على مدى نجاح حملة حزب الشعب الجمهوري والحزب القومي التركي في الحصول على مساندة الرأي العام التركي!
* خط أنقرة – بغداد: خيارات التعاون والصراع:
بعد قيام القوات الأمريكية بإكمال احتلال العراق نجحت الحركات الكردية العراقية في استغلال وجود القوات الأمريكية للحصول على المزيد من المزايا بما أدى إلى إقامة إقليم كردستان العراقي الذي يتمتع بحكومة ذات صلاحية مستقلة عن حكومة بغداد المركزية، وقد ترتب على ذلك أن انتقل ملف الأزمة الكردية العراقية إلى نقطة متقدمة مقارنة بملف الأزمة الكردية التركية وترتب على ذلك سعي حزب العمال الكردستاني إلى استغلال إقليم كردستان العراق كقاعدة لعملياته ضد تركيا ومن الجهة الأخرى ردت أنقرة بعملية عسكرية كان من أبرز نتائجها:
• وقوف واشنطن إلى جانب أنقرة.
• تخلي أربيل عن حزب العمال الكردستاني.
• سعي بغداد لاستثمار الموقف التركي بما يردع أربيل من مغبة التمادي في التوجهات الانفصالية.
تقول المعلومات والتسريبات أن أنقرة تسعى من أجل تنفيذ المبادرة التركية لأنها ستتيح لأنقرة تطبيع علاقاتها مع أربيل وعلى وجه الخصوص العلاقات النفطية والعلاقات التجارية أما بغداد فتسعى إلى دعم أنقرة طوال ما كانت تعارض ضم منطقة الموصل وكركوك إلى إقليم كردستان أما واشنطن وكما تقول المعلومات فإن تنفيذ المبادرة التركية سيتيح لها الاحتفاظ بأربيل وأنقرة كحلفاء طالما أن أربيل توافق على تنسيق مواقفها السياسية مع حزب المجتمع الديمقراطي باعتباره الممثل الشرعي لأكراد تركيا وليس حزب العمال الكردستاني المرفوض تركياً والذي أصبحت أربيل تنظر إليه باعتباره لن يجلب لها سوى خطر الغزو التركي وغضب الولايات المتحدة الأمريكية!


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...