سيناريو الانتخابات البريطانية ومجلس العموم القادم

26-04-2010

سيناريو الانتخابات البريطانية ومجلس العموم القادم

الجمل: تصاعدت سخونة الأجواء في الساحة السياسية البريطانية وذلك بسبب بدء العد التنازلي بجولة الانتخابات البريطانية البرلمانية العامة المحدد لها الانعقاد في يوم 6 أيار (مايو) 2010 القادم, وتقول المعلومات والتقارير والتحليلات بأن هذه الانتخابات سوف تسفر عن وضع سياسي جديد لم تألفه السياسة البريطانية منذ منتصف سبعينات القرن الماضي: ماذا تقول التوصيفات السياسية عن الصراع السياسي البريطاني القادم وما هي تداعياته المحتملة على السياسة الخارجية البريطانية, وعلى وجه الخصوص إزاء أميركا وأوروبا ومنطقة الشرق الأوسط؟

توصيف المعلومات الجارية
تشير التقارير والمعلومات إلى أن جولة الانتخابات البرلمانية الجديدة والتي تبقى لها أقل من عشرة أيام سوف تتضمن صراعا سياسيا, تتمثل ملامحه وعناصره الأساسية في الآتي:
• أطراف الصراع: وتتمثل في حزب العمال البريطاني ويقوده الزعيم غوردن براون, وحزب المحافظين البريطاني ويقوده الزعيم ديفيد كاميرون والحزب الديمقراطي الليبرالي ويقوده الزعيم نيك كليغ.
• مجال التنافس: يتكون البرلمان البريطاني من غرفة عليا هي "مجلس اللوردات" وغرفة دنيا هي "مجلس العموم", وهذه الانتخابات هي حصرا لاختيار 650 نائبا لعضوية مجلس العموم البريطاني.
• الجدول الزمني: في يوم 6 نيسان (أبريل) ذهب رئيس الوزراء العمالي الحالي غوردن براون إلى قصر بكنغهام حيث قابل ملكة بريطانيا وطلب منها حل البرلمانيك كليغن، وتم تأكيد ذلك رسميا في يوم 12 نيسان (أبريل) 2010م بمقر الحكومة البريطانية في داونينغ ستريت, وتم تحديد إجراء جولة الانتخابات في يوم 6 أيار (مايو) 2010م باعتباره التاريخ الذي بحلوله سوف تكون قد اكتملت فترة الخمسة أعوام التي تمثل ولاية البرلمان البريطاني الحالي الذي تم انتخابه في يوم 5 أيار (مايو) 2005م, وتأسيسا على ذلك: 12 نيسان (أبريل) تم حل البرلمان – 20 نيسان (أبريل) التاريخ المحدد لتسجيل الناخبين والمرشحين – 6 أيار (مايو) يوم الاقتراع – 18 أيار (مايو) انعقاد البرلمان.
برغم أن بريطانيا دولة عريقة في مجال الديموقراطية الليبرالية التعددية فإن الانتخابات البريطانية وطبيعتها المؤسسية تتميز بقدر من الخصوصية ويمكن الإشارة إلى ذلك على النحو الآتي:
• البعد الجغرافي-السياسي: تتكون بريطانيا من اتحاد يضم ثلاث مناطق هي: إنكلترا-أيرلندا الشمالية-اسكتلندا-ويلز ويطلق على هذه المناطق الأربعة تسمية المملكة المتحدة, وهي تنضوي جميعها تحت التاج الملكي البريطاني.
• البعد التنظيمغوردن براوني-السياسي: يطلق على البرلمان البريطاني تسمية برلمان المملكة المتحدة, واختصارا اسم برلمان ويست مينستر ورئيسة البرلمان الرمزية هي ملكة بريطانيا, وإجرائيا ينقسم البرلمان البريطاني إلى غرفتين الأولى هي غرفة عليا وهي مجلس اللوردات البريطاني, والثانية هي غرفة دنيا وهي مجلس العموم البريطاني, وإضافة لذلك تجدر الإشارة إلى أن طبيعة اختيار العضوية في مجلس العموم البريطاني هي الانتخابات الحزبية التعددية أما بالنسبة لمجلس اللوردات البريطاني فإن اختيار العضوية يتم بطريقة مختلفة: يبلغ عدد أعضاء مجلس اللوردات 733 عضوا وتنقسم عضويته إلى نوعين، أحدهما يتم انتخابه بواسطة البريطانيين الذين يحملون لقب لورد, والآخر بواسطة المجمعات الكنسية البريطانية الخمسة: أسقفية كانتربري – أسقفية يورك – أسقفية لندن – أسقفية دورهام – أسقفية وينشستر, وتأسيسا على ذلك فإن دور مجلس العموم البريطاني هو سن القوانين والتشريعات وانتخاب الحكومة ودور مجلس اللوردات هو مناقشة القوانين التي يقرها مجلس العموم البريطاني إضافة إلى بعض القضايا والجوانب المتعلقة بالدستور.
نلاحظ أن مجلس العموم البريطاني الذي سوف يتم انتخابه بعد عشر أيام هو الفاعل الرئيسي في السياسة الخارجية والداخلية البريطانية, أما مجلس اللوردات فهو أكثر تشريفيا وارتباطا بالرمزية الملكية للسياسة البريطانية.

المسرح الانتخابي البريطاني: أطراف المواجهة
سوف تخوض المنافسة الانتخابية العديد من الأحزاب البريطانية وبحسب الدراسات والتحليلات فقد صنف الخبراء هذه الأحزاب البريطانية إلى مجموعتين يمكن الإشارة إليها على النحو الآتي:
• مجموعة الأحزاب الكبيرة الرئيسية: وتتمثل في ثلاثة أحزاب رئيسية هي:ديفيد كاميرون
- حزب العمل البريطاني بقيادة غوردن براون, وقد حصل في الانتخابات الماضية على 356 مقعدا في مجلس العموم البريطاني.
- حزب المحافظين البريطاني بقيادة ديفيد كاميرون, وحصل على 198 مقعدا في عضوية مجلس العموم.
- الحزب الديمقراطي الليبرالي بقيادة نيك كليغ وحصل على 62 مقعدا في عضوية مجلس العموم
• مجموعة الأحزاب الصغيرة: وهي كثيرة العدد تتمثل في مجموعة الأحزاب اليسارية ومجموعة الأحزاب الاشتراكية إضافة إلى حركات الخضر والأحزاب ذات التوجهات الدينية والقومية الاجتماعية إضافة إلى الأحزاب ذات الطابع الإقليمي المحلي الخاص ببريطانيا مثل الأحزاب الاسكتلندية والايرلندية وما شابه ذلك.
تشير استطلاعات الرأي إلى أن الصراع السياسي الانتخابي البريطاني ظل يدور طوال الحقب الماضية بشكل تقليدي بين حزب العمال وحزب المحافظين, وبكلمات أخرى فقد ظل حزب العمال يمثل سياسات يمين الوسط البريطاني بينما يمثل حزب المحافظين سياسات اليمين البريطاني أما يسار الوسط واليسار البريطاني فيتمثل في قوى سياسية لا تجد أي دعم أو سند شعبي يتيح لها الصعود إلى مجلس العموم البريطاني, وما هو جديد هذه المرة تمثل في الصعود المطرد لقوة الحزب الديموقراطي الليبرالي الذي يتزعمه نيك كليغ, وقد بدا ذلك واضحا من خلال الاستطلاعات التي أجرتها بعض مراكز الدراسات ومسوحات الرأي في بريطانيا, وتشير المعطيات إلى أن هذه الاستطلاعات قد تم إجراءها بشكل منتظم على خلفية المناظرات التلفزيونية العلنية التي تمت بين الثلاثي: غوردن براون-ديفيد كاميرون-نيك كليغ, وحول موضوع السياسة الداخلية فقد تمت المناظرة الأولى بتاريخ 15 نيسان (أبريل) الحالي وقد تفوق فيها بشكل ملحوظ نيك كليغ ثم المناظرة الثانية حول الشؤون الدولية وقد تفوق فيها أيضا نيك كليغ وارتفعت أسهمه في الشارع السياسي بقدر كبير وتقول التحليلات بأن المناظرة الثالثة المتعلقة بموضوع الاقتصاد والضرائب والتي تقرر إجراءها في يوم 29 نيسان (أبريل) 2010 القادم, لو تفوق فيها نيك كليغ فإنه سوف يكون قد قطع شوطا كبيرا في مسيرة الحصول على عدد كبير من مقاعد مجلس العموم البريطاني, هذا وتشير معطيات خبرة مسوحات الرأي التي تتم في بريطانيا عقب إجراء المناظرات بين المتنافسين الرئيسيين قبيل الانتخابات بأسبوعين, بأن الذي يحصل على نسبة أكبر فإنه يحصل على مقاعد أكثر.

سيناريو الانتخابات ومجلس العموم القادم
أشارت الاستطلاعات وبحوث الرأي إلى أن نتيجة الانتخابات العامة البرلمانية البريطانية الجديدة هذه سوف تسفر هذه المرة عن وجود ثلاث قوى رئيسية متقاربة الأوزان بحيث لن يستطيع أي واحUnited Kingdomد منها أن يشكل حكومة بمفرده والسبب في ذلك هو أن الحزب الليبرالي الديمقراطي سوف يحصل على عدد أكبر من المقاعد هذه المرة وتقول المعلومات بأن صعود هذا الحزب سوف يؤدي إلى المزيد من التوجهات الجديدة في مجرى السياسات البريطانية على المستويين الداخلي والخارجي فحزب الديمقراطيين الليبراليين هو حزب يصنف على أساس اعتبارات أنه يمثل مذهبية تتراوح بين الوسط ويسار الوسط, وإضافة لذلك فهو من المطالبين بإصلاح نظام الضرائب البريطانية بما يفرض ضرائب أكبر على ذوي الدخل المرتفع وأقل على ذوي الدخل المنخفض, وعلى هذا الأساس فمن المتوقع أن تنخفض نسبة ضريبة الدخل الشخصي من 20% إلى 16%, أما ما هو أكثر أهمية ولفتا للنظر يتمثل بأن هذا الحزب من أبرز المناهضين لحرب العراق وحرب أفغانستان, وإضافة لذلك يطالب هذا الحزب بتعزيز استقلالية السياسة الخارجية البريطانية عن السياسة الخارجية الأميركية, وذلك طالما أن المصالح البريطانية في الخارج تتميز بخصوصية عن المصالح الأميركية, وبالنسبة لقضايا الصراع العربي الإسرائيلي فإن توجهات هذا الحزب لا تنسجم مع التوجهات الإسرائيلية وحاليا وكما تقول بعض المعلومات فإن جماعات اللوبي الإسرائيلي البريطاني والإٍسرائيليون نفسهم أصبحوا أكثر انزعاجا إزاء احتمال صعود هذا الحزب, وعلى ما يبدو فإن انزعاج الإسرائيليين وجماعات اللوبي الإسرائيلي لها أكثر من سبب ومن مصدر في السياسة البريطانية, وفي هذا الخصوص نشير إلى النقاط الآتية بحسب موقف جماعات اللوبي الإسرائيلي البريطانية:
• الموقف إزاء حزب المحافظين البريطاني: ظلت جماعات اللوبي الإسرائيلي البريطانية ومنظمات اليهود البريطانيين أكثر نفورا من تيار المحافظين البريطانيين وذلك باعتباره تيارا يمثل النزعة القومية الاجتماعية البريطانية, والتي تندرج ضمن نزعات جماعات اليمين الأوروبي والتي هي بالأساس ترفض كل ما كان هو غير أوروبي, أيا كان يهوديا أو إسلاميا أو من أي دين أو إثنية أخرى.
• الموقف إزاء حزب العمال: يتميز حزب العمال بانفتاحه الليبرالي وتوجهاته الرأسمالية واعتماده لمفهوم المصلحة البراغماتية وفي هذا الخصوص فقد ظل حزب العمال البريطاني يشكل تيار يمين الوسط, والذي يمثل بدوره الساحة الخصبة لنشاط وفعاليات جماعات اللوبي الإسرائيلي والمنظمات اليهودية والتي ظلت تقدم المساندة لهذا الحزب, وظاهرة دعم جماعات اللوبي الإسرائيلي والمنظمات اليهودية الأوروبية لأحزاب يمين الوسط لم تقتصر حصرا على حزب العمال البريطاني وإنما لكل أحزاب يمين الوسط الأوروبية الأخرى, كما في حالة أحزاب يمين الوسط التي يقودها ساركوزي الفرنسي وأنجيلا ميركل الألمانية وما شابه ذلك, ولكن وعلى خلفية التوترات البريطانية الإسرائيلية الأخيرة التي حدثت بسبب موقف حكومة غوردن براون العمالية إزاء العدوان الإسرائيلي ضد غزة وتقرير غولدستون, وعملية اغتيال المبحوح, ومواقف حكومة نتنياهو التي عرقلت عملية سلام الشرق الأوسط مثل الإصرار على توسيع المستوطنات وعمليات ترحيل الفلسطينيين وما شابه ذلك فقد أصبحت جماعات اللوبي الإسرائيلي البريطاني والجماعات اليهودية البريطانية أكثر كرها وانتقادا لحزب العمال البريطاني وزعيمه غوردن براون.
هذا بالنسبة لموقف جماعات اللوبي الإسرائيلي البريطانية والجماعات اليهودية البريطانية إزاء الحزبين البريطانيين الكبيرين التقليديين وهما: حزب العمال وحزب المحافظين, أما بالنسبة للحزب الديمقراطي الليبرالي فهو بالأساس لا يحظى بقبول أو مساندة هذه الجماعات وحاليا تشير المعلومات والتقارير التي أوردتها صحيفة جيويش كرونيكال التي تمثل المجتمع اليهودي البريطاني بأن 67% من اليهود البريطانيين يميلون إلى دعم حزب المحافظين البريطاني وزعيمه ديفيد كاميرون, وبأن حوالي 33% منهم مازالوا يميلون إلى تأييد حزب العمال البريطاني وزعيمه غوردن براون, وتشير المفارقة إلى أن حتى اليهود البريطانيين الذين أكدوا بأنهم يميلون إلى دعم حزب المحافظين البريطاني وزعيمه ديفيد كاميرون فإنهم من ناحية أخرى قالوا بأنهم تعتريهم المزيد من الشكوك إزاء مدى مصداقية ديفيد كاميرون في دعم إسرائيل وذلك بسبب علاقاته وروابطه الوثيقة مع زعماء الحركات اليمينية الأوروبية الأخرى المعادية لليهود وإسرائيل.

 

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...