الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق: حسابات الفرص والمخاطر

03-06-2007

الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق: حسابات الفرص والمخاطر

الجمل:     تزايدت حدة التصريحات التركية المهددة بالاقتحام العسكري لشمال العراق، وقامت الحكومة التركية على غير العادة بتقديم احتجاج مكتوب للسفارة الأمريكية في أنقرا، في سابقة غير مسبوقة في العلاقات التركية- الأمريكية يعبر عن رفض تركيا لقيام الطائرات الحربية الأمريكية بانتهاك سيادة تركيا، ولاحقاً اعتبر الأتراك تجاهل السلطات الأمريكية وعدم ردها على تركيا بمثابة إهانة بالغة لا يمكن السكوت عنها.
تناقلت أجهزة الإعلام العالمية، الأخبار والمعلومات المتعلقة بالتصعيدات الجديدة على طول الحدود التركية- العراقية، وظهرت على شاشات التلفزة صور ولقطات الشاحنات العسكرية التركية الضخمة، تنقل الدبابات والمدفعية الميدانية الثقيلة، وهي في طريقها إلى حدود تركيا الجنوبية المتاخمة لشمال العراق..
• مواقف أطراف الصراع:
* الموقف التركي:
يتمسك الأتراك بجملة ثوابت تشكل الخلفية الإدراكية والعقلية التي يتعاملون بها حصراً مع الملف الكردي، وهي:
- عدم السماح مهما كان الثمن بإقامة أي دولة كردية.
- الرفض التام لإقامة مناطق الحكم الذاتي الكردية الإقليمية ذات الصلاحيات الكبيرة في الاستقلال السيادي.
- الرفض التام لضم منطقة كركوك العراقية إلى إقليم كردستان.
- عدم السماح مهما كان الثمن للحركات الكردية التركية المسلحة بإقامة القواعد والمعسكرات المسلحة داخل وخارج تركيا.
* الموقف الكردي:
يتمسك الأكراد بتطلعاتهم القومية القائمة على أساس اعتبارات أن التمايز الاثني والقومي الكردي عن العرب، والإيرانيين، والأتراك، وظلوا يقاتلون في ثلاث جبهات: ضد الأتراك، ضد الإيرانيين، وضد العرب، وذلك من أجل إقامة الدولة الكردية المستقلة على أراضي كردستان، الأمر الذي دفع الحركات الكردية إلى الوقوع في شباك الذرائعية السياسية.
• التفاعلات الجارية:
تجمع الأكراد في الحصول على الدعم الأمريكي- الإسرائيلي، واستطاعوا إقامة نظام حكم إقليمي عالي الصلاحية داخل العراق، وحالياً أصبح إقليم كردستان العراقي بمثابة (المنطقة الحاضنة) للحركات الكردية الإيرانية والتركية والسورية.
أصبحت طاقة العنف الكامن في منطقة كردستان العراقية، أكثر احتقاناً، وأصبحت الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، تقومان بإدارة بؤرة الصراع الكردستاني الجديدة، وذلك على النحو الذي يوجه التطورات ضمن المسارات المتفق عليها بين أمريكا وإسرائيل، فأمريكا تريد الاحتفاظ بالبؤرة الكردية من أجل استخدامها ضد إيران، سوريا، العراق، وأيضاً ضد تركيا إذا استمرت السياسية التركية في الاتجاه الذي لا تريده أمريكا.
• البؤرة الكردية والنفوذ الأمريكي في تركيا:
استخدام البؤرة الكردية، ضد سوريا، وإيران، والعراق، أصبح أمراً مكشوفاً، أما استخدامها في تركيا، فيأتي ضمن (اللعبة) الأمريكية الجديدة في الشرق الأوسط، الهادفة لتطويع (العناد والجموح) الكردي الذي بدأ يظهر أكثر فأكثر من رفض تركيا استخدام أراضيها في غزو واحتلال العراق، ولاحقاً في الهجوم العسكري الأمريكي ضد إيران.. وعرقلة المشروع الأمريكي الهادف لتسوية الأزمة القبرصية لصالح اليونان.
كذلك تريد إدارة بوش استخدام البؤرة الكردية من أجل توجيه الرأي العام التركي بحيث يتحول من دعم الإسلاميين، إلى دعم وتأييد العلمانيين.
• التصريحات الأمريكية- الأوروبية.. المغزى والدلالة:
برزت ثلاثة تصريحات بشكل متزامن، وكانت على النحو الآتي:
- روبرت غاتز وزير الدفاع الأمريكي صرح محذراً تركيا من مغبة القيام بأي عملية عسكرية ضد شمال العراق.
- أعلنت المفوضية الأوروبية بأن الاقتحام العسكري لشمال العراق سوف يكون خطأ فادحاً كبيراً لو أقدمت أنقرا على تنفيذه.
- هنري كيسنجر، صرح قائلاً بأن الاقتحام العسكري التركي لشمال العراق سوف لن يكون في صالح تركيا.
أمريكا تريد الإبقاء على البؤرة الكردية، والاتحاد الأوروبي يريد تعزيز مواقفه الرامية لاستبعاد تركيا من عضوية الاتحاد الأوروبي، أما عجوز السياسة الخارجية الأمريكية، فيريد التلميح لتركيا بأن تقوم بمراجعة ما يحدث لمصالحها إذا أقدمت على الاقتحام العسكري لشمال العراق.
• الاقتحام العسكري وحسابات الفرص والمخاطر:
حسابات سيناريو الاقتحام العسكري أصبحت واضحة أمام حكومة أردوغان التركية.
- في حالة عدم القيام بتنفيذ سيناريو الاقتحام العسكري: سوف تتعرض الحكومة لـ(مخاطر) فقدان الرأي العام التركي، ومن ثم مواجهة السقوط في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية.. وأيضاً (مخاطر) تزايد قوة حزب العمال الكردستاني العسكرية والسياسية على النحو الذي سوف يهدد بتزايد الهجمات والضغط على قوى الجيش والأمن في تركيا.. بشكل قد يتطور أكثر فأكثر بفعل المساعدات الهائلة التي أصبح يحصل عليها حزب العمال الكردستاني بعد قيام إقليم كردستان العراقي، وسيطرة الحركات الكردية عليه.
هذا بالنسبة لجانب الـ(مخاطر).. أما بالنسبة لجانب الـ(فرص)، فإن عدم القيام بالاقتحام سوف يترتب عليه الحصول على رضا الحكومة الأمريكية، (وهو رضا غير مضمون بالنسبة للأتراك، بسبب تورط أمريكا في دعم الحركات الكردية، وعدم ضغطها الكافي على دول الاتحاد الأوروبي لكي يقبلوا ولو مبدئياً بانضمام تركيا للاتحاد)، كذلك سوف يترتب على عدم الاقتحام نيل رضا الاتحاد الأوروبي، وهو أيضاً رضا مشكوك في مصداقيته خاصة وأن الموقف الأوروبي الرافض لضم تركيا للاتحاد الأوروبي صار أقوى بعد فوز ساركوزي بالرئاسة الفرنسية وصعود أنجيلا ميركل إلى سدة الحكم في ألمانيا.
- في حالة القيام بتنفيذ سيناريو الاقتحام العسكري: سوف تتعرض الحكومة التركية لـ(مخاطر) تزايد الخلافات مع أمريكا والاتحاد الأوروبي، وهي مخاطر لا تشكل تهديداً حقيقياً لتركيا، وذلك لأن أمريكا وحلف الناتو سوف لن يقامرا بخسارة تركيا لأنها خسارة سوف يترتب عليها اختلال الميزان الاستراتيجي العسكري والأمن الدولي، وبالتالي سوف تظل أمريكا وبنفس القدر حلف الناتو في حاجة ماسة لاستمرارية تحالف تركيا معهم.
أما بالنسبة لـ(الفرص) فإن الاقتحام العسكري سوف يؤدي لتعزيز شعبية حكومة أردوغان ويقوي موقف حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية القادمة، كذلك سوف يقضي على قدرات حزب العمال الكردستاني بشكل يخفف الضغط على الجيش التركي وقوى الأمن التركية، وبالتالي تكسب حكومة أردوغان تأييد المؤسسة العسكرية بما يقطع الطريق أمام حدوث الانقلاب العسكري المحتمل والممكن الحدوث في حالة عدم القضاء على التهديدات العسكرية الكردية.
وعموماً، في كل الأحوال، ووفقاً لكافة الحسابات، فإن قيام الحكومة التركية بتنفيذ سيناريو الاقتحام العسكري لشمال العراق، هو سيناريو سوف يترتب عليه انفتاح الفرص بأكبر ما يمكن وتقليل المخاطر بأقل ما يمكن.. أما عدم تنفيذ السيناريو فسوف يترتب عليه تزايد المخاطر بأكبر ما يمكن، وتقليل الفرص بأدنى ما يمكن.
وبعد أن صرح رئيس هيئة أركان الجيش التركي الجنرال اليسار بيوكانيت قائلاً بأن جيشه أصبح جاهزاً لاقتحام شمال العراق، فإن الكرة أصبحت تماماً في ملعب أردوغان وحزب العدالة والتنمية.

الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...