هل دخلت تركيا «مرحلة 28 شباط» جديدة؟

17-03-2008

هل دخلت تركيا «مرحلة 28 شباط» جديدة؟

دخلت تركيا مرحلة سياسية جديدة، ظُن أنها لن تعود ثانية بعد الإصلاحات السياسية التي قام بها حزب العدالة والتنمية منذ وصوله إلى السلطة في العام ,2002 وتعززت المخاوف من أن يتكرر سيناريو عدنان مندريس الذي ضرب أرقاما قياسية في الحصول على تأييد الشعب في الانتخابات النيابية في الخمسينيات، وصلت إلى 57 في المئة، لكنه مع ذلك لم ينج من انقلاب عسكري وتعليقه على حبل المشنقة.
وها هو رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان، بطل «الثورة الثانية»، يواجه التحدي ذاته، رغم انتصار حزبه الكاسح في انتخابات 22 تموز الماضي ونيله 47 في المئة من الأصوات، مع فارق هذه المرة أن الوعي الشعبي مختلف، ما يرجح أن تدخل البلاد في تحدّ غير مسبوق إذا لم يتراجع القضاء عن اتهاماته، التي تعني تصفية للإرث السياسي لحزب العدالة والتنمية ولكل الطبقة السياسية الحاكمة في المواقع التشريعية والتنفيذية والرئاسية، ما يفتح على فوضى كاملة تكثر التساؤلات عمن وراءها، وهل هي فقط في إطار تصفية حسابات محلية، والتي على أهميتها غير مقنعة وحدها، أم أنها نتيجة قرار خارجي ينزع الغطاء عن سلطة الحزب الحاكم بعد استنفاد مهمته ودوره! وهل يدفع هذا الحزب ثمن تباطئه في الإصلاح خلال السنتين الماضيتين، وتوجيه اهتمامه إلى قضايا دينية وقومية، ما أتاح استفادة القضاء من الهامش المتبقي له في القوانين لينقضّ على حزب العدالة والتنمية بعدما فشل في انقلابه الالكتروني ـ القضائي، بالتضامن مع المؤسسة العسكرية في 27 نيسان الماضي؟
هكذا طلب مدعي عام الجمهورية عبد الرحمن يالتشينكايا حظر حزب العدالة والتنمية، ومنع 71 من قادته من ممارسة العمل السياسي لخمس سنوات، بتهمة أن الحزب يريد إقامة دولة دينية، وأن الجمهورية تتعرض إلى تهديد كبير لم يسبق له مثيل، وأن هذا التهديد قريب وواضح.
وشبّه المدعي العام مسار الحزب الحاكم بالحــركة النازية في ألمانيا والثورة الإسلامية في إيران. وعددت مطالعته 61 تصريحا لأردوغان، و16 لرئيس البرلمان السابق بولنت ارينتش و10 تصريحات لرئيس الجمهورية عبد الله غول عندما كان وزيرا للخارجية، تصب كلها في هدف إقامة دولة دينية.
ومن هذه التصريحات لأردوغان قوله، في العام ,2005 انه كشخص ليس علمانيا، فالدولة هي التي تكون علمانية ومن واجبه في المقابل حماية النظام العلماني. وكذلك قوله إن من يحق له التكلم بالحجاب هم رجال الدين، و«نحن مسلمون مؤمنون».
وقد ردّ اردوغان بعنف على مطالعة المدعي العام، موضحا انه لا يعرف مقدار الضرر الذي تلحقه المطالعة بتركيا، وأنها خطوة ضد إرادة الأمة، التي أسست حزب العدالة والتنمية الوحيد المتمثل نيابيا في 80 من محافظات تركيا الـ ,81 وهو الحزب الوحيد الذي استطاع أن يقيم دولة الديموقراطية والعلمانية والقانون. ووعد الأمة بأنه سيدافع عنها حتى النهاية. وخاطب المدّعي العام، قائلا «إلى هذا رخيصة أصوات 16 مليون ونصف مليون مواطن أعطوا أصواتهم إلى العدالة والتنمية؟ إن من لا يعتبر إرادة الأمة لا يمكن أن يقيم دولة القانون».
وعلى متن الطائرة التي أعادته إلى اسطنبول من قمة منظمة المؤتمر الإسلامي في دكار، أعرب غول عن انزعاجه الشديد من التطورات وكان، على ما وصفه حسن جمال في صحيفة «ميللييت»، حزينا. وقال «إنهم يريدون إحراجنا وإخراجنا. إن تركيا تخسر على كل الصعد من هذه القضية، وهذا أمر يتعبها، وآن لهذا البلد أن يستريح من مثل هذه القضايا»، مضيفا انه مؤمن أن أنقرة لن تعود إلى فوضى التسعينيات، وحتى العام .2002
أما ارينتش فقال انه يشعر بالفخر من هذه الدعوى، موضحا أنها لن تسبب أي أذى للحزب بل سترتفع نسبة التأييد له إلى 70 في المئة. وشدد على أن رئيس الجمهورية غير مسؤول أمام القانون، فكيف يطلب منعه من العمل السياسي؟ وأي قضاء هذا يتحرك وفق الحقد والغرض وليس وفق القانون؟.
وتابع حزب العدالة والتنمية اجتماعاته المفتوحة لتحديد سياسة مواجهة المدعي العام، واحتمال إغلاقه. وفور تبلغ اردوغان المطالعة جمع أركان الحزب ودعاهم إلى التصرف بهدوء وعدم ارتكاب الأخطاء، واتهم الآخرين بأنهم يريدون قطع رأس الحزب، واعدا بالاستمرار في خدمة الشعب.
أي استراتيجية مواجهة، أو خريطة طريق، يريد الحزب الحاكم اتباعها؟
من بعض معلومات الصحافة التركية أن الحزب قد يتقدم سريعا بتعديلات دستورية عاجلة تزيد من صعوبة إغلاق الأحزاب وتحدّ من صلاحيات المدعي العام. وسيجسّ رأي حزب الحركة القومية بهذا الخصوص، لأنه يحتاج إلى أكثرية الثلثين في البرلمان. ولن يقاطع المسار القضائي للدعوة بل سيتقدم بدفوعاته كما تقتضي العملية.
أما بالنسبة للمعارضة فقد انقسمت إلى قسمين: الأول يضم الأحزاب اليسارية العلمانية، مثل الشعب الجمهوري واليسار العلماني ودعت إلى عدم التدخل في العملية القضائية. وقد تذرّع نائب رئيس «الشعب الجمهوري» اونور اويمين بدساتير الدول الأوروبية التي تلحظ إغلاق الأحزاب، وهو ما حصل في اسبانيا، ولم يعترض احد هناك، موضحا انه ضد إغلاق الأحزاب لكن على الجميع التقيد بالدستور.
أما القسم الثاني فقد كان متحفظا وليس معترضا على قرار المدعي العام. وقال زعيم الحركة القومية دولت باهتشلي انه يجب عدم إغلاق الأحزاب، بل معاقبة الأشخاص، وانه على استعداد للمضي في تعديل دستوري في هذا الاتجاه. وشدد على أن الأمة، وليس أي جهة أخرى، هي التي تصفي وتعاقب الأحزاب، محذرا من العواقب الخطيرة لإغلاق حزب العدالة والتنمية بمعزل حتى عن جوانبها القانونية.
واعتبر حزب «المجتمع الديموقراطي» الكردي، الذي يحاكم أمام القضاء، في دعوى لإغلاقه أيضا أن عملية إغلاق الأحزاب أصبحت روتينية في تركيا، لكن عندما فتح القضاء دعوى لإغلاق حزبنا لم يتحرك احد معترضا، فأين المدافعون عن الحزب الحاكم من الدعوى لإغلاق حزبنا؟
وحذرت معظم التعليقات من تأثير إغلاق الحزب الحاكم على الاستقرار في تركيا. وقال الكاتب العلماني المعروف ديريا سازاك إن أنقرة تواجه خطرا حقيقيا، ولا سيما في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية وفوضى تطبيق قانون الحجاب والابتعاد عن هدف الاتحاد الأوروبي والإضرابات العمالية. وأشار إلى أن تركيا لن تجني شيئا من إغلاق الأحزاب، وقد جرّب الجيش والقضاء منع انتخاب غول رئيسا للجمهورية عبر الانقلاب الالكتروني فماذا حدث؟ إن من يأتي عبر الانتخابات يجب أن يذهب فقط عبر الانتخابات.
وأسف المعلق الإسلامي المعروف فهمي قورو، موضحا أن تركيا لم تتعظ بعد من أن إغلاق الأحزاب لن يفيد بشيء، متسائلا ما إذا كانت البلاد أمام عملية جديدة على غرار مرحلة 28 شباط ,1997 التي أطاحت نجم الدين اربكان وكانت وبالا على الإسلاميين.
وكانت ردة فعل واشنطن ملتبسة بعض الشيء، فقد دعا رئيس دائرة أوروبا في وزارة الخارجية تشايز بيمير إلى احترام المؤسسات والقواعد الدستورية، واحترام إرادة الأمة في انتخابات 22 تموز الماضي. ووصف السفير الأميركي السابق لدى تركيا مارك غروسمان دعوى إغلاق الحزب بأنها فاجأته، موضحا أن نتائج الانتخابات في المجتمعات الديموقراطية أمر مهم.
وقال مسؤول شؤون توسيع الاتحاد الأوروبي أولي رين إن السياسة في الديموقراطيات الأوروبية لا تقرر في المحاكم بل في الانتخابات، موضحا أن على الحكومة ألا تتأخر في تسريع مسارات الإصلاح وفق الإطار الأوروبي.
هناك ثلاثة خيارات أمام المحكمة الدستورية: الأول هو إغلاق الحزب من أساسه، وهذا يحتاج إلى موافقة سبعة من أعضاء المحكمة الأحد عشر بعدما كان القانون سابقا يقول بموافقة ستة فقط، والثاني هو فقط قطع المساعدة المالية من الدولة كليا أو جزئيا عن الحزب، والثالث هو رفض الدعوى وكأن شيئا لم يكن.

محمد نور الدين

المصدر: السفير
  

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...