نوال السعداوي: النساء ضحايا الاستغلال الاجتماعي

26-02-2007

نوال السعداوي: النساء ضحايا الاستغلال الاجتماعي

تدرب العقل البشري منذ نشوء التقسيمات العبودية على الفصل بين العام والخاص، بين السياسي والشخصي، بين قوانين الدولة وقوانين العائلة والزواج والنسب.

لأن التقسيمات العبودية فرقت بين البشر على أساس الجنس والطبقة والدين، أصبحت التفرقة هي الاساس والاصل، رغم أنها فرعية وثانوية، فرضتها النظم السياسية العبودية، الاقطاعية، الرأسمالية الحديثة، وما بعد الحديثة.

تقوم هذه الانظمة على الفلسفة العبودية ذاتها التي سيطرت على العقل البشري على مدى القرون، تدعمها مبادئ تؤكد التفرقة، حسب مبدأ «فرق تسد» المبدأ الذي اعتنقه مفكرو الاستعمار الأوروبي ثم الاستعمار الاميركي في هذا القرن الواحد والعشرين.

هذا يفسر لنا سبب تصاعد تسييس الدين في بلاد العالم، شرقاً وغرباً، وشمالاً وجنوبا، بما فيها بلادنا العربية، يعتمد جورج بوش (الابن) مثل ابيه على تدعيم التيارات المسيحية الأصولية داخل الولايات المتحدة الأميركية، ويستغلها لإشعال الحروب العسكرية والاقتصادية في العالم.

أما علاقة جورج بوش (الاب والابن) بالتيارات الاسلامية الاصولية فهي معروفة منذ بداية الثمانينات من القرن العشرين، فقد شجعت الحكومة الاميركية تنظيم «القاعدة» وأسامة بن لادن، والشباب من مختلف البلاد العربية والاسلامية (بما فيها مصر)، وقامت بتجنيدهم في حرب افغانستان لضرب الشيوعية والاتحاد السوفياتي.

وفي عصر السادات تم تشجيع هذه التيارات الدينية الأصولية لضرب القوى الاشتراكية في مصر ومنها الناصريون والشيوعيون وغيرهم من المعادين للسياسة الاميركية والاسرائيلية في المنطقة العربية.

تحالف السادات مع جماعة «الاخوان المسلمين» في مصر خلال السبعينات من القرن العشرين، وجماعات اسلامية اخرى متفرعة منها، أو خارجة عليها، وتم له ما أراد، تحويل الاقتصاد المصري الى اقتصاد تابع لمصالح السوق الاميركية، ضرب الانتاج المصري المحلي الزراعي والصناعي، إحداث فتنة دينية بين المسلمين والاقباط في مصر، إطلاق الفكر الديني الاصولي في أجهزة الاعلام والتعليم، مع إطلاق حرية السوق الاميركية في غزو السوق المصرية بالبضائع الاستهلاكية من الكوكاكولا الى الفول المدمس، الذي اصبحت مصر تستورده من كاليفورنيا، بدلا من ان تنتجه محلياً، بالاضافة الى القمح والاغذية الرئيسية للشعب.

حدث في مصر ما يسمى «الأمركة والأسلمة» في آن واحد. انتشر الحجاب تحت سيطرة الفكر الديني الاصولي، وارتفعت نسبة ختان الإناث مع ارتفاع نسبة الحجاب.

إلا أن الحجاب والختان لم يمنعا المرأة من العمل بأجر خارج البيت لصالح الزوج أو الأب، ولا يمنعانها من تعلم اللغة الانكليزية وأعمال الكومبيوتر لتشتغل بأجور أكبر في الشركات الاميركية ووكلائها داخل مصر، ولا يمنعانها من ان تشتري من السوق أدوات الزينة الاميركية المستوردة، وأن تمشي فوق كعبين عاليين رفيعين تتأرجح وتهز ردفيها بهما، بل ترتدي البنطلون الجينز الاميركي الضيق.

في هذا العام 2007 زادت نسبة ختان الإناث في مصر الى 97.4 في المئة بعد أن هبطت خلال السنوات الماضية، أما نسبة المحجبات في مصر فيكفي أن تمشي في شوارع القاهرة لترى رؤوس النساء المحجبات من الأعمار كافة وكل الأشكال والموضات.

أصبح الفقر في بلاد العالم مؤنثا، لأن النساء في جميع الثقافات والاديان هن أقل رتبة من رجالهن، أما النساء الفقيرات فهن قاع المجتمع في أي بلد، وتضطر المرأة الفقيرة الى أن تبيع جسدها، وأن تبيع دمها ايضاً في سوق الدم، وأخيراً تبيع بويضاتها للبنوك التي تتاجر بها.

تلعب التكنولوجيا الجديدة في استغلال النساء الفقيرات أكثر وأكثر، وكان المفروض أن تساعد الاكتشافات العلمية الأخيرة على تحرير النساء والفقراء، إلا أن العلم يخضع للقوى السياسية والاقتصادية والعسكرية الحاكمة، وقد أدت الاكتشافات النووية الى المزيد من الحرب والقتل والاستغلال، وليس الى المزيد من السلام والحرية والعدل.

يوم الاثنين 19 شباط (فبراير) 2007، وأنا أقرأ جريدة «الديلي ميل» في غرفتي بالفندق في مدينة بروكسيل، رأيت عنواناً في الجريدة يبشر النساء الفقيرات في بريطانيا وأوروبا أن المرأة ستحصل على 250 جنيها استرلينيا مقابل بيع بويضة، وهو مبلغ قد يساعد الأم الفقيرة على تسديد نفقات أطفالها في المدارس، أو شراء الطعام لهم أو الملابس الشتوية الجديدة.

لا تحتاج المرأة الفقيرة الى بويضاتها، فهي مثقلة بالعمل الشاق لإطعام أطفالها، وليس لديها الجهد ولا الوقت للتفكير في أمور الجنس أو الحب أو غيرها من كماليات الحياة.

سيستفيد من ذلك الرجال من الطبقات العليا، المصابون بالعقم، أو المصابون بأمراض الشيخوخة والثراء، مثل مرض القلب وتصلب الشرايين وألزهايمر والباركينسون، والانفصام، وتورط العجائز من الرجال في حب البنات الصغيرات من عمر حفيداتهم، وهذا المرصد الاخير أصبح شائعا في بلاد العالم بعد أن تحسنت صحة الرجال، وأصبح الواحد منهم يعيش حتى التسعين أو المئة وأكثر، وازداد استخدام حبوب الفياغرا. وهناك بحوث علمية جديدة تسعى الى اكتشاف نوع آخر من الفياغرا للنساء العجائز، زوجات هؤلاء الرجال، حتى يمكن للزوجة العجوزة المهجورة أن تعوض عن حرمانها من خلال الشباب الفقراء العاطلين عن العمل.

قد يبدو لنا ذلك مقززا إلا أن العالم الرأسمالي الذكوري لا يؤمن إلا بالربح، وإن تضاعف القرف.

يعيش العالم الرأسمالي الذكوري على الضعفاء والفقراء والنساء، فالقوة هي التي تحكم وليس أي شيء آخر، وأكثر الفئات ضعفا هن البنات الصغيرات الفقيرات، اللواتي يتطلعن الى الحياة والحب والسعادة وكل شيء، إلا أن المجتمع من حولهن لا يعطيهن الفرصة، إلا بعد ان يسلب منهن أعز ما يملكن، ليس بكارتهن فقط، لكن حياتهن نفسها الغالية وصحتهن النفسية والعقلية.

هناك جيل من البنات المحطمات في بلاد العالم، شرقا وغربا، وشمالا وجنوبا، من جميع الثقافات والاديان، يعشن في ظل عالم رأسمالي ذكوري واحد، عالم يتاجر بمشاعرهن، يتاجر بأجسادهن وعقولهن، يتاجر بحاجتهن الملحة للحب والحنان، فيدفع بهن من دون رحمة الى السوق الحرة، (حرية الأقوى لاستغلال الاضعف) هناك دراسة علمية جديدة تكشف عن أن جيلا من البنات في بداية هذا القرن الواحد والعشرين، يتحطم نفسيا بسبب تجارة الجنس في العالم، والتجارة بالعواطف والحب.

هذه التجارة تحول الفتاة الصغيرة الى أداة جنسية في السوق الاستهلاكية، أصبحت البنات يتربين على استهلاك الصور الجنسية في أجهزة الإعلام وفي الافلام والفنون، أصبح العري الجسدي بديلا للفن العميق الجميل، اصبحت العلاقات العاطفية والجنسية المريضة هي السائدة.

تتدرب البنات على وسائل الإغراء في أغلب العائلات، حتى الأسر المتدينة، تدرب بناتها على اصطياد العريس، ويظن الأم أو الأب أن ابنتهما على قدر كبير من الجمال والجاذبية، بل كثيرا ما تفخر العائلات بقوة بناتهن على الجذب واصطياد العريس الناجح الثري.

انه عالمنا الرأسمالي الذكوري، القائم على تحويل النساء، خصوصاً الفقيرات، الى سلع متحركة في السوق المحلية والعالمية.

أما السوق الاخرى القائمة علي التجارة بالجنس (البغاء) فقد أصبحت من أكبر الاسواق في العالم غربا وشرقا، تقوم علي بيع البنات الفقيرات من البلاد الفقيرة في آسيا وافريقيا وأميركا اللاتينية الى البلاد الثرية في اوروبا واميركا، هذه التجارة التي تقدر ارباحها سنويا بالبلايين، لا تزيد عنها الا أرباح التجارة بالأسلحة والمخدرات.

عالم قبيح يزداد قبحاً مع شراسة التجارة الرأسمالية، وشراسة الحرب العسكرية التي تشنها اميركا واسرائيل والدول الاوروبية على بلادنا وبلاد العالم.

والنساء الفقيرات في عالمنا هن القاع، وعبيد العبيد.

 

نوال السعداوي

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...