من يذكر موشي دايان سارق المقابر والهياكل والأرواح البريئة

29-08-2006

من يذكر موشي دايان سارق المقابر والهياكل والأرواح البريئة

تحفظ الذاكرة العربية الكثير عن موشي دايان كمجرم حرب، فقد شارك في تهجير الفلسطينيين من أرضهم، وكان رئيس أركان الجيش الاسرائيلي خلال العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 ثم وزيراً للدفاع خلال حرب حزيران 1967، لكن العرب لا يعرفون أن من ساهم في سرقة أرضهم كان يهوى سرقة الآثار.

ثلاثون سنة مضت على موت موشي دايان، ولا تزال صورته هي نفسها: الجنرال المساهم في قتل الفلسطينيين، وفي حرب السويس، ووزير الدفاع الإسرائيلي خلال حرب 1967، أو الرجل الذي حقّق نصراً لإسرائيل ضد العرب. لكنّ جرائم موشي دايان لم تقتصر على تهجير الفلسطينيين من أرضهم وقتل العرب، فهو سارق آثار محترف، ويعرف الإسرائيليون جيداً هذا الأمر ولكنهم يتغاضون عنه.
شغف دايان بالآثار ــ لأية حضارة انتمت ــ كان يدفعه الى المواقع الأثرية ليحفر بيديه ولساعات طوال بحثاً عن قطع قديمة يضيفها لاحقاً الى مجموعته.
بعد وفاة موشي ديان عام 1981 باعت زوجته قسماً منها لمتحف إسرائيل بقيمة مليون دولار، فيما وهبت القسم الآخر للمتحف أيـضاً وسمّته “مجموعة موشي دايان الأثرية”.
لسنوات غضّ الرأي العام الإسرائيلي النظر عن “نزوة” الجنرال هذه، وعن تقارير علماء الآثار ومسؤولي المواقع التي كانت تؤكد قيام موشي دايان بحفريات في مواقع إسرائيلية وسرقة ما يجده فيها، إلا أن الوضع تغيّر قليلاً اليوم، فبعد انقضاء ربع قرن على وفاته، تجرّأ عالم الآثار الموظّف لدى السلطات الإسرائيلية المعنيّة راز كليتر (Raz Kletter) على نشر بعض من هذه الحقائق، وخصوصاً أن شغف قائد الأركان كان قد تسبّب بأزمة دولية بين مصر وإسرائيل.
نهب دايان مئات المواقع الأثرية في سيناء ومنها موقع سرابيت الخادم، معتبراً “أن لهذه القطع الأثرية قيمة فنية كبيرة، فلتعرض في المتاحف بدل أن تبقى هنا لتدمّر”. وقد استخدم وزير الدفاع الاسرائيلي السابق سلاح الجو في مهمة أطلق عليها اسم “عملية الحجر” لنقل المسلّات المصرية التي لما تزل الكتابات والرسوم والنقوش عليها سليمة الى منزله الخاص.
والجدير بالذكر في هذا الإطار، وبحسب مقالة نشرت في مجلة “الأهرام الأسبوعية”، أن إسرائيل لم تُعِد إلا ربع الآثار المسروقة على يد موشي دايان ورجاله من صحراء سيناء. فالطائرة التي أُرسلت إلى مصر عام 1995 حملت 500 صندوق من التحف، لكنها لم تكن تحوي أياً من القطع النادرة التي استولى عليها الجنرال... ويستحيل تحديد عدد القطع المسروقة من موقع سيناء بشكل دقيق، إلا أنّ علماء الآثار يقدّرون أن “عملية الحجر” جعلت دايان يسرق عشرات الآلاف منها بعمليات حفر ضخمة. ويعترف عالم الآثار الإسرائيلي “أفيس غورون” المسؤول عن الحفريات في سيناء لدى سلطات الاحتلال الاسرائيلي بين عامي 1978 و 1982 “أن موشي دايان كان يعطي الأوامر بالتدمير الكامل للمواقع الأثرية بعد سرقتها بحيث يستحيل اليوم تقويم الأهمية التاريخية لهذه المواقع”.
ثاني أكبر عملية نهب قام بها موشي دايان كان ضحيتها موقع دير البلح في غزّة، حيث عثر على عشرات من النواويس المنحوتة على شكل بشر تعود إلى العصر البرونزي القديم (5000 ق.م.). فاستخرجها واستحوذ عليها واستملك محتوياتها، وكلها تحف لا تقدّر بثمن.
واللافت أن دايان لم يشعر يوماً بالعار أو الخجل لقيامه بـــهذه الســـرقات، لا بل كان يتباهى بها ويطـــلب التــــقاط صــور له، حاملاً معولاً ورفشاً.
لم تقتصر عمليات السرقة هذه على المواقع الأثرية في الأراضي التي احتلتها إسرائيل بعد حرب حزيران، إنما قام موشي دايان بحفريات داخل الأراضي التي احتلت عام 1948.
وقد أحصى عالم الآثار “راز كليتر” خمسة وثلاثين موقعاً أثرياً سرقها الجنرال وأصدقاء له “تعلموا منه” حب الآثار وشاركوه فرحة “الاكتشاف”.
ولم يكن أصدقاؤه يخشون عقوبات السلطات المختصة بحماية الآثار، فقد دخل موشي دايان مرة عنوة حفريات أثرية في موقع غيكاثيم، وسرق مقابر وهياكل عظمية تعود لفترة ما قبل التاريخ. وكانت حكومات إسرائيل وشعبها مستعدين لـ“تغطية” سرقات دايان وحتى للدفاع عنها بغية إرضاء من اعتبروه “البطل الأسطوري الذي قاد إسرائيل الى النصر في حرب 1967”. كتاب سيرة دايان تطرّق الى عشقه سرقة الآثار وذلك في محاولات لإضافة بعض “الرومنسية” الى حياته الصاخبة بالمعارك أو ربما لتصويره مغامراً، مكتشفاً للحضارات الغابرة أو منقذ الآثار المندثرة.

و تكمن خطورة ظاهرة موشي دايان “سارق الآثار” في أنه كان نموذجاً لسلوك اعتمده في زمنه، ولاحقاً اعتمده جنرالات في الجيش الإسرائيلي قاموا بالحفريات معه، وبعد وفاته سرقوا من جنوب لبنان آثاراً يتعذّر تحديدها للمطالبة بها. فمن المعروف أن الجيش الإسرائيلي أكمل الحفريات في موقع قبر أحيرام قرب صور، ولم يُعرف بعد عدد القطع المسروقة ولا قيمتها. هذا ناهيك عن المواقع التي نهبت في زمن لم تكن السلطات اللبنانية قد اكتشفتها بعد. وبما أن الإسرائيليين لا يزالون يرون موشي دايان مثالاً يحتذى به حتى يومنا هذا، فالخطر الاسرائيلي يحدّق بلبنان وبآثاره وبكنوزه التاريخية.
والخطر لا يزال يحدّق بأراضي السلطة الفلسطينية، فالجيش الاسرائيلي لم يوقف اعتداءاته ضدها، وقد تصاعدت هذه الاعتداءات منذ بداية انتفاضة الأقصى التي انطلقت في أيلول عام 2000. وسائل الإعلام العربية منشغلة في تسليط الضوء على الانتهاكات والاعتداءات التي تشنّها الحكومة الاسرائيلية وجيشها ضد الفلسطينيين، وهي لا تتنبّه حالياً إلى الانتهاكات ضد الآثار الفلسطينية. المهتمون بالآثار قلقون، ولكنهم لم يصدروا حتى الآن دراسات موثّقة وتفصيلية عن كل السرقات التي قام بها اسرائيليون (مسؤولين وضباطاً وجنوداً) في فلسطين والأراضي العربية التي احتلوها منذ عام 1948.
ملف الآثار المسروقة لم يُفتح بعد في لبنان وفلسطين، وقد يكون ملفاً “دسماً” يلفت إلى أن لإسرائيل مطامع بالأراضي العربية وبالمياه وأيضاً بالآثار.

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...