لماذا امتنعت إسرائيل عن استخدام قنبلة نووية في حرب 67؟

24-05-2007

لماذا امتنعت إسرائيل عن استخدام قنبلة نووية في حرب 67؟

كشف الخبير في تاريخ المشروع النووي الإسرائيلي البروفيسور أفنير كوهين النقاب عن أن إسرائيل فكرت عمليا في استخدام السلاح النووي، في فترة الانتظار التي سبقت حرب حزيران ,67 وليس فقط في حرب تشرين ,73 كما كان يعتقد حتى اليوم.
وأشار إلى أنه في ظل الاستعدادات المصرية للحرب في سيناء، والوضع الذي نشأ أيضا على الجبهتين الأردنية والسورية، ازدادت المخاوف في القيادة الإسرائيلية. ولاحظ في هذا الصدد الاتفاقية التي وقعها الملك الأردني الحسين بن طلال بوضع القوات الأردنية تحت الإمرة العسكرية المصرية.
وأشار كوهين، في مقالة كتبها في «هآرتس» لمناسبة الذكرى الأربعين لحرب حزيران، إلى أنه في فترة الانتظار التي امتدت على مدى ثلاثة أسابيع بعد إغلاق مصر مضائق تيران، قامت إسرائيل بجهود محمومة من أجل وضع «أداة نووية»، كانت الأولى التي تمتلكها إسرائيل، موضع التشغيل. وقال إن هذا الجهد تم تحسبا لأسوأ الاحتمالات، وأن هذه هي المرة الأولى التي يكشف فيها النقاب عن ذلك.
وأضاف كوهين أن التفكير باستخدام قنبلة نووية في ذلك الوقت ليس معزولا عن حقيقة أن إسرائيل كانت دولة حديثة العهد، ولم تكن قد اختبرت قواتها بشكل موثوق ونهائي. وفي نظره، كان الهم الأساس للقيادة الإسرائيلية حينها الحيلولة دون تكرار «محرقة» أخرى. ويوضح أن معظم المنشغلين بالموضوع النووي، في ذلك الحين، يتذكرون تلك اللحظات بوصفها الأكثر تاريخية، لأن إسرائيل كانت تواجه خطرا وجوديا.
ويستعرض كوهين ما نشر في السنوات الأخيرة عن حرب حزيران والخوف الذي انتاب القيادة والجمهور الإسرائيلي في حينه. ويرى أن كتاب ميخائيل أورن «ستة أيام الحرب»، الصادر في ,2002 يحوي مادة دبلوماسية مثيرة تروي الدراما السياسية والدبلوماسية. كما أن كتاب توم سيغف (1967)، الصادر عام ,2005 عرض شيئا من خوف تلك الأيام، كما تبدت في مذكرات شخصية ومقالات صحافية. وهناك كتاب عامي غلوسكا «أعط الأمر يا أشكول»، الصادر في ,2004 الذي عرض الدراما التي سبقت الحرب، كما تم توثيقها لدى الجيش الإسرائيلي. وهناك كتاب جديد صدر في ايار الحالي في الولايات المتحدة بقلم ازابيلا غينور وجدعون ريمز «خفافيش في سماء ديمونا: المقامرة النووية السوفياتية في حرب الأيام الستة».
وكتب كوهين أنه في كل هذه الأبحاث جرى التلميح إلى بعد نووي إسرائيلي مهم ولكنه مستتر، في الأحداث التي قادت إلى الحرب. وقال إن أحدا لم يركز على هذا البعد، فطبقات من الغموض، السرية والتحريم، فضلا عن الرقابة العسكرية منعت ظهور قصة الدراما النووية الإسرائيلية عشية حرب حزيران.
وأشار كوهين إلى أنه في كتابه «إسرائيل والقنبلة» حاول الوقوف على المكانة الحاسمة لحرب حزيران في التاريخ النووي الإسرائيلي. واستنادا إلى ما نشر في إسرائيل والخارج اقترحت أن الدولة العبرية عشية الحرب جعلت من السلاح النووي فعليا.
ولكن كوهين عرض في مقالته مواد جديدة. وكتب أنه وفقا لكل التقديرات فإن إسرائيل في العام الذي سبق نشوب الحرب أكملت تقريبا مراحل الأبحاث والتطوير في مشروعها النووي، وباتت معظم مقومات الخير النووي بين أيديها، واقتربت كل العوامل من نقطة الاتحاد أو الاجتماع، لولا اتضاح أن هذا الاتحاد كان إشكاليا جدا.
وكانت الإشكالية، حسب كوهين، نابعة من انعدام التنسيق الأعلى على المستويين العلمي والإداري بين الأجهزة. وقد وصل المشروع النووي الإسرائيلي حينها إلى مفترق طرق حاسم تطلب حسما سياسيا عجز عن تقديمه المستوى السياسي. وكان الحس في الأساس يتعلق بطريقة الكشف عن القدرة واكتشافها عن طريق التجربة النووية كما فعلت في حينه القوى النووية الخمس.
وحسب تقديرات الخبراء كان بوسع إسرائيل تنفيذ تجربة نووية في النصف الثاني من عام 1966 ومن ثم الانضمام إلى معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، كقوة نووية. وكان الموعد الحاسم لذلك هو الأول من كانون الثاني 1967 حيث إنه كان مسموحا للدول التي أثبتت قدرتها النووية قبل ذلك الانضمام للمعاهدة. ولكن إسرائيل برئاسة ليفي أشكول لم تكن في هذا الوارد، حيث إنه قال «هل تنتظرون من العالم أن يبارك إنجازنا؟».
وكان أشكول يعرف أن كشف القدرة النووية الإسرائيلية يشكل انتهاكا فظا لتعهداته للأميركيين، في الا تكون دولته البادئة في إدخال السلاح النووي إلى المنطقة. وكانت هذه هي الصيغة نفسها التي تعهد بها دافيد بن غوريون للإدارة الأميركية منذ .1962 وقد تحول هذا التعهد إلى التزام رسمي موثق في آذار ,1965 وشكل أساس ما بات يعرف لاحقا بسياسة الغموض النووي.
وإضافة إلى التعهد الإسرائيلي لأميركا كانت هناك عوامل داخلية إسرائيلية، وخشية من أن الإعلان عن توفر القدرة النووية كان سيدخل القاهرة على وجه الخصوص في حالة بحث عن التوازن، وخصوصا النووي. وكانت مصر حينها قد أعلنت أن سعي إسرائيل لامتلاك سلاح نووي يدفعها لشن حرب وقائية عليها. وقامت سياسة الغموض النووي على أساس تصور استراتيجي يرى أن من مصلحة إسرائيل تطوير قدرة نووية، ولكن محظور عليها أن تذهب ابعد من ذلك وتدخل السلاح النووي إلى الشرق الأوسط.
ويرى كوهين أن جملة هذه الاعتبارات تصادمت لدى القيادة الإسرائيلية في الفترة التي سبقت حرب حزيران، حيث كان السؤال المركزي: إلى أين؟، هل تريد إسرائيل القنبلة أم تريد فقط امتلاك قدرة نظرية ليست معدة للاستخدام الفعلي؟، وكان القرار بتجاوز البعد النظري، يعني إدخال السلاح النووي إلى الشرق الأوسط.
وقد عجزت القيادة السياسية في ذلك الوقت عن حسم الأمر، ولكن بن غوريون رأى وجوب ترك الأسئلة الاستراتيجية بعيدا وترك الأجوبة إلى وقت لاحق، وهكذا اندفع قادة المشروع من الوجهة العلمية تاركين الأسئلة وراءهم. واعتمد هؤلاء على فكرة أنه، حتى من دون كشف القدرة، يجب الاندفاع إلى الأمام، على قاعدة أن الخيار النووي يعني القدرة في لحظة وجودية على استخدامها كـ«مخرج أخير»، أي امتلاك إسرائيل قدرة نووية فعلية.
عموما بدا أن البعد النووي في حرب حزيران كان كبيرا، سواء لجهة دور مفاعل ديمونا في الحرب، أو لجهة تفكير إسرائيل بالرد نوويا. ويرى كوهين أن المراسل السياسي لـ«هآرتس» ألوف بن كان أول من أشار إلى البعد النووي في حرب حزيران، من خلال مقالتين نشرهما في مطلع التسعينات. وفي حينه نقل كلاما عموميا عن مؤسس الصناعات العسكرية الإسرائيلية مونيا مردور، عن «منظومة سلاح مصيرية نجح رجالها في وضعها في حالة تأهب للاستخدام» في نهاية فترة الانتظار.
وجرى الحديث مرارا عن الصدمة التي أصابت الوزراء في الحكومة الإسرائيلية جراء طلعات جوية استكشافية تمت فوق مفاعل ديمونا في الفترة ما بين 17ـ25 أيار .1967 وفي بعض الأحيان ظنوا أن هذه بداية هجوم على المفاعل.
ولكن الدراما الحقيقية في نظر كوهين كانت تجري بعيدا حول «الأداة النووية» التي ارتجلتها إسرائيل في أواخر أيار .1967 ويؤكد أن إسرائيل اجتازت في تلك اللحظة السقف التكنولوجي. وكتب أن «تلك كانت المرة الأولى التي دخل فيها المشروع النووي، بإشراف البروفسور دوستروفسكي مرحلة تنفيذ خطوات طارئة، لم يتم فعل مثلها في السابق، ومعناها أن إسرائيل، وللمرة الأولى، تمتلك خيارا نوويا فعليا. وقد عبر هذا الفعل عن شدة الخوف الوجودي لإسرائيل في تلك الأيام: فإذا فشل كل شيء، ووجود إسرائيل بات في خطر، فإن بوسع الأمة أن تظهر سلاح يوم القيامة».

 

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...