في ذكراه الأولى: أمية الماغوط شكلت شبكة حمايته

03-04-2007

في ذكراه الأولى: أمية الماغوط شكلت شبكة حمايته

يمثّل محمد الماغوط شعرية السليقة وشعرية الموهبة الخالصة، وهو في ذلك، أو قبل ذلك كله، يمثّل شعرية الشعر. الشعر المستغني بذاته عن ثقافة ونظرية وايديولوجيا. الشعر الذي يضيق ذرعاً بسواه. شعر الماغوط هو شعر عارٍ وحافٍ، وفي هذا المعنى هو صافٍ. لا نقصد تقشّفاً بلاغياً أو صورياً، أو حتى تقنياً، فشعر الماغوط من أكثر الأشعار غنى بالتشبيه والصورة، ولا تخفى على لبيبٍ تقنيتُه السحرية التي تندرج تحت مسمّى "السهل الممتنع". لكن المقصود بعري الشعر الماغوطي القول إنه شعر مكتفٍ بذاته، سعيد بها. شعر عارٍ، على مثال ما يكون العري لباس امرأة جميلة على شاطئ بحر. هو شعر يكشف عن مفاتنه بفتنة أخرى. يكشف عن طزاجته وسحره البدائيَّيْن. شعر يمنحك نفسه بضربة كاف (كاف التشبيه التي اشتهر باستعمالها حتى كدنا نقول: كاف الماغوط).

على مثال ما "نفعت" الأمية الأنبياء، نفعت محمد الماغوط. فمجرّد افتراضنا أن الماغوط كان مثقفاً يعني سلبه الكثير من شاعريته في ميزان النقد، لأننا في هذه الحال سنقول إنه يقلّد رامبو. "أمّية" الماغوط شكّلت شبكة حماية له من اتهامات كهذه، وجعلت كل ما كتب ملْكه وحده.

كثيراً ما نقع في أشعار الماغوط على تعريفات شعرية لما يكتب، أعتقد أن من بين أجملها قوله: "سأجعل كلماتي مزدحمة كأسنان مصابة بالكزاز، وعناويني طويلة ومتشابكة كقرون الوعل". في كلا التشبيهين ثمة قسوة بلاغية في تحويل الكلمات إلى مادة عظمية (الأسنان والقرون). يزيد من حدّة هذه القسوة، وهو في الحقيقة ما يعطيها معناها، أن لهاتين المادتين العظميتين وظيفة دفاعية: الأسنان لدى الإنسان، والقرون لدى الوعل. لكن لديهما في الوقت نفسه وظيفة جمالية: أسنان الإنسان في ابتسامته، وقرون الوعل في إعطائه خاصيّة شجريّة. في هذا المعنى ثمة اشتباك وتشابك بين الدفاع وأصوله الواقعية، والجمال وأصوله التخييلية. وهذا ما يصنع الفكاهة السوداء في الصورة الماغوطية، وهذا ما يحوّل قتامتها إلى ضوء مبهر. وهنا فقط، ومن خلال هذا المنظار، نفهم أو نفتح باباً إلى الطفولة الحادة في أشعار الماغوط، أو ربما الطفولة المسلّحة.
تعتقد الشاعرة والناقدة والزوجة سنية صالح في تقديمها لأعمال الماغوط الكاملة إن مأساة محمد الماغوط تكمن في ولادته داخل غرفة مسدلة الستائر اسمها الشرق الأوسط، مضيفة ان براءته عظمت وقوي صفاؤه في تلك المؤامرة الكبرى التي حاكتها البيئة ضدّه. شعر الماغوط إذاً هو نموذج صارخ للبراءة المقاتلة، العصيّة على التلويث. ويتمّ التشبّث بهذه البراءة من خلال إطالة أمد الطفولة. فقد رفض الشاعر مغادرة طفولته داعياً الآخرين إلى الالتحاق به، ومبشّراً بطفولة مزدوجة: طفولة العالم وطفولة الشعر. المقصود بالطفولة هنا، هذه النظرة الطازجة وغير المستهلَكة، العين البِكر التي تعيد إلى الواقع قدرته على الإدهاش والمفاجأة. فقصيدة الماغوط تأخذ من الواقع موقفاً شبيهاً بموقف أليس في بلاد العجائب. تعيد تشكيل ذلك الواقع بما يتلاءم وحلمها: الحلم بوصفه وطناً بديلاً وملجأ أخيراً. أيضاً بوصفه فراغاً بين قضبان سجن أو ثقباً لتلصص العالم. لكن هذه الطفولة التي يعيد الماغوط تشييدها، تستمد حصانتها من صلابتها وقدرتها على المواجهة. فلنقل إن الماغوط يطوّر صنفاً خاصاً ومقاوماً من الطفولة "البَعل" إزاء همجية العالم المحيط، ولا يتوانى في سبيل ذلك عن اللجوء إلى الصور الصادمة، كما في قصيدته "أغنية لباب توما" حيث يقول: "الأطفال الصغار/ يتدفّقون كالملاريا/ أمام الله والشوارع الدامسة"، أو: "أشتهي أن أقبّل طفلاً صغيراً في باب توما/ ومن شفتيه الورديتين/ تنبعث رائحة الثدي الذي أرضعه". في المثل الأول جمع الشاعر بين هشاشة الطفولة وتوحّش الملاريا. غلّف الطفولة بأشواك المرض القاتل، حتى نكاد نرى الأرجل الصغيرة الطريّة سرباً من الجرذان التي تصدر هسيسها على أرصفة أول الليل. أما في المثل الثاني، فقد استخدم الطفولة كوسيطٍ جنسي بينه وبين المرأة، كما لو كانت إنتاجاً صافياً لتقطير أنوثة تلك المرأة. في هذا المعنى تخلّت الطفولة عن طهرها لمصلحة صلابتها. نجد هذه القسوة التي يسبغها الماغوط على الطفولة لتقويتها في مسرحياته، كما في "العصفور الأحدب" (صنّفها البعض قصيدة طويلة وليست مسرحية)، حيث يصف القزم أطفاله بأنهم "ليسوا أكثر من قطع لا معنى لها من اللحم". هكذا، يسحب القزم - الأب من أطفاله إنسانيتهم قبل أن يفعل الجلاد ذلك، يُبخس ثمنهم كي يصرف السياط عنهم. في مكان آخر يشبّه الماغوط الوحول بعيون الأطفال: "أيتها الوحول الصافية كعيون الأطفال". تشبيه مدهش كهذا يدفع المارّ إلى أن يحاذر دوس برك الوحول خوفاً من فقئها، ويجعل الشارع جسداً مسبلاً طويلاً، منمّياً الإحساس بالذنب لدى العابرين. في هذا المعنى لا ينحصر اهتمام الماغوط بالطفولة الإنسانية بل بطفولة الأشياء أيضاً. الطفولة باعتبارها عدم قدرة على التعبير والاحتجاج. على أن هذا التدريع الذي يحيط الماغوط الطفولة به ليس سوى نوع من التلقيح الاستباقي، الشعري طبعاً. وليس سوى الحماية الوحيدة الممكنة. قساوة اللفظ هنا ليست سوى تدريب على قساوة الواقع واحتيال عليه.
أما السلاح الثاني للطفولة أي التسكّع، فهو ضمان استمرارها واستقرارها لدى الماغوط. إنه في معنى من المعاني الوسيلة التي تتيح للشاعر إطالة أمد تلك الطفولة. هكذا نلاحظ كيف يمتزج قاموسها بمفردات التسكّع في النص الماغوطي، كما في مطلع قصيدة "في المبغى" حيث يقول: "من قديم الزمان/ وأنا أرضع التبغ والعار". استخدام فعل الرضاعة من أجل التبغ يشرح لنا العلاقة الملتبسة بين التسكّع والبراءة، أي بين مرحلتين من حياة الشاعر: المرحلة الأولى هي الطفولة الحقيقية المنتمية إلى الماضي والثانية هي الطفولة المجازية المستمرة في الحاضر وما بعده. من الأولى استعار الماغوط سلوكاً ومن الثانية عادةً، ومن خلال المزج بين هذين المكوّنين حصلنا على صورة رجلٍ - طفل يغوص في السخرية حفاظاً على الجانب المتوحش والفطري في شخصيته. في مكان آخر يقول الماغوط: "مخذول أنا لا أهل ولا حبيبة/ أتسكّع كالضباب المتلاشي/ كمدينة تحترق في الليل". من خلال ما تقدّم، يمكننا القول إن تسكّع الماغوط ليس حالةً مصطنعة لخدمة القصيدة (كما سيحدث لدى كُثرٍ من مقلّديه في ما بعد)، بل تعبير عن موقف وجودي، عن سأم فردي: "لقد كرهت العالم دفعةً واحدة/ هذا النسيج الحشريّ الفتّاك"، وتعبير عن آخر جماعي: "يوم كان تاريخنا/ دماً وقاراتٍ مفروشة بالجثث والمصاحف".

لطالما تميّز شعر الماغوط بصفتين أساسيتين: صيغة التشبيه وصيغة النداء. هاتان الصيغتان في وسعنا الزعم أنهما تمثّلان شقّين رئيسيين في شعر الماغوط: البصري والصوتي.

تتميّز صيغة التشبيه الماغوطية والتي تنهض بالجانب البصري، بـ"فجاجة" العلاقة بين طرفَي التشبيه. وحين نستخدم تعبير "فجاجة" فإنما نقصد وضوح الدافع إلى هذا التشبيه وغرابته في الوقت نفسه. كمثال على ذلك، نأخذ تشبيهين يستخدمان الكاف، المشبّه به فيهما هو النهد: الأول يقول إن النهد "كبير كالرأس"، والثاني يقول إنه "مفلطح كأزرار المعاطف".
بمقارنة أولية لا بدّ من تسجيل الآتي:
-1 استند التشبيه الأول إلى الحجم لإقامة وجه الشبه (كبير)، بينما استند التشبيه الثاني إلى الشكل (مفلطح).
-2 في التشبيه الأول ثمة عنف بصري مصدره تحوّل النهد باعتباره نموذجاً للنعومة والسطح الأملس إلى الرأس باعتباره نموذجاً للخشونة والتعقيد: شعر كثيف، أنف نافر، فتحات عينين وأذنين وفم. في حين أن مكمن العنف البصري في التشبيه الثاني هو تحوّل النهد باعتباره نموذجاً للطراوة إلى زرّ معطف كبير، باعتبار هذا الأخير نموذجاً للجماد والقسوة: خشب، معدن.
-3 في التشبيه الأول لا يجمع بين المشبّه والمشبّه به سوى ضخامتهما، والضخامة ضرب من ضروب الفجاجة الشكلية، في حين لا يجمع بين المشبّه والمشبّه به في الثاني سوى فلطحتهما، والفلطحة أيضاً ضرب من ضروب الفجاجة الشكلية.
تأسيساً على هذه الملاحظات الثلاث، يمكن القول إن هذه الفجاجة التي تسم العلاقة بين طرفَي التشبيه هي من أبرز سمات الجانب البصري في شعر الماغوط. لذلك نحن في صورة الماغوط إزاء أفعى تخطف البصر ولا تترك هامشاً لضفّتين. ثعبان مدهش يعطّل الحواس لمصلحة العين.

على مثال ما نهضت صيغة التشبيه بالجانب البصري، نهضت صيغة النداء بالجانب الصوتي في قصائد الماغوط. ونحن لا نأتي بجديد إذا قلنا إن معظم قصائد الماغوط لم "تسلم" من "لوثة" النداء. بل إن مطلع القصيدة الأولى في المجموعة الشعرية الأولى، واللتين، أي القصيدة والمجموعة، حملتا العنوان نفسه "حزن في ضوء القمر"، هو الآتي: "أيها الربيع المقبل من عينيها/ أيها الكناري المسافر في ضوء القمر". هنا تبدو مفيدة الإشارة إلى السجال الذي دار، ولا يزال يدور، حول تصنيف قصيدة الماغوط بين قصيدة النثر وقصيدة العمود. فأحد الأسباب التي جعلت بعض النقّاد يصرّ على وضع القصيدة الماغوطية في خانة قصيدة العمود هي صوتية هذه القصيدة ونبرتها المرتفعة التي تكفّلتها صيغة النداء على وجه الخصوص. ففي عرف اللغة يغلب أن تعقب النداءَ صيغةُ أمر أو صيغة استفهام، وكلا الصيغتين تحيلان على المباشرة. وفي حال الماغوط، غلب النداء المتبوع بصيغة أمر: "أيها السجناء في كل مكان/ ابعثوا لي بكل ما عندكم/ من رعب وعويل وضجر" (مطلع قصيدة "خوف ساعي البريد")، "أيها المارّة/ أخلوا الشوارع من العذارى/ والنساء المحجّبات" (مطلع قصيدة "خريف الأقنعة")، "أيها العلماء والفنّيون/ أعطوني بطاقة سفر إلى السماء" (مطلع قصيدة "مسافر عربي في محطات الفضاء")... إلخ. ولو استمررنا في تعداد مطالع القصائد المبتدئة بصيغة النداء "الآمر" لاستغرق ذلك جزءاً كبيراً وأساسياً من أعمال الماغوط. في الحقيقة، إن وضع صيغة الأمر بين مزدوجين محقّ، بل وضروري، من حيث أن هذه الصيغة غالباً ما جاءت ذات مسحة طفولية، راغبة أكثر من كونها مزاجية. صارخة أكثر من كونها واثقة. وفي هذا المعنى يفقد فعل الأمر سلطته ويتحوّل إلى نوع من توسّل ذي لهجة مرتفعة. وهذا بالضبط ما كانت عليه قصائد الماغوط من حيث اعتمادها لغة قوية للتعبير عن طفولة هشّة.

ـ"ذهنية" البغيّ قبل الدهم، كتب الماغوط أشعاره ومسرحياته: "كلّما تحرّكت ستارة أو قُرع الباب سترت أوراقي بيدي". كتب عن وطنه كما كان سيكتب الجائع، لو أتيح له، عن رغيفه، وكما سيكتب المحروم عن فخذ امرأة ترقص على الطاولة. كتب برغبة من يريد ومن لا يملك. هذا ما ظهر بوضوح في قصيدته "حزن في ضوء القمر"، حيث وصف دمشق بـ"عربة السبايا الوردية"، وناداها: "أنتِ لي/ وهذا الحنين لكِ يا حقودة!".
كتب الماغوط أجمل قصائده وإصبعه على الزناد. ارتجل وطنه كما ارتجل قصائده، قبل أن يوصي به لأول قاطع طريق. أيضاً، خرج على آداب الشعر العربي في كل شيء، وخصوصاً في تحويله الهزائم انتصارات شعرية. كان الماغوط شحّاذ أوطان بلا منازع، كان يقول: أبحث عن وطن، وكان يبحث عن نفسه. نتذكّر ما كتبه عن السيّاب حين طالبه بالتشبّث بموته. لكن الماغوط لم يتشبّث بموته الشخصي كما طالب رفيقه. طالب الآخرين بالتشبّث بموتهم وتشبّث هو بالمرض والويسكي. نتذكّر أيضاً ما كتبه عن بيروت، عن لبنانه الخاص، جبال النهود والأظافر، أو الطفل الأحدب الجميل، مهدداً: "إذا صرعوك يا لبنان/ وانتهت ليالي الشعر والتسكّع/ سأطلق الرصاص على حنجرتي". التهديد هنا موجّه إلى نفسه في الواقع. لأن المكان ليس سوى مساحة داخلية لدى الماغوط، شاءها أن تكون مفتوحة دائماً، فعاقر المقاهي والشوارع، المكانين الأثيرين اللذين وصفهما كالآتي: "المقهى وطني غير المحتل" و"الشارع حضن أمّ، عبّ جدّ". لا بل بحث عن الشوارع الأكثر ازدحاماً وضجيجاً، ليؤنس وجوده الخاص بوجود المقيمين الكثيف: "ليتني أستطيع التجوّل/ في حارات أكثر قذارة وضجّة".
رغم عيشه في أماكن عديدة، بدءاً ببلدته السلمية ثم دمشق فبيروت التي التحق بمغامراتها الأدبية (مجلة "شعر") في الستينات وغيرها، لم ينتمِ الماغوط إلا الى وطنيه إذاً: المقهى والشارع. وطنان لا يمنحانك بطاقة هوية، أو يصدران مراسيم التجنيس والإعدام. وطنان لا شروط للمواطنة فيهما.

اتّسمت علاقة الماغوط بالجسد، سواء جسده الخاص أو أجساد الآخرين، بالكثير من الخصوصية وبشيء من التجزيء، فقد استخدم العضو لاختزال الجسد كاملاً. والملاحظ أن أكثر الأعضاء أو رموز الجسد حضوراً في قصيدته هما الثدي والعين: الثدي - المشتَهى والعين المشتهية، الثدي - الحلم والعين - الواقع. منح الماغوط الثدي معاني إضافية، فاختصر به المرأة، سواء العشيقة: "النهد هناك/ مجهول وغائم كالأحراش/ ينفتح أمامك... كغيمة"، أو الأم: "أنشج بين الثديين العجوزين/ لألمس طفولتي وكآبتي"، والمكان أيضاً: "يا جبالاً من النهود والأظافر"، بل حتى الإله: "يا ربّ/ أيها القمر المنهوك القوى/ أيها الإله المسافر كنهدٍ قديم". على هذا النحو، يمكن القول إن الماغوط استخدم النهد كشيفرة محسوسة لعالم حلميّ، في حين عبّر عن الواقع بالعين التي جاءت دائماً محددة: "عيون النساء في باب توما"، وجاءت ايضا متعبة: "وحيد وذو عينين بليدتين". فقدت العين مكانتها التاريخية ونزلت عن عرشها مع الماغوط لمصلحة أعضاء الجسد الأخرى، صارت بخسة إلى درجة تشبيه الوحول بها. ربما لكونها نافذة داخل الشاعر إلى الخارج الفظّ. النافذة التي لم تفتح يوماً على شيء. العين الماغوطية هي في هذا المعنى عضو ثانوي، فتحة لا معنى لها تحت الجبين، لأن العالم الحقيقي موجود في الداخل فحسب.

لدى الحديث عن تجربة الماغوط المسرحية لا بد من التوقفّ عند عمل "العصفور الأحدب". يقول الشاعر إن البيت الذي اختبأ فيه عندما كتب هذه المسرحية كان منخفض السقف، من هنا جاءت صفة "الأحدب". أما زوجته سنية صالح، فتروي أن هذا الوكر المحشور حشراً في خاصرة إحدى البنايات، الذي خبّأته فيه عقب انقلاب ما، شهد ولادة أحد أهمّ أعمال الماغوط. لكن الفارق الزمني بين الكاتب والمتلقي، جعل النقّاد ينكرون العمل كمسرحية ويسمّونه قصيدة. تقول صالح إن "العصفور الأدب" هي مسرحية لعب فيها الماغوط دور القيادة، إلا أن الجيش الذي سار خلفه كان مهترئاً، منكوباً وأرمد، لذلك ارتدّ في مسرحية "المهرّج" لفضح تلك المخازي. من هنا، نلاحظ اختلافاً في الأسلوب بين "العصفور الأحدب" والمسرحيات اللاحقة، حيث ابتعد عن التكثيف والأجواء السوريالية، مفسحاً الطريق لكوميديا جديدة مبطّنة تخفي نصلها تحت سلاستها.
"كنت أول من يبكي ويصرخ أثناء التحقيق"، قال الماغوط يوماً، ولم نعتبر ذلك اعترافاً. طالما كانت الاعترافات فعل انتصار للإنساني على ما سواه. كان شعر الماغوط أشبه بسيرة ذاتية حوّل فيها الاعتراف من فعل ختامي إلى فعل تأسيسي، بالمعنى الشعري أولاً. كان شاعر الرايات المنكّسة والجيوش الجالسة القرفصاء. كان شاعر الرغبات بلا منازع، والهزائم بلا منازع. لم تهزمه القضايا الكبرى كما هزمته فاتورة الكهرباء والهاتف. استعمل مكانس الزبّالين في تنظيف أحزانه، وفي ضرب أمّته على عجيزتها المضحكة.

 

زينب عساف
المصدر: النهار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...