عن فاطمة التي فجّروها.. عن الورد الذي فجّروه

23-12-2016

عن فاطمة التي فجّروها.. عن الورد الذي فجّروه

لولا أنّ انفجاراً دوّى، ولولا أنّ الدمشقيين شاهدوه وتحسّسوا دخانه، ولولا أنّ صور الجريمة ملأت الدنيا وشغلت النّاس، لظلّ خبر تفخيخ جسد فاطمة، ذات السنوات التسع، وإرسالها لتنفجر بين عناصر من الشرطة الحكومية، عصيّاً على التصديق.
سارت فاطمة في واحدٍ من أكثر شوارع المدينة حيويّة. تجوّلت بين الناس، شاهدت وجوههم، رأتهم يتحايلون على الشّقاء والبرد بطرقٍ شتّى، ثمّ انعطفت نحو قسم شرطة الميدان. في الدّاخل، ربّما غالبتها الطّفولة، فتردّدت لحظةً قبل تفجير حزامها النّاسف، لكنّ «العقيدة» أعمتها، واستسلمت لهمسِ الأب و «وصايا الجهاد»، فتناثر جسدها في المكان كلّه، وصار يُقال عنها «انتحارية».
تداول مُستخدمو مواقع التواصل الاجتماعيّ ثلاثة فيديوات تبدو كافيةً لتفسير ما جرى.
في الفيديو الأوّل، تظهر فاطمة، برفقة شقيقتها الصغرى، إسلام، يتوسّطهما والدهما، المدعوّ «أبو نمر». يُوجّه الأخير خطابه لابنتيه مرّةً وللكاميرا غير مرّة. داخل غرفةٍ تظهر في صدرها رايةٌ سوداء، يتحدّث المُسلّح الإسلاميّ عن ابنتيه الذاهبتين لتفجير نفسيهما بالـ «كفّار» انتقاماً لأهل حلب، مُعبّراً عن غضبه من «رفاق سلاحه» الّذين خرجوا من عاصمة الشمال بالـ «باصات الخضر».
تحت عباءتين سوداوين، تظهر فاطمة، تسع سنوات، وإسلام، سبع سنوات، وتبدوان في حالٍ من التّيه، فالعيون فارغة، وليس للنظر وجهة، هما ترددان، ببغائياً، كلاماً جرى تحفيظه لهما قبل «تفخيخهما» وتحويلهما إلى مطيّةٍ للموت.
في الشريط الثاني، تظهر الطفلتان برفقة والدتهما الّتي تنكبّ عليهما معانقةً مُقبّلة. بثيابٍ ملوّنة وقبّعاتٍ صوفية، يبدو مظهر فاطمة وإسلام أكثر قرباً لـ «نموذج الطفلة السورية»، حيثُ وجه الدّين أكثر اعتدالاً من جعلِ فتاتين، ما دون العاشرة، تغرقان في «السواد الشرعي».
«جواري أمّة محمد» هكذا يسمّيهما الأب، ثمّ يسأل الأم عن «شجاعتها» في إرسال ابنتيها للـ «جهاد» لتجيبه الأخيرة بصوتٍ خفيض «الجهاد فرض على كلّ مسلم، كبير صغير، نساء رجالاً»، قبل أن تأذن لابنتيها بالمضيّ نحو الموات الأخير، حيث الأبُ يُردّد «تقدّموا بابا تقدّموا، أغزوا في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، الله يتقبّل منكم يا بابا».
في الشّريط الثالث، يظهر عبد الرحمن شدّاد، «أبو فاطمة» وحيداً، مسلّحاً بخنجرٍ وبندقية، شارحاً، بابتسامةِ رضا لا تفارق وجهه، ملابسات ما جرى، موضّحاً أنّ ابنته قد وصلت إلى فرع منطقة باب مصلّى مرتين اثنتين، لكنّها لم تُفجّر نفسها لأنّها وجدت عنصراً واحداً فقط في سريّة الحراسة، لتغيّر وجهتها، ثالثاً، نحو قسم الميدان حيث نفّذت العملية الانتحارية الّتي هزّت الشّام وناسها.
في الفيديو إيّاه، نسمع، وأثناء حديث شدّاد، صوتَ طفلٍ يتعالى حيناً ثمّ يخفت. نحنُ لا نراه، فهو خارج الكادر. أول، وأبشع، ما يتداعى إلى الخاطر هو أن يأتي يومٍ ونشاهد فيه الطفل الثالث وقد صار جالساً أمام العدسة.
تداول النّشطاء عبر «فايسبوك» صورةً لرسالةٍ قِيل إنّ فاطمة قد كتبتها، وصيّةً، قبيل تفجير نفسها. تأمّل الرسالة يحرّض في العين دمعاً كثيراً. فهي تغصُّ بأغلاطِ طفلةٍ لم تُتقن الكتابة بعد. في محيطِ الوصية وردٌ أحمر، ذو زرٍّ أخضر، وألوانٌ على امتداد الورق.
هذه الرسالة تشرح كلّ شيء، وتختصر كلّ مقال: هناكَ ظلامٌ لفّ حزاماً ناسفاً على الأغلاط الإملائية والورد والألوان ثمّ أرسل الطفلة كي تنفجر في مكانٍ ما إرضاءً للوحش الساكن فيه. هناك ما يستدعي التفكير مرتين قبل شيطنة الأطفال ووصفهم بالـ «انتحاريين».

رامي كوسا

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...