علاء الأسواني: الرقابة الذاتية تفسد الفن

06-01-2008

علاء الأسواني: الرقابة الذاتية تفسد الفن

يقول علاء الاسواني عن نفسه: (أنا أرى أن الأدب، قبل أي شيء آخر، فن، ولابد للفن أن يكون ممتعاً و متاحاً للقراء.

والمتاح لا يعني السطحي أو المباشر أو الفج، لكنه يعنى أن يجد الناس في النص الأدبي دلالات ومستويات متعددة للفهم توازي قدراتهم المتنوعة على الإدراك.. هذا المفهوم البسيط للأدب تم حجبه في الأدب العربي على مدى ربع قرن، بوساطة نقاد وكتاب يعتبرون أن كل ما يكتب في الغرب يشكل بالنسبة إلينا نوعا من الواجب المدرسي المقدس، يجب علينا أن نحفظه عن ظهر قلب ثم ننقله بحذافيره حتى يمنحنا المعلم الغربي درجة جيدة.. وقد كان لديّ من البداية رأي مختلف، حاولت أن أطبقه في كتابتي ودفعت ثمناً باهظاً من تأخر نشر أعمالي ومحاربتي باعتباري كاتبا لا يكتب على الطريقة الحديثة.. إنني أرى في كثير مما يسمى «الكتابة الحديثة» أنواعا من التجارب العقلية المغلقة التي يتم تخليقها في المعمل البارد، فتولد ميتة تفتقر إلى نبض العمل الفني وجماله وصدقه، وبالتالي ينصرف عنها القرّاء ما عدا قلة من المبهورين بالغرب وبعض النقاد أصحاب النظريات.. هذه الأنواع الميتة من الكتابة تعكس أزمة أو سوء تفاهم أكثر بكثير مما تعبر عن الفن. لقد كان الأدب العظيم دائماً، في الغرب والشرق، جميلاً وممتعاً للقارئ، ولا يمكنني تصور الأدب على غير ذلك.. أتمنى أن نجد في العالم العربي طريقتنا في التعبير الأدبي عن أنفسنا وعن حضارتنا، أتمنى أن نقرأ كل ما يكتب في الغرب وندرسه، ولكن عندما نكتب يجب أن نحتفظ بصوتنا الخاص .. هذا ما أحاول تحقيقه في كتابتي....). ‏

ہ هل ستتحول روايتك شيكاغو الى فيلم سينمائي، وهل ستشارك في كتابة السيناريو؟ ‏

ہہ أتبع في هذا الشأن المبدأ الذي سار عليه نجيب محفوظ وارنست همنغواي وهو أنني مسؤول فقط عن رواياتي التي كتبتها أمام قراء الادب ولا أتدخل إطلاقاً في الإعداد لأي فيلم مأخوذ عن رواياتي، والفيلم هو مسؤولية المعد والمخرج وليس الروائي، وهناك فرق بين الفنين (الروائي والسينمائي أو التلفزيوني) فيلم عمارة يعقوبيان كان مخلصا للرواية وهوفيلم جيد، وللأسف لم أر مسلسل عمارة يعقوبيان بقدر كاف رأيت حلقتين فقط، المهم هو الالتقاء بمنتج محترم وقد حصل في الحالتين (عماد أديب وابراهيم المعلم) وهما شخصان محترمان جدا، وكاتب سيناريو فيلم شيكاغو صديق وكاتب لامع اسمه بلال فضل واتمنى أن يكون الفيلم بمستوى جيد. ‏

ہ يوجه اتهام اليك بأن والدك الكاتب عباس الاسواني هو الراوي الحقيقي لروايتك ولست أنت؟ ‏

ہہ للاسف هذا الاتهام سخيف لدرجة لا يجدر بي الرد عليه إنه هراء، والدي توفي 1977 وأعماله منشورة جميعاً.. ‏

ہ ربما لانه كاتب اطلق هذا الاتهام؟ 
 ہہ(طب ومالو) هناك أسر فيها ثلاثة أجيال من الادباء، لدي ثلاث روايات ومجموعتان قصصيتان وأرى مضيعة للوقت الرد على هذا الكلام وكل نتاجي لا علاقة له بجيل والدي وكتاباته، فوالدي لم يغادر مصر أبدا، فرواية شيكاغو مثلا تتحدث عن السنوات التي درست فيها في أمريكا، المشكلة أنه عندما تتجاوز السقف المسموح به للنجاح تبدأ تلاحقك مشاعر الغيرة وهذا أمر انساني، وتصل بعض المشاعر حتى الحقد، فأنا حققت أعلى مبيعات في السنوات الاخيرة، واتمتع بالمركز الاول والثاني (شيكاغو وعمارة يعقوبيان) ترجمت كتبي الى 91 لغة وحصلت على عدة جوائز آخرها جائزة في النمسا وقبلها في اليونان وايطاليا وفي جنوب فرنسا كل ذلك ينعكس سلبا وايجابا.. لكن محبة الناس أولا وهي الغالبة، ومشاعر الحسد وهي طبيعية.. أما الحقد فهو ما أتوقف عنده .. عموماً تعودت على هذا ولو توقف هذا الهجوم أشعر بالقلق لأني أرى فيه مؤشراً للنجاح.. ‏

ہ هل مصائر الشخصيات في رواية «شيكاغو» ناتجة عن هذه الصدمة الحضارية مع الغرب؟ ‏

ہہ قال الدكتور جلال أمين: هذه الرواية تبرز لنا أن الانسان هو الانسان في كل مكان وأن ما يطمح اليه المواطن الامريكي هو ما يطمح اليه المواطن العربي، ولكن الانظمة هي التي تسمم حياة الناس سواء الانظمة الرأسمالية في الغرب أو الانظمة المستبدة في العالم العربي، والادب فن انساني، انت تستعمل معرفتك في مجتمعك لا لتقديم دراسة اجتماعية، ولكن لتقديم رؤية انسانية وهي التي تجعل من الرواية كتابا مقروءاً في أي مكان، لأن القارىء في أي مكان يتعاطف مع الانسان حيث هو انسان بغض النظر عن جنسيته أو بلده .. ‏

ہ تعرضت للتيار الديني في رواياتك ولكن أسلوبك في هذا التعرض أبعد تهم التكفير عنك..؟ ‏

ہہ لقد اصطدمت ببعض المتزمتين بعد نشر رواية شيكاغو مسلسلة في جريدة الدستور وبهذا وصلت الرواية الى رجل الشارع وردود الفعل كانت ايجابية في معظمها.. المتزمتون ليس لديهم أدنى فكرة عن الادب ولا يعرفون الفرق بين الادب والحقيقة أو بين الخيال والحقيقة وماحدث معي لا يقارن بما حدث مع غيري والذين دافعوا عني ليسوا من الحكومة المصرية على اعتبار أنني من المعارضة انما هم القراء والنقاد.. ‏

ہ تتضمن رواياتك مشاهد جنسية ومشاهد عنف كبيرة هل يساهم هذان الامران في تسويق رواياتك؟ ‏

ہہ هذه الآراء المتداولة من ضمن الهجوم الذي أتعرض اليه وكما قلت سابقا سببه الغيرة والحسد، فهناك روايات جنسية أساسا وبشكل كامل ولم تلق رواجا أو شهرة، فنحن في القرن الواحد والعشرين فمن يبحث عن اثارة غرائزه لن يقرأ رواية من خمسمئة صفحة، هناك المواقع السهلة على الانترنت وفي الفضائيات والتي تغنيه عن قراءة مئات الصفحات فيها عشر صفحات جنسية، وما أوردته من تفاصيل هو لضرورات فنية لا يمكن التنازل عنها، الرواية هي حياة على الورق تشبه حياتنا، ولكنها أكثر دلالة وعمقا، وما أطمح اليه حقيقة هو انتاج حياة حقيقية على الورق وشخصيات من لحم ودم ولا يمكن الوصول الى هذا اذا كنت مقيدا بمنطق التحريم أو اذا كان لدي رقابة ذاتية تفسد الفن، فعندما يكون لدينا زوجه لديها مشكلات جسدية ونفسية مع زوجها يجب وصف مشاعرها واذا لم أفعل ذلك أكون قد خنت الادب، ونحن في أدبنا العربي الحديث والقديم نتمتع برحابة كبيرة مثلا: الجاحظ وأبو نواس والمتنبي ومسألة وصف الجواري والغلمان في الادب العربي، ولكن ثقافة التخلف هي من تحاول التحكم بنا وبعض النظم المنغلقة تحاول تعميم ثقافتها والقضاء على رحابة الثقافة العربية، وقرائي تقبلوا كل ما كتبت وتفاعلوا معه. ‏

ہ في عمارة يعقوبيان تستخدم الكثير من الاحاديث والآيات القرآنية هل هذا يعود لطبيعة الشخصيات أم هناك قصدية؟ ‏

ہہ هناك شيء مشترك بين فن الرواية وفن التمثيل، الروائي عندما يكتب يحاول تقمص شخصياته، وبالتالي عندما أكتب عن شخصية اسلامية لابد أن أتحدث بلسانه وليس بلساني والا فشل العمل الادبي ولذلك كنت مضطراً لاستعراض منطق الشخصية وليس منطقي وحاولت أن أكون صادقا، وقال لي مترجم روايتي للانكليزية عن شخصية الشيخ الخطيب الذي يخطب بالطلبة يوم الجمعة.. لقد كان شيخك مقنعا جدا ولو استمرت الخطبة صفحة أخرى لكنت أعلنت اسلامي، هذه دعابة من المترجم الانكليزي، القصد من الكلام أنه لابد من أن تكون مقنعا.. فآرائي السياسية والفكرية أعلنها صراحة في مقالاتي الصحفية، بينما الرواية فن على الكاتب تقمص شخصياتها ان كان شاذاً جنسيا أو شيخا، أو شخصا معاديا لثورة..وهذا الامر مهم جدا مثلا يقول أحد ما من القراء السيئين أنت هاجمت عبد الناصر من خلال شخصية زكي الدسوقي، هذه الشخصية بالنسبة لها ثورة عبد الناصر قضت على أحلامها بشكل كامل لذلك لابد من أن يكون معاديا ليوليو. ‏

ہ العيادة ألا تشكل أحد مصادر شخصياتك وأفكارك الروائية كما هي عيادة عبد السلام العجيلي؟ ‏

ہہ طب الاسنان وفر لي أولا أن أكون كاتبا مستقلا أي لا أعاني من ضغط مادي، والشيء الاهم الاتصال الانساني بالناس يوميا، وهذا ما يكون خبرة انسانية مهمة جدا، والطب أكثر مهنة قدمت أدباء، اميل زولا ويوسف ادريس عبد السلام العجيلي وتشيخوف... لان الطب والادب موضوعهما واحد وهو الانسان والطبيب هو الاقرب للمشاعر الانسانية. ‏

ہ تعتمد في كتابتك الاسلوب الواقعي القريب من القارئ هل ستبقى وفيا لهذا الاسلوب؟ ‏

ہہ هناك اتجاهات عدمية في الادب تتعالى على القارىء أوتنفي القارئ.. أعتبر من خبرتي المتواضعة في الادب أن من الاسهل الامور أن تكتب نصا أدبيا لايفهمه أحد ويسمى نصا غرائبيا، وهذه النصوص هي تهويمات وهلوسات لايفهمها أحد، ثم يجلس هذا الكاتب مجلس الاستاذ ويتهم القارئ بالجهل وعدم متابعة التيارات الحداثية الشديدة الوطأة، التحدي الكبير أمام الاديب هو أن يكتب نصا أدبيا يفهمه الجميع ومتعدد الدلالات، خذ مثلا رواية الشيخ والبحر لهمنغواي يستطيع ابن التسع سنوات قراءته ولكن يقرؤه على أنه قصة الصياد والسمكة، أنا شخصيا كل عدة أعوام أقرأ الشيخ والبحر وأعمال كبيرة أخرى وأكتشف شيئا في النص لم أكتشفه في المرات السابقة لاني تقدمت في السن وأصبحت قدرتي على قراءة النص أعمق وهذا هو التحدي الحقيقي، بعض الاعمال الادبية في العالم العربي وقعت تحت تأثير مدارس غربية تعبر عن احتجاج اجتماعي أكثر مما تعبر عن الفن بمعنى أن الفن لا بد أن يعبر عن هويتنا وعن وجداننا نحن.. أنا درست طب الاسنان في أمريكا وعندما أعالج مريض أعالجه حسب ما تعلمت فأنا لن أخترع طبا جديدا، ولكن عندما أكتب أنفتح أمام الآداب العالمية كلها، ولكن أنا أكتب للقارىء العربي وأخذت درسا من كتاب أمريكا اللاتينية العظام، ماركيز عاش كثيرا في فرنسا وايزابيل الليندي عاشت في الولايات المتحدة، هؤلاء الكتاب الكبار عندما يكتبون يعكسون روح أمريكا اللاتينية وليس البلدان التي عاشوا بها ولا حتى أسبانيا فهم يملكون روحهم الخاصة، ومن أول صفحة لكاتب لاتيني تعرف أن الكاتب هو من أمريكا اللاتينية، لذلك ليس كل ما ينتجه الغرب من مدارس أدبية هو واجب مدرسي علينا درسه واتقانه. ‏

أحمد الخليل

المصدر: تشرين

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...