سوريون عائدون من الأردن إلى الجنوب السوري: هنا محط رحالنا الأخير

03-04-2019

سوريون عائدون من الأردن إلى الجنوب السوري: هنا محط رحالنا الأخير

كان اتفاق الرحيل الذي أبرمته الفصائل المسلحة للمعارضة السورية مع الجيش السوري القادم لتحرير الخاصرة الجنوبية للبلاد مؤشرا حقيقيا على النوايا المسبقة التي انطوت عليها قلوب النازحين السوريين في الأردن من أجل العودة إلى بلادهم ، فما كادت الباصات الخضراء المحملة بالمسلحين المهزومين وبعضٌ من بقية أهلهم تشق طريقها نحو الشمال السوري حتى شرعت باصات آخرى يستقلها نازحون سوريون في الأردن تشق طريقها كذلك نحو الحدود السورية، استعاد معبر نصيب شيئا من عافيته التاريخية بعدما أعيد تأهيله على عجل ليستقبل سوريين فضلوا العودة إلى بيوتهم فهي وإن تضرر بعضها من المعارك تبقى أبعث على الدفء من خيام متهاوية شيدتها “السياسة الأردنية المتواطئة ” وساهمت في طيها سياسة أردنية آخرى أكثر تعقلا، سياسة أدركت أن المتاجرة في الإرهاب ستعود على المتاجرين في نهاية المطاف بالخسارة الفادحة.


 العمل في العراء


منذ أن هدأت المعارك في الجنوب السوري عاد الكثير من النازحين السوريين أدراجهم إلى بلادهم، بعضهم قطع مسافة قصيرة في حساب الجغرافيا لكنها في حساب الزمن والسياسة امتدت لسنوات، يحكي منهل أن عودته من الأردن عبر معبر نصيب إلى قريته القريبة من الحدود استغرق ساعة ليس أكثر، “ساعة صغيرة طوت خمس سنين من النزوح”.


جاره خليل أرسلوا له على الموبايل صورة بيته المهدم جراء المعارك، لم يثنه ذلك عن العودة، “حاولت أن أصدق حديث المسؤولين السوريين عن العودة الآمنة فتقدمت من السفارة السورية في الأردن بطلب الحصول على تذاكر المرور وبعدما عبرت معبر نصيب أدركت أن قراري كان صائبا، وأن جهودي الشخصية فضلا عن جهود حكومة بلادي ستفضي سريعا إلى إعادة إعمار البيت”.


يتحدث صالح كيشور رئيس اتحاد النقل الدولي في سوريا  عن الساعات الأولى لإفتتاح معبر نصيب والشروع في استقبال النازحين السوريين في الأردن ” نحن فتحنا كل شيء، وسوريا قدمت ما لم يقدم، لقد عملنا تحت الخراب والدمار وأرسلنا كوادر كاملة من المعنيين بشؤون الجوازات ومن الجمارك وجلسوا على الطاولات يعملون في العراء، لكي نقدم الخدمات لكل من يحتاجها، نحن نعمل ما علينا وعلى الآخرين أن يتعاونوا ” كانت الإشارة واضحة باتجاه الأردن.
السياسة تغلق الباب وتفتحه.


يذكر السوريون العائدون كيف كانوا عرضة للإبتزاز يعتقد خالد ابن مدينة بصرى أن طالعه كان جيدا فلقد عاد إلى سوريا في ” غفلة من الحسابات الدولية ” فلقد ضاق الأردن ذرعا بتبعات دعم الإرهابيين فسهل عملية عودتنا قبل أن تصدر الأوامر الأمريكية الجديدة بإبقاء هذا الملف عنوانا لإبتزاز الدولة السورية ” قبل أن يضيف ” ومع ذلك هناك من يفضل العودة غير آبه بكل هذا الكلام”.


يستحضر أبو وليد ابن مدينة داعل والعائد إلى “أهلي وبيتي وعيالي وكرامتي” حديثا شاع بكثرة في الأردن عن طلب الحكومة الأردنية من المنظمات الدولية والجهات المانحة مبلغل ماليا كبيرا لقاء ” تزفيت الطريق الذي يسير عليه النازحون السوريون” شعر الرجل بالإهانة لحديث كهذا قبل أن يصرخ ” طوال عمرنا ونحن نفتح بيوتنا وقلوبنا مجانا لكل إخواننا العرب”.
سرعان ما شرع النازحون السوريون العائدون من الأردن في بناء حياة جديدة ساعدتهم عليها الحكومة السورية التي قدمت “كل ما يمكن أن يقدم بشكل إسعافي قبل أن تؤسس لإعادة إعمار المنطقة ” يقول حسام ابن مدينة بصرى.


التعقل القهري: خير الأردن الجديد


يحدث ان يتحدث النازحون بلغة المثقفين، فالتجربة المعاشة لقنت هؤلاء العبرة ولو أن ذلك قد حصل بعد أن دفعوا ضريبة باهظة، يخفف جاسم العائد إلى قريته في ريف درعا الجنوبي الشرقي عن نفسه الحمل ويقول لموقعنا: ” أعتقد أن الأمور كانت أكبر منا، فحتى لو عرفنا النتيجة سلفا ما كان بإمكاننا أن نغير شيئا من قواعد اللعبة ـ طلبنا من جاسم أن يفصح أكثر فرد باقتضاب ـ : “الأردن التي عدنا منها منذ عدة أشهر انخرطت في دعم المجموعات المسلحة ماديا ومعنويا وشكلت غرف عمليات لتنسيق الهجمات على مواقع الجيش السوري، وبعدما تبين للأردنيين أن الوصول إلى دمشق عبر الجنوب أمر شبه مستحيل وبعدما حدثت عدة عمليات أمنية في الأردن على خلفية احتضان الإرهابيين هناك ، رفع الأردنيون الصوت وبدؤوا بالتنسيق الأمني مع الجيش السوري”.


لم يكن هذا الكلام كله الذي تحسب أن محللا سياسيا يرويه لك مجرد استنتاج من نازح سوري عائد فلقد أسر له به أحد أقاربه من متزعمي المجموعات الإرهابية المسلحة والذي أسمعه الأردنيون كلاما واضحا بخصوص توقف الدعم الغربي للمجموعات المسلحة بعدما أدرك هؤلاء أنه لن يفضي إلى النتيجة المرجوة أمريكيا، لم يكن بإمكان قائد هذا الفصيل وغيره من الإرهابيين المكابرة فركبوا الباص الأخضر نحو الشمال السوري.


لعودة النازحين إلى الأردن طعم آخر يختلف عن ذلك الذي استشعره غيرهم من النازحين إلى دول الجوار، يقين البعض منهم انهم دفعوا الثمن الأكبر “لأن الخديعة الكبرى انطلت عليهم قبل أن تنطلي على الآخرين” لكن فرحة العودة تجب ما قبلها وإن كان ينتظر الحكومة السورية الكثير مما يجب عليها أن تقوم به، فمئات الألوف من النازحين السوريين إلى الأردن لا يزالون بالنسبة للغرب ورقة مساومة وابتزاز سيتم التلويح بها عند كل استحقاق سياسي، هكذا حدثنا العائدون الذين باتوا ضليعين في السياسة أكثر بكثير ممن يمتهنونها.

 

 


العهد

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...