سعاد جروس :«هالصيصان شو حلوين»

19-05-2007

سعاد جروس :«هالصيصان شو حلوين»

الجمل ـ سعاد جروس : «بتهمة عدم انصياعه للتعاميم, وإصراره على تعيين العاملات؛ إقالة مدير عام منشأة دواجن السويداء». بعيداً عن صحة ودقة تفاصيل الخبر الذي أورده أحد المواقع الالكترونية السورية تحت هذا العنوان, يتوارد للذهن فور قراءته: كيف يكون شخص ما, أي شخص لا على التعيين, مديراً عاماً للدواجن ولا ينصاع للتعاميم؟؟ إنه العجب العجاب حقاً. مثلاً كيف يتجرأ على الاستمرار في تعيين «العاملات» وهن حسب تفاصيل الخبر من فئة العاملات الموسميات أو المياومات؟ أليس من الوارد جداً أن يكون الأخ المتمرد على مؤسسة الدواجن ارتكب تلك الجنحة الخطيرة بدافع فعل الخير لتأمين فرصة عمل موقتة لامرأة, لو لم تكن فقيرة وعاطلة من العمل, لما جاءت تبحث عن لقمتها عند الدجاج الحكومي؟ على كل حال لسنا بمعرض الدفاع عن أحد, لأننا لسنا بصورة ما حدث, ولا ما يحدث في مداجننا المعطاء على امتداد أرضنا السعيدة, وإن كنا في موقع المستغربين فعلاً جرأة هذا المدير العام, فكما يبدو أنه على الرغم من عيشه ومعاشرته اليومية لقوم الدجاج المطواع لم يصر واحداً منهم, ولم يتعلم أصول الطاعة و«الانصياع» الى التعاميم, مع الأخذ بعين الاعتبار تقصد كاتب الخبر استعارة تعبيري «انصياع» و«تعميم» وهما من ديباجات المراسلات الرسمية الحكومية الواضحة والقاطعة, كونهما الأبلغ تعبيراً عن النهج المدجن, وكيف أن الخروج عنهما هو خروج عن صراط الذين دجنوا فما خسروا, بل ربحوا, والدجاج خير الرابحين.
ولأن الشيء بالشيء يذكر, فقد ذكّرني هذا الخبر بحديث جرى مع الزميل الصحفي الحمصي صالح حيلاوي حين قرر مع شركاء له إصدار مجلة متخصصة بالدواجن, وحين عرض علي الفكرة طالباً مساعدة مهنية من حيث كتابة زاوية أو مقالات لهذه المجلة, استهجنت الأمر بداية, واعتبرته مزحة حمصية. ولأن الحديث مع الصديق صالح لا يخلو من المزاح ذي الطابع الحمصي, كوننا معاً من مدجنة حمصية واحدة, تماديت بالمزاح متسائلة عن أبواب المجلة وتقسيماتها, فاقترحنا صفحة لأخبار القن, وأخرى للبيض الفاسد, مع تخصيص باب للحديث عن مكنونات الفساد ومكوناته, وآخر للتفقيس... وعوضاً عن باب «حوار» , ممكن أن يكون اسم الباب «في النتافة» ينتف فيه الضيف المحاور نتفاً, الى جانب صفحات تحت اسم «الدباحة»... للعناية بأخبار المغضوب عليهم والضالين والمضللين ممن تم فرمهم فرماً أو ما زلوا ينتظرون. أما أعمدة الرأي والنقد, فتأتي تحت عنوان نتف ريش, وتخصص لانتقاد ديوك الحكومة وأخرى «تطيير» وهي «خص نص» للحديث عمن طار أو شاع أنه سيطير... إلخ مما جاد به الخيال في تلك اللحظات. لكن الزميل عاد وأكد أن الموضوع جاد ومدروس بل وواعد جداً. عندها, قلت له, أشعر بأن هذا المشروع سيكون الأكثر نجاحاً بين مشاريع الصحافة الخاصة الآيلة للتفقيس, لأنه المعبر الأصدق عن حالنا. ومن أول عدد لم تخيب المجلة ظني حيث عبرت عن طموحها من خلال الافتتاحية الى السعي لأن يكون فريق العمل كما الاسم «دواجن»!!
سنتان ونصف السنة صدر خلالها 14 عدداً من مجلة «الدواجن» محققة نجاحاً توقعه القائمون عليها, وهنا لا بد من كلمة إنصاف خالية من المزاح؛ المجلة سدت ثغرة في الصحافة المتخصصة الزراعية, وكانت الثانية على مستوى العالم العربي, حيث لبت حاجة ماسة لدى المربين, كفلت لها الاستمرار بالصدور مع «الحيط الحيط يارب السترة», وكانت رصينة وراضية مرضية, لا علاقة لها لا بالدبح ولا بالنتف والتنتيف الذي بقي من اختصاص ديكة الصحفيين الصياحين الصداحين كثيري الغلبة والجلبة.
في آخر اتصال جرى بيني وبين الزميل صالح أخبرني أن مجلة الدواجن فتحت له آفاقاً مهنية خارج الحدود لم يكن يتوقعها, فلا يمر شهر إلا وتصل المجلة دعوات الى مؤتمرات هنا وهناك في كل أنحاء العالم!! وهكذا اطمأنينا ووضعنا أيدينا وأرجلنا في مياه باردة, بعد التأكد أن عالم الدواجن لا ينحصر داخل حدودنا, ولا يمتد من المحيط إلى الخليج وحسب, بل ثمة مزارع بعيدة تستحق أن نتبادل معها خبرات التدجين والتحصين... وهي خبرات لا تفتأ حكومتنا تعمل على الاستفادة منها, لجعل الجميع سواسية كأسنان المشط تحت سقف هنكار واحد, اللهم سوى قلة من المنعم عليهم من أصحاب الباع بالاستثمار في الدجاج ومتطلباته من أعلاف وخلافه, لأنه بعد شعار «الكل للسياحة» هناك من طرح شعار «الكل للاستثمار» بمناسبة انعقاد مؤتمر المغتربين الذي جاء تحت عنوان «الوطن يستثمر», فهمنا منه أن المغتربين هم الثروة التي يجب أن تستثمر وتُثمَّر لكي تثمر وتفيد الوطن الأم, لكن هناك من الإعلاميين الاقتصاديين من تبرع فبرع وافهمنا أن الشعار يعني دعوة المغتربين للاستثمار في البلد!! بمعنى آخر أن الصالح للاستثمار منهم فقط المربربون الدسمون والمريّشون, الصالح لحمهم للأكل, طبعاً بعد الدبح, وريشهم لصناعة وسائد للسادة المعنيين من كبار المكرشين. أما المعترين من فقراء المغتربين, فلا حاجة للوطن بهم, وليحلوا عنا هم وإمكاناتهم الفكرية مهما بلغت من شأن, لأنه لا إمكانات لدينا لتثميرها, كما أنها غير قابلة للتدجين, عدا أن لا شواغر في هنكاراتنا التي تغطي الوطن كله, فهي تنضح بما فيها من بلاء يمكن أن يعد للتصدير... واسألوا كل المديرين العامين فعندهم الخبر اليقين بأن قطاع الدواجن يكاد يكون القطاع الوحيد الذي تقويه الضربات وتزيد ازدهاره ازدهاراً, ما يدفعنا صاغرين لترتيل نشيد الحياة الداجنة الهانئة... هالصيصان شو حلوين/حول أمهن دايرين/ شربو مي قالوا خي/ رفعوا راسن /شكروا ربهم ممنونين.
 

بالاتفاق مع الكفاح العربي

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...