حكاية تاجر سلاح لبناني

25-05-2008

حكاية تاجر سلاح لبناني

يصعب على جعفر الحسيني الخروج من دور تاجر الأسلحة، وهي "المهنة" التي مارسها لثمان من سنوات عمره الست والعشرين ويعتبرها "الوسيلة الأفضل لمعرفة البلد" لأن تاجر السلاح هو وحده القادر على معرفة "زواريب" لبنان وتفاصيله وعلاقات أحزابه السياسية ببعضها البعض.

يقول جعفر: "انا ألاحق أحدث الموديلات للعام 2008، لا تسأليني عن العام الماضي لأن التكنولوجيا تتطور. لدي كل ما يلزم الأنظمة الأمنية من أسلحة وعتاد وكاميرات مراقبة وأجهزة التفجير وتفكيك المتفجرات...".

"ليس في صالح" جعفر ان يكون له مركز عمل او مكتب ثابت كما يقول، لذلك كان اللقاء في أحد مقاهي وسط بيروت. انها مقتضيات "المهنة".

لا يخجل جعفر الحسيني من مهنته. ولا يخجل من التعبير عن تمنياته باستمرار "الأعمال الحربية" او "الحرب" او "الحوادث" سموها ما شئتم. فهو يريد ان "يستفيد ويفيد". تزدهر أعمال جعفر التجارية في الحروب.

أسلحة خفيفة ومتوسطة وذخائرها، أجهزة رصد ونظارات رؤية ليلية معظمها من صنع أميركي، تملأ صورها مجلدين من الحجم الكبير يحملهما جعفر في سيارته لعرض "بضاعته" على الراغبين.

أمضى جعفر وقته أثناء "الأحداث" الأخيرة التي شهدها لبنان متنقلا بين مناطق الاقتتال. من زقاق البلاط منطقة نفوذ حركة أمل، الى الحمرا التي سيطر عليها مسلحو الحزب السوري القومي الاجتماعي، الى الشويفات وعاليه منطقة نفوذ الحزب التقدمي الاشتراكي، دار جعفر بسيارته البيضاء المتوسطة الحجم يوزع "البضاعة" التي طلبها "الفرقاء".

"مع احترامي للجميع، لكن لبنان بلد طائفي. أنا لا أستطيع ان أفصح عن اسمي الحقيقي في جميع المناطق التي أزورها" ففي الضاحية الجنوبية لبيروت جعفر هو نفسه جعفر الحسيني الفخور باسم عائلته ومسقط رأسه بعلبك.

أما في مناطق أخرى مثل مناطق نفوذ الأحزاب المسيحية فاسمه جاد دلالة على "جديتي وصدقية تعاملي" مع جميع الأحزاب، وهو أيضا اسم محايد لا يكشف هوية صاحبه الدينية أو الطائفية.

يشدد جعفر على ضرورة حفظ الصدقية في تجارة السلاح. فعلى مدى السنوات التي أمضاها في هذه "المهنة" بنى، على ما يقول، "سمعة لا غبار عليها لدى كل الفرقاء. شعاري في الحياة، في الاتحاد قوة والثقة بين الأفراد ممنوعة".

ولد جعفر مع الاجتياح الاسرائيلي للبنان عام اثنين وثمانين. عاش طفولة "حربية" وباشر تجارة السلاح مع انسحاب اسرائيل من الجنوب اللبناني عام الفين.

انطلق في تجارة السلاح من واقع الحرب الأهلية التي فرضت ان "يخشى المسؤولون والشخصيات السياسية على حياتهم" من الاغتيالات السياسية ذات التاريخ الطويل في لبنان.

يحرص جعفر على إبداء احترامه للجميع قبل ان يروي كيف بدأ يبني شبكة علاقاته بالسياسيين والأحزاب.

يقول: "عن طريق إحدى الشخصيات السياسية أقمت علاقة مع حزب معين وبدأت أعرض البضاعة عليهم". مع مرور الوقت، تمكن جعفر من بناء علاقات وثيقة مع "زبائنه" على أساس مبدأ "الثقة الممنوعة".

بنى جعفر علاقات مع "كبار المسؤولين" في الأحزاب السياسية. سواء كان حزب الله او حركة أمل أو الحزب التقدمي الاشتراكي أو تيار المستقبل أو حركة التوحيد الاسلامي (في طرابلس) او تنظيم المردة (التابع للوزير سليمان فرنجية) او تنظيم الأحباش، "كلهم زبائني" يقول جعفر بفخر.

أخذت أسعار الأسلحة الصغيرة والمتوسطة بالارتفاع منذ بدء الأزمة الأخيرة التي يعيشها لبنان منذ نحو ثلاث سنوات.

سعى الجميع الى التسلح. وقد بدأت التقارير الإعلامية عن ازدهار السوق السوداء لبيع الأسلحة في لبنان منذ أكثر من عام عندما انتشرت أخبار تدريبات عسكرية تجريها التيارات السياسية المختلفة في لبنان. ولجعفر صلات بمختلف تلك التيارات.

تصل الأسلحة الى لبنان، بحسب جعفر، بحرا او برا او حتى جوا. "تتم صفقات بين تجار الأسلحة وبين السلطات الرسمية (مع احترامي للجميع يكرر جعفر). أحيانا نمرر البضاعة مموهة ضمن صفقة أحذية أو أي شيء آخر".

لكن تهريب "البضاعة" يحتاج الى "إطعام" السماسرة، أو بكلمات أخرى دفع رشاوى لتمرير الصفقات بعيدا عن الرقابة العادية على الحدود وقد ارتفعت قيمة الرشاوى خصوصا بعد ان زودت المراكز الحدودية بوسائل كشف حديثة.

ليست تجارة السلاح جديدة على "السوق" اللبناني لكن السنتين الماضيتين شهدتا ازدهارا استثنائيا بسبب "الطلب" الكبير عليها. وبموجب قانون السوق فان الطلب يرفع الأسعار وخصوصا عندما تكون "البضاعة التي لدي اليوم ليست عند أحد" كما يقول جعفر.

يساعد ذلك جعفر على "التحكم بالأسعار كما يروق" له فقطعة "يا اوزو" التي كان يتراوح سعرها بين مائة وسبعين دولارا (بالجملة) و مائة وتسعين دولارا (بالمفرق) يبيعها جعفر اليوم بمائتين وخمسة وعشرين دولارا.

أما مصادر الأسلحة فمتعددة لكن أهمها العراق، بحسب جعفر. ولو أراد المرء ان "يصل بسرعة" فالعراق أفضل منطلق. "ان لم يكن لديك رأسمال فستجنيه هناك" وقد عمل جعفر في بغداد لفترة من الوقت وجمع أموالا كثيرة ليعود الى لبنان "برصيد أقوى".

عمل جعفر لصالح شركة أمنية أميركية في العراق عام 2003 وهناك اكتسب، كما يقول، خبرة أمنية ساعدته على "تطوير مهنته".

لكن برغم "نجاحه في المهنة" يتخوف جعفر من انه مستهدف من جهات عدة بسبب اطلاعه على ملفات أمنية "حساسة".

ولدى جعفر طموح كبير. ويقول: "أريد ان أهاجر من هذا البلد الى دولة تحترمني وتحميني"، وان لم يتمكن من ذلك "فالحامي هو الله". يعمل جعفر على بناء شركة أمنية لتصبح أهم الشركات الأمنية في الشرق الأوسط ويؤمن انه سيتمكن من تحقيق طموحه يوما ما "اذا بقيت على قيد الحياة".

كان اللقاء مع جعفر عشية اتفاق الدوحة. اتفقنا على ألا أذكر اسمه الحقيقي لحماية تاجر السلاح من "خوفه". تنبأ جعفر بان الحرب المقبلة في لبنان ستكون حربا من أجل المال. يقول ان أسلحة صودرت من بعض مراكز الأحزاب في بيروت أثناء الأحداث الأخيرة عرضت عليه للشراء ورفضها لأنه "لا يريد الدخول في السرقة" حفاظا على سمعته.

لكن الحرب المقبلة، بحسب جعفر، "لن توفر أحدا". صباح الأربعاء، اتصل جعفر بعد إعلان اتفاق الدوحة. "تستطيعين ان تذكري اسمي الحقيقي اذا أردت" قال، لأن "الأوضاع ستهدأ لبعض الوقت".

رولا الأيوبي

المصدر: BBC

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...