حسن نصرالله ليس رئيس "الشين فين"

25-07-2013

حسن نصرالله ليس رئيس "الشين فين"

وأخيراً توصل الاتحاد الاوروبي الى اتخاذ قرار بوضع الجناح العسكري لـ«حزب الله» على لائحة المنظمات الإرهابية بعد أخذ ورد استمر اكثر من سنة. في توقيت مريب "تمكنت" دول الاتحاد الكبرى من "إقناع" دول صغيرة مثل قبرص ومالطة وتشيكيا بالموافقة على مشروع القرار. كيف نقرأ هذا القرار؟
اولاً: من ناحية الشكل:
- لم يأت القرار نتيجة جريمة إرهابية اتهم «حزب الله» بارتكابها, وما قيل عن تفجير بويغاس في بلغاريا يفتقر الى الدليل. التحقيقات البلغارية لم تثبت تورط «حزب الله» ولم تجر المحاكمة بعد ولم يصدر حكم كي يستند اليه القرار, كما انه ليست من عادة الحزب وسلوكه وسوابقه القيام بمثل هذه العمليات.
- إنه قرار صادر عن منظمة إقليمية كبيرة تضم دول القارة الاوروبية وليس قراراً دولياً صادراً عن مجلس الامن او الجمعية العامة للأمم المتحدة. تجدر الإشارة الى ان الرئيس نجيب ميقاتي أخطأ عندما اعلن في تعليق له على القرار الالتزام بالشرعية الدولية وكأنه يعني انه قرار دولي، اذ انه لا يلزم الا دول الاتحاد من دون ان نقلل من اهميتها، وقد تسرع ميقاتي في اعلان شبه التزام بهذا القرار.
- إنه قرار يحصر تهمة الارهاب بالجناح العسكري، من دون تفاصيل عن هذا الجناح بحد ذاته ولا عن الاشخاص الطبيعيين والمعنويين فيه، مما يشير الى اقتصار القرار على السياسة من دون الدخول بإجراءات بحق اي شخص او هيئة.
- يجيز مضمون القرار اعتبار العمليات العسكرية الاسرائيلية ضد «حزب الله» جزءاً من مكافحة الإرهاب وهذا يعني انه اذا اشتبهت دولة اسرائيل العنصرية بوجود موقع للحزب وقصفته وقتلت مدنيين، فإن عملها لن يتعرض لإدانة الاتحاد الاوروبي، لأن القرار يعتبر أن مقتل المدنيين جرى في اطار مكافحة الارهاب. اي بمعنى آخر ينضم الضحايا المفترضون الى ضحايا الطائرات من دون طيار الاميركية التي تستهدف مواقع طالبان وتخطئ فتصيب مدنيين.
ثانياً: من ناحية التوقيت:
- يأتي توقيت القرار في إطار الاحتفالية السنوية لانتصار «حزب الله» في حرب تموز 2006، ليحول الجناح العسكري الذي دافع عن لبنان بجدارة وبطولة ضد الهجوم الاسرائيلي العنصري الذي شمل تدمير الجسور والأبنية وقتل المدنيين وارتكاب مجازر جماعية, من بطل وطني الى إرهابي وفي ذلك استخفاف بالشعب اللبناني وتشجيع للعدوان الاسرائيلي العنصري.
- لوحظ اهتمام إسرئيلي غير عادي بالقرار وتسويق الاعلام الاسرائيلي العنصري له، واعتبار نتنياهو القرار انتصاراً إسرائيلياً وإنجازاً لوزارة الخارجية. كما ان الولايات المتحدة لم تخف ترحيبها بالقرار. لقد كانت الضغوط الاميركية المباشرة وبالواسطة البريطانية واضحة على الدول المترددة، وهي جزء من جهود اميركية تبذل في الشرق الاوسط لتحريك عملية السلام. يمكن اعتبار القرار دفعة اميركية لإسرائيل على الحساب من اجل موافقتها على استئناف عملية السلام.
- بالنسبة لمؤتمر جنيف لتسوية الازمة السورية، فقد اعلن الاميركيون انهم يريدون اعادة التوازن في الميزان العسكري بين الجيش السوري والمعارضة المسلحة الذي "اختل" بعد معركة القصير التي اسهم «حزب الله» بحسمها. انها رسالة واضحة لـ«حزب الله» لوقف تدخله في سوريا لأن استمرار التدخل العسكري للحزب سيؤدي حتماً الى تفاقم "الخلل" بين الفريقين المتنازعين وهذا لا يخدم مصالح الولايات المتحدة وأوروبا.
ثالثاً: من ناحية الأخلاق السياسية:
- ليس للاتحاد الاوروبي ان ينسب هذا القرار الى معايير اخلاقية او سياسية، فهو يعد رضوخاً تاما للارادة الاميركية والضغط الاسرائيلي العنصري. لقد غلب الاتحاد مصلحته، كما يراها، على المعاييرالسياسية والاخلاقية التي يدّعيها، وهو قد فعل ذلك من قبل في ليبيا عندما تحالفت دول الاطلسي (فرنسا وبريطانيا وايطاليا..)مع تنظيم «القاعدة» المصنف إرهابياً من اجل اجتياح ليبيا وإسقاط القذافي. ليس دفاعاً عن القذافي، لكن هل يجوز التنسيق والتعاون مع عبد الحكيم بلحاج المتهم بتفجيرات محطة القطارات في مدريد من اجل السيطرة على طرابلس وقتل معمر القذافي. سبق ان اثار رئيس الوزراء الاسباني الاسبق اثنار موضوع التعاون مع بلحاج في حديث الى شبكة CNBC.
- اما وقد وضعت وزارة الخارجية الاميركية «جبهة النصرة» في سوريا على لائحة الارهاب ثم وضعها مجلس الامن الدولي رسمياً على لائحة الارهاب الدولي، كيف يفسر الاتحاد الدعم الذي تتلقاه جبهة النصرة بشكل مباشر من تركيا العضو في الحلف الاطلسي في مخالفة واضحة للقانون الدولي؟ وبماذا يفسر دعم دول اوروبية وعربية ايضاً للارهاب الدولي الممثل بـ«جبهة النصرة»؟ ان هذه المصلحة الوحشية التي تجيز استخدام الارهاب المعرف والمحدد ثم تختلق تهمة الارهاب زوراً من اجل تحقيق مكاسب هي ابعد ما تكون عن قيم الحرية والعدالة التي تتغنى بها اوروبا.
رابعاً: من ناحية المفاعيل:
- ان مقارنات وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ مع إيرلندا الشمالية غير صحيحة، «حزب الله» ليس الجيش الجمهوري الايرلندي وحسن نصرالله ليس جيري ادامز رئيس الشين فين (الجناح السياسي) وما قد يصح في إيرلندا الشمالية لا يصح في لبنان. «حزب الله» حسب ما يعلن ويمارس هو حركة مقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي العنصري وتهديده الدائم للبنان وشعوب المنطقة. إن إنهاء عمليات الحزب وحل التنظيم العسكري مقرون بوقف التهديدات والاعتداءات الاسرائيلية العنصرية على لبنان. التنظيم العسكري فيه، اي الصواريخ ارض - ارض هي عامل ردع لاسرائيل العنصرية كي لا تعتدي على لبنان وليست لتهديد اي طرف آخر.
- لا يجوز الاستهانة بالمفاعيل السياسية لهذا القرار لكنه ليس على درجة هامة من الخطورة, فهو على ما نقلت وسائل الاعلام عن مسؤولين اوروبيين لن يشمل تحويل الاموال ولا منع السفر الى دول الاتحاد ولا التجارة معها.
لا ريب ان اهم ما في القرار وفي الظروف التي احاطت باتخاذه والضجة التي اثيرت حوله هو انه اثبت ان «حزب الله» قوة تتخذ صفة لاعب من غير الدول (non state actor) وهي اولا قوة لبنانية ادخلت لبنان الى حسابات القوى العظمى، بحيث ان معظم اهتمامات الدول بلبنان تحصل لأن فيه «حزب الله» وليس لسبب آخر، وثانياً قوة اقليمية لها شأن عظيم في النزاع العربي الاسرائيلي الذي تصطف الولايات المتحدة ومعظم دول الاتحاد الى جانب دولة اسرائيل العنصرية ضد الشعب الفلسطيني والشعوب العربية والاسلامية.

الياس فرحات

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...