اللوبي الإسرائيلي في الإعلام الأمريكي ودوره في الأزمة الراهنة

09-08-2006

اللوبي الإسرائيلي في الإعلام الأمريكي ودوره في الأزمة الراهنة

منذ اندلاع الهجمات الإسرائيلية على لبنان سعت بعض وسائل الإعلام الأميركية المختلفة للوقوف على حجم الدور الذي يلعبه اللوبي الموالي لإسرائيل في حشد الدعم الرسمي والشعبي الأميركي لإسرائيل.

وتثير القراءة المتأنية لتناول الإعلام الأميركي لهذه القضية الهامة بعض الملاحظات الأساسية حول دور اللوبي المذكور في حشد الدعم الأميركي لإسرائيل خلال الأزمة الراهنة، وحول قدرة وسائل الإعلام الأميركية على كشف حجم ونفوذ لوبي إسرائيل خاصة في أوقات الأزمات.

الملاحظة الأولى في هذا الصدد تتعلق بقدرة بعض وسائل الإعلام اليهودية الأميركية على كشف ما يقوم به لوبي إسرائيل أكثر من وسائل الإعلام الأميركية الليبرالية أو المحايدة.

وقد يعود ذلك إلى حجم العلاقات والاتصالات التي تملكها وسائل الإعلام اليهودية داخل المنظمات المساندة لإسرائيل نفسها بما يمكنها من الحصول على معلومات مباشرة منها، في حين تفتقر وسائل الإعلام المحايدة إلى مثل تلك المصادر خاصة إذا كانت تلك الوسائل معروفة بتعاطفها مع الجانب العربي، ما يفقدها بالطبع تعاون مسؤولي لوبي إسرائيل.

ويحضرنا هنا التقرير الذي أصدرته وكالة "جيوش تلغراف" اليهودية يوم 13 يونيو/حزيران 2006 لصحفي يدعى تشانان تيجاي حول تحركات المنظمات الموالية لإسرائيل بشكل فوري لدعم إسرائيل بعد أسر حزب الله الجنديين الإسرائيليين.

وأشار التقرير إلى أن "سيلا من البيانات الصحفية صدر في وقت متزامن تقريبا عن المنظمات اليهودية الأميركية لدعم إسرائيل" بعد ساعات قليلة من توارد أنباء أسر الجنديين.

كما أشار إلى حديث ديفد هاريس المدير التنفيذي للجنة اليهودية الأميركية -إحدى أكبر المنظمات السياسية اليهودية في أميركا- عن اتصال لجنته بعدد من رؤساء الدول والسفراء لضمان دعمهم لإسرائيل، وحثها أعضاءها على الاتصال بممثليهم في الكونغرس لذات الغرض.

أما عصبة مكافحة التشويه فقد أسرعت إلى شراء أربعة إعلانات في صحيفة إنترناشيونال هيرالد تريبيون واسعة الانتشار في أوروبا لترويج وجهة النظر المساندة لإسرائيل في الأوساط الأوروبية. هذا إضافة إلى الإعلانات التي تنوي العصبة نشرها في الصحف الأميركية.

كما تحدث التقرير عن دور أعضاء الكونغرس اليهود والمساندين لإسرائيل في إصدار عدد من البيانات الفورية الداعمة للدولة العبرية.

وكمثال ثان، نشرت مجلة فوروارد اليهودية الأسبوعية يوم 28 يوليو/تموز 2006 مقالا لصحفية تدعى جنيفر سيغل يتحدث عن استهداف المنظمات الموالية لإسرائيل للنائبة الأميركية سينثيا ماكيني (ديمقراطية من ولاية جورجيا) في الانتخابات التشريعية الحالية لإسقاطها بسبب موقفها الناقد لإسرائيل.

وأشار المقال إلى سعي لجان العمل السياسية المساندة لإسرائيل بالتبرع لخصم ماكيني بما يمكنه من شراء دعاية انتخابية أكبر للفوز على ماكيني، كما تحدث المقال بتفصيل عن مساعي اللوبي المتكررة لإسقاط ماكيني خلال السنوات الأخيرة.
الملاحظة الثانية تتعلق بوسائل الإعلام الأميركية ذات المواقف المتعاطفة نسبيا مع الموقف العربي، وهنا يلاحظ أن هذه الوسائل في العادة أقل نفوذا وانتشارا.

ولكن بعضها يحاول بكفاءة وانتظام بيان ما يتعرض له الطرف العربي من ظلم رغم الضغوط التي يتعرض لها أي طرف ينتقد إسرائيل في أميركا.

كما يلاحظ أيضا أن تلك الوسائل -كما ذكرنا من قبل- تفتقر أحيانا إلى المصادر المباشرة داخل لوبي إسرائيل، ما يجعلها تجتهد في تحليل ما يتوفر عن اللوبي من أخبار من مصادر ثانوية.

وتجب هنا الإشارة إلى سلسلة تحليلات صدرت عن وكالة أنباء إنتر برس سرفس الأميركية، أولها لصحفي أميركي يدعى جيم لوب الذي نشر يوم 18 يوليو/تموز 2006 مقالا يتحدث عن دور المحافظين الجدد وبعض قيادات اليمين الأميركية المتشدد في دعم وجهة النظر المساندة لإسرائيل.

وذكر لوب أن وليام كريستول رئيس تحرير مجلة "ذي ويكلي ستاندارد" -أكثر مجلات المحافظين الجدد شهرة- سعى لتصوير هجمات إسرائيل على لبنان على أنها حرب أميركية، ودعا إلى اتخاذ مواقف أكثر تشددا من إيران وسوريا.

كما تحدث عن تصريحات أدلى بها نوت غينغريتش الزعيم السابق للجمهوريين بمجلس النواب الأميركي حيث وصف الهجمات الإسرائيلية على لبنان بأنها "مراحل أولية" للحرب العالمية الثالثة.

ورأى لوب أن مقالات كريستول وتصريحات غينغريتش وأشباههما "جزء من حملة مقصودة من قبل المحافظين الجدد وبعض اليمينيين الداعمين لهم لتصوير الصراع الراهن على أنه جزء من صراع عالمي يضع إسرائيل كقاعدة متقدمة للحضارة الغربية، في مواجهة التطرف الإسلامي المنظم والموجه من قبل إيران وشريكها الأصغر سوريا".

المقال الثاني -وليس الأخير- الذي نشرته الوكالة حول القضية ذاتها صدر يوم 26 يوليو/تموز 2006 لصحفي يدعى بيل لبركويتز الذي سعى لإبراز ما تقوم به بعض المنظمات المسيحية المتدينة لدعم إسرائيل خلال الفترة الحالية.

أشار المقال إلى مؤتمر حاشد نظمته منظمة "المسيحيون المتحدون من أجل إسرائيل" يوم 19 يوليو/تموز في واشنطن بحضور السفير الإسرائيلي لدى واشنطن دانيال آيلون ورئيس الحزب الجمهوري كين ماكميلان للتعبير عن مساندة إسرائيل.

ونبه المقال إلى أن المنظمة المذكورة أسست منذ ستة أشهر برئاسة أحد قادة التيار الإنجيلي بالجنوب الأميركي يدعى جون هيغ، وأن 3400 مدعو حضروا حفل تأسيس المنظمة المذكورة من شتى أنحاء الولايات المتحدة.

وأشار إلى أن المنظمة السابقة حثت أعضاءها على التوجه إلى الكونغرس لمطالبة ممثليهم بمساندة إسرائيل، كما حرصت على ربط أعضائها بشبكة اتصالات عبر البريد الإلكتروني والفاكس والهاتف لتسهيل عمليه التواصل فيما بينهم بخصوص تطورات الوضع الجاري وما تحتاجه إسرائيل من دعم.

النوع الثالث من الكتابات التي حاولت الوقوف على دور لوبي إسرائيل في حشد الدعم الأميركي للهجمات الإسرائيلية على لبنان، جاء من وسائل الإعلام الأميركية الليبرالية التي اتخذت مواقف مختلفة سعى بعضها -انطلاقا من أهداف متنوعة- لتسليط الضوء على لوبي إسرائيل.

المقال الأول الذي يحضرنا في هذا الصدد صدر عن جريدة نيويورك تايمز الأميركية يوم 28 يوليو/تموز لصحفية تدعى لوري جودستين قارنت فيه سريعا بين اللوبي الإسرائيلي وجهود المنظمات المسلمة والعربية للضغط السياسي لموازنة تأثير لوبي إسرائيل.

المقال ذكر أن جهود المنظمات المسلمة والعربية الأميركية كانت أكثر تنظيما من أي وقت مضى، إلا أنها لم تتمكن حتى الآن من ترك تأثير على السياسة الخارجية الأميركية.

أما لوبي إسرائيل فيكاد يكون مسيطرا على صناع القرار الذين رفضوا اللقاء بمسؤولي المنظمات المسلمة والعربية الأميركية خلال الأزمة الراهنة خوفا من إغضاب اللوبي.

كما أشار المقال إلى إجماع قادة الحزبين الأميركيين الرئيسيين حول مساندة إسرائيل، وإلى ضعف صوت المنظمات اليهودية الليبرالية المعارضة لموقف اللوبي المتشدد في مساندته لإسرائيل.

ونبه المقال إلى إمكانيات لوبي إسرائيل المادية الضخمة، إذ نجح في جمع تبرعات تقدر بعشرات الملايين من الدولارات لدعم إسرائيل.

في المقابل يخشى المسلمون والعرب التبرع لمنظماتهم الخيرية لإغاثة الشعبين اللبناني والفلسطيني خلال أزمتيهما الراهنة بعد التضييق الأمني الذي تعرضت له المنظمات الخيرية المسلمة والعربية الأميركية والمتبرعون لها خلال السنوات الأخيرة.

ولكن المقال عاد وأكد في نهايته على تصريحات أحد المتحدثين باسم مسلمي أميركا عبر فيها عن اعتقاده بأن أيام المساندة المطلقة من قبل الساسة الأميركيين لإسرائيل قد انتهت نظرا لوجود أعداد متزايدة من المسلمين الأميركيين القادرين على وضع ممثليهم موضع المساءلة.

المقال الثاني الذي تجب الإشارة إليه هنا صدر عن مجلة ذي نايشن الليبرالية الأميركية يوم 29 يوليو/تموز لكاتب يدعى آري برمان بعنوان "قبضة إيباك".

بدأ المقال بالإشارة إلى أن المدير التنفيذي لمنظمة إيباك -أكبر جماعات الضغط السياسي المساندة لإسرائيل- أمضى 27 دقيقة في قراءة قائمة بأسماء الشخصيات العامة التي حضرت حفل المنظمة السنوي الأخير، بمن فيهم غالبية أعضاء مجلس الشيوخ وربع أعضاء مجلس النواب وعشرات المسؤولين في الإدارة الأميركية.

كما ذكر أن تأثير إيباك على مواقف المسؤولين الأميركيين في الفترة الحالية لا يقتصر على الضغط عليهم سياسيا، بل يتعدى ذلك إلى كتابة مشاريع القوانين والقرارات التي يمررونها، وعلى رأسها مشروع القرار غير الملزم الذي مرره مجلس الشيوخ يوم 18 يوليو/تموز تأييدا لإسرائيل.

كما أكد أن قبضة إيباك القوية باتت تستدعي سخط ومقاومة عدد من أعضاء الكونغرس الراغبين في اتخاذ مواقف متوازنة تجاه الشرق الأوسط والذين باتوا يشعرون بأنها تهيمن بشكل غير سليم على صناعة السياسة الخارجية الأميركية تجاه المنطقة.

ولكن المقال عاد وأكد أن معارضة هؤلاء النواب والخبراء لإيباك عاجزة حتى الآن عن الإتيان بمفعول، نظرا لتنافس القيادات السياسية الأميركية على إرضائها، ونظرا لقدرة لوبي إسرائيل على تشويه سمعة كل من يعارضهم أو يعارض إسرائيل.
ختاما يمكن القول إن تغطية الإعلام الأميركي السيار لدور لوبي إسرائيل في حشد الدعم الأميركي لإسرائيل خلال فترات الأزمات -كالفترة الحالية- تتميز بالضعف والعجز عن تحديد الدور الكامل للوبي نظرا لأسباب عدة، على رأسها الهجوم الشرس الذي يتعرض له كل من يحاول نقد إسرائيل أو تسليط الضوء على دور اللوبي المساند لها داخل أميركا.

ولعل عاصفة النقد التي تعرض لها تقرير "لوبي إسرائيل" الصادر مؤخرا للأكاديميين الأميركيين البارزين ستيفن والت وجون مارشيمير، دليل على ذلك.

وهذه الفكرة أبرزها مقال نشرته جريدة سياتل بوست إنتليجنسير يوم 27 يوليو/تموز لكاتب يدعى روبرت جاميسون تحت عنوان "الباب يغلق بقوة في وجه من ينتقد إسرائيل".

وقد عبر جاميسون عن ضيقه الشديد بسعي لوبي إسرائيل للحد من النقاش والجدل حول سياسات إسرائيل بشكل يضر بقدرة الأميركيين على فهم الصراع الجاري ووضع حل له.

كما يفسر الأمر السابق كيف توفر وسائل الإعلام اليهودية الأميركية أحيانا معلومات عن لوبي إسرائيل وأنشطته أكبر من المعلومات التي توفرها المصادر المحايدة التي تخشى أن توصم بالعداء للسامية أو لإسرائيل.

هذا إضافة إلى توغل مسؤولي لوبي إسرائيل في العديد من المؤسسات السياسية والمدنية، ما يمثل تحديا إحصائيا أمام أي وسيلة إعلام موضوعية، ناهيك عن السرية التي يفرضها اللوبي على عمله.

ولكن هذا يجب أن لا يمنعنا من تقدير جهود وسائل الإعلام الأميركية السابقة -رغم محدوديتها- نظرا لدورها في توعية المواطن الأميركي بما يجري من حوله ولو بشكل تدريجي.

علاء بيومي

المصدر: الجزيرة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...