الحبيب السالمي: الكاتب صار لديه الوعي بأهمية عملية الكتابة في خلخلة المحظورات

25-02-2011

الحبيب السالمي: الكاتب صار لديه الوعي بأهمية عملية الكتابة في خلخلة المحظورات

شارك الكاتب والروائي التونسي الحبيب السالمي في «مهرجان عبد السلام العجيلي للرواية العربية» الذي أقيم أخيراً في دورته السادسة في مدينة الرقة السورية، والتي عقدت تحت عنوان «المحظورات في الكتابة الروائية العربية». السالمي أدلى بدلوه في هذا الموضوع، وهو هنا يتابع شيئاً من هذا النقاش. السالمي لديه عدد من الأعمال الروائية اللافتة، آخرها «نساء البساتين»، ومن بينها «عشاق بيه» و«أسرار عبد الله» وسواها. لكن أبرزها «روائح ماري كلير» التي كانت الرواية المغاربية الأولى التي تصل إلى القائمة القصيرة لجائزة البروكر العربية العام 2008. وهو قال إنها نموذج مضاد لرواية الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال»، فتلك عن فحولة الرجل العربي، فيما روايته عن هشاشته. عنها، وعن المحظور في الكتابة الروائية العربية، وعن عاصفة التدين التي تجتاح المجتمعات العربية، وعن تونس، البلد الذي يقع ضحية الجغرافيا، كان هذا الحوار.
الحبيب السالمي
÷ هل الكتّاب اليوم أكثر قدرة على تجاوز المحظور؟
} نحن بالفعل نلحظ ذلك في السنوات الأخيرة، أسباب كثيرة لعمليات اختراق محظور الجنس، أهمها برأيي يعود إلى الكاتب نفسه. الكاتب العربي صار أكثر قدرة على التجاوز، خصوصاً بلجوئه إلى وسائل تقنية عديدة، وقد وجد حلاً لهذه المشكلة من دون أن يقصد خدش حياء القارئ.
الكاتب صار لديه الوعي بأهمية عملية الكتابة في خلخلة المحظورات. وهناك أيضاً وعي الكاتب بذاته كذات حرة مستقلة. تطور هذا الوعي، ورافقه أيضاً تطور في المجتمعات العربية، أحببنا ذلك أم لا. صحيح أن هناك توجهاً نحو التدين، ولكن بالمقابل هناك توجه نحو الانعتاق والتحرر. وإذا لم تمسّ المحظور السياسي تستطيع أن تكتب عن الجنس، فالرقابة لها علاقة بالمؤسسة السياسية وبالمجتمع.
÷ أنت تفرّق بين مختلف الرقابات في قوتها وتأثيرها؟
}المحظور الجنسي لم يعد محظوراً في ما تقرأ من تجارب نسائية وذكورية. المحظور الديني مواجهته أصعب ولكنه بدأ ينال من حظوته، بدأ الكتّاب العرب يواجهون بشيء من الجرأة هذا المحظور. في روايتي الأخيرة «نساء البساتين» أتعرّض للمجتمع في سلوكه اليومي. منذ عشرين عاماً كان شخص واحد في أسرتي يصلي، اليوم باتوا عشرين شخصاً، ففي الرواية مواجهة للمحظور الديني. يهمني كسر وانتقاد الدين في سلوكه اليومي لأنه يعطل ويلغي الحياة، لأنه ضد الحب والموسيقى والرقص.. هناك حديث كثير عن الموت. أنا أحاول أن أنتقد هذه التوجه، فالدين جعل لإسعاد البشر، ويتضمن رؤيا لطريقة عيش تحقق السعادة للإنسان. أما الآن فقد فهم الدين فهماً خاطئاً.
المحظور السياسي هو الأقوى، وشخصياً لست متفائلاً بتجاوز هذا المحظور، على الأقل في المدى القريب. وإن كان هناك أعمال روائية جريئة قد حاولت ذلك، ودفع أصحابها ثمناً باهظاً، والسبب في صعوبة تجاوز هذا المحظور هو أنه يمسّ بنية النظام العربي العميقة، البنية التي لا تزال متخلفة جداً، ومعادية لكل رأي مخالف. السلطان في العالم العربي لا يزال يبطش بالكاتب ويتعامل معه تعاملاً قروسطياً. في الوقت الذي تجد أن في العديد من المجتمعات التي تشبهنا قد حدثت تطورات هائلة، ويحصل الكاتب فيها على هوامش للكلام. على الكاتب أن يكون بطلاً ومستعداً ليدفع ثمناً باهظاً لمواجهة هذا المحظور.
÷ في «نساء البساتين» تطرقت أيضاً إلى المحظور السياسي إلى جانب الدين، فهل تعرّضت لأية مشاكل؟
} الرواية صدرت منذ بضعة شهور في بيروت، ولم تصدر في تونس، ولم تصل إلى هناك في ما أعتقد. صحيح أنني قاربت فيها المحظور السياسي، ولكنني قاربته من زاوية اجتماعية، أي أنني تحدثت عن تجليات السياسة في المجتمع، وهذا ما يهمني في الحقيقة.
÷ كيف تلقّت أسرتك ومحيطك هذا العمل؟ باعتبارك أشرت إلى التدين الذي أصابها؟
} لم يقرأوا العمل حتى الآن، وبالتأكيد لن يعجبهم. أنا لا أشجع عائلتي على قراءة ما أكتب، وعندما أكتب لا أفكر فيهم، فحينها سأضع أمام نفسي عراقيل كثيرة، سأصبح حينها رقيباً على نفسي، وقد سمعت أن بعض أفراد عائلتي قرأوا رواياتي السابقة حول المحظور الجنسي، وكانوا يقرأون ذلك خلسة وبكثير من الحذر، وهذا طبيعي ولم يفاجئني. زوجة أخي رفضت أن تقرأ بناتها الرواية لأنها تعتبرها جريئة جداً من حيث الجنس.
ضد موسم الهجرة
÷ تحدثت عن رواية «موسم الهجرة إلى الشمال» كنموذج للفحولة العربية، فيما طرحت روايتك كنموذج مضاد؟
} أولاً أنا أحب كثيراً أعمال الطيب صالح، وأعتبره أستاذاً لي، وقرأت أعماله بكثير من المحبة والإعجاب، وهو واحد من القلائل إلى جانب نجيب محفوظ الذي تتلمذت على يديه، وما قلته يتعلق بمسألة فحولة الرجل العربي. لقد حاولت في روايتي «روائح ماري كلير» أن أكسر هذه الصورة، بل يمكنني القول بعد الاستماع إلى آراء العديد من الناس الذين قرأوا «روائح ماري كلير» وأحبوها إنني قد نجحت في تحطيم هذه الصورة، صورة مصطفى سعيد الفحل. عندما كتب الطيب صالح «موسم الهجرة إلى الشمال» كان مفهوماً أن يكون مصطفى سعيد على هذه الشاكلة، فضلاً عن أن فحولة سعيد، كما تجلت في الرواية، لها حمولة رمزية كبيرة تتمثل في مقاومة المستعمر البريطاني عبر بوابة الجنس، وهو سلاح قد استطاع الطيب صالح أن يوظفه بذكاء، أما الآن فإن هذه الحمولة الرمزية لم يعد لها برأيي ما يبررها. ثم ما همّني كثيراً، في تصوير شخصية محفوظ في «روائح ماري كلير» هو هشاشته كرجل، وأعتقد أن الهشاشة والضعف وعدم التماسك لدى الرجل أمام المرأة تضفي عليه بعداً أعمق. وعلى أي حال، لعل هذه الصورة كما وردت في الرواية أكثر قرباً من واقع الرجل العربي. لكن ما لفتني خلال التقائي بعدد من القراء، وخاصة في الخليج، أن الكثير من النساء لم يعجبن بصورة الرجل العربي في «روائح ماري كلير»، بل ثمة من انتقدني على ذلك. كأن المرأة تحب صورة الرجل العربي كمتسلّط وعنيف.
÷ عموماً هل أنت راض عن طريقة مقاربة الكتّاب العرب للجنس في الرواية؟
} أستطيع القول إنني قرأت روايات جميلة من أغلب البلدان العربية قاربت موضوع الجنس بكثير من الذكاء والجرأة. إجمالاً أنا لست ناقداً لكي أحكم على الروايات التي تناولت هذا الموضوع، ورأيي هو رأي قارئ، لا أدري إلى أي حدّ يمكنني أن يعتد به.
÷ ثمة من التقط إهداءك في روايتك «جبل العنز»، والذي قلت فيه «إلى أم ميتة، إلى أب ميت»، على أنه تملّص من أبوة أدبية. إلى أي حدّ توافق على ذلك؟
} هذا الإهداء أقصد به أبي وأمي الحقيقيين اللذين فقدتهما وأنا لا أزال طفلاً. لقد ماتت أمي وأنا في الثانية عشرة من عمري، وبعد سنتين توفي أبي، ولذلك كان من الطبيعي أن أهدي أول عمل لي إليهما. لكن ما ذهب إليه الناقد الذي أشرت إليه، أجده طريفاً وذكياً، لأن الكاتب أحياناً قد يقول كلاماً لا يكون واعياً به تماماً، إذ إن للاوعي دوراً أساسياً في عملية الإبداع، وهذا التأويل الذي ذهب إليه لا ينطبق برأيي على الرواية العربية، إذ إن لدي آباء كثيرين، من بينهم نجيب محفوظ والطيب صالح اللذين أشرت إليها آنفاً. ولكن ما أسميته التملص من الأبوة، ربما ينطبق أكثر على الرواية التونسية، فخلافاً لروائيي المغرب والجزائر، ممن هم من جيلي، لم يكن لنا في الرواية التونسية كتّاب من نوع الجزائري الطاهر وطار، أو المغربي محمد شكري، الذين يمكن أن أعتبرهم آباء لي، باستثناء واحد ربما، وهو غير مشهور في العالم العربي، ويكتب بلغة أهل الجريد في الجنوب التونسي، وهو البشير خريف، الذي كتب رواية جميلة عنوانها «الدقلة في عراجينها»، وقد أشاد الطيب صالح كثيراً بهذه الرواية، وكتب مقدمة لإحدى طبعاتها التونسية.
÷ لماذا لم تذكر مثلاً محمود المسعدي صاحب «حدث أبو هريرة قال»؟
} المسعدي كاتب تونسي كبير، ولكنني لا أعتبره روائياً، على الأقل بالمعنى المتعارف عليه للرواية. لقد كتب نصاً جميلاً في «حدث أبو هريرة..»، حاول من خلاله أن يؤسس لرواية عربية، أو لطريقة متفردة في السرد العربي الحديث تقوم أساساً على توظيف الخبر كما ورد في كتب التراث، وبالتالي فإن تأثيره سواء عليّ أو على غيري من روائيي تونس لم يكن كبيراً. أنا أحترمه كثيراً وأقرأه باستمرار وأتمتع بقراءته، ولكنني لم أحاول أبداً أن أكتب مثله. أنا كاتب مهووس بالحياة، بالآن وهنا، في تجلياتها الطازجة. أنا معني كثيراً بما أسميه لحم الواقع، أي الحياة، في تتابعها، وانسكابها اليومي الدائم كنهر هيراقليطس. أنا أعتقد أن ما نسميه الحياة اليومية بشيء من الاستهانة والاستخفاف هو المادة الأساسية للرواية، لأن الأفكار الكثيرة تأتي من أشياء الحياة الصغيرة. أميل إلى الكتّاب الذين يذهبون مباشرة إلى أشياء العالم، لكن بشرط أن ينجح الروائي المغامر في هذا الاتجاه الصعب أن يكتب نصاً قوياً ومقنعاً. في رواياتي أحاول دائماً أن أضغط الحدوتة قدر الإمكان، وأن أعتمد على عدد قليل من الشخصيات، وأن أبتعد عن كل ما أسمّيه البهارات، وأن أتوصل مع ذلك إلى كتابة رواية مقنعة. الكثير من النقاد انتبهوا إلى هذا، وهو نوع من التحدي، لأنك مطالَب أن تبني عالماً متكاملاً يمسّ القارئ في أفكاره، أحاسيسه انطلاقاً من عدد من أشياء صغيرة. هذا واضح مثلاً في موضوع شائك مثل الحب وعلاقة الشرق والغرب الذي تناولته من خلال قصة حب بسيطة ظاهرياً بين تونسي وفرنسية في «روائح ماري كلير».
÷ لا أسماء كثيرة معروفة لدينا من تونس على مستوى الرواية، يبدو الحبيب السالمي من الأسماء الأولى التي تصلنا، كيف تفسر؟
} هناك روائيون تونسيون طبعاً يستحقون أن يعرفوا عربياً، لكنني لا بدّ من الاعتراف أن عددهم قليل، ولكن هذا يعود برأيي إلى أن تونس ضائعة، كبلد صغير، بين الجزائر والمغرب. ثم لا بد من الاعتراف أيضاً، وقد أشرت إلى هذا، إلى أننا لا نجد في الأجيال التي سبقتنا في تونس عدداً معقولاً من روائيين بحجم الطاهر وطار. إذاً الكتاب الذين من جيلي مطالبون بأن يفتحوا الطريق، فطريق الشهرة في العالم العربي لم تكن سالكة كما في الجزائر والمغرب، وجيلي هو الذي بدأ يتحرك عربياً. كتاب جيلي هم الذين يفتحون الطريق. ثم هناك نقطة أخرى بعيدة عن الموضوع لكن لها صلة وثيقة، وهي أن تونس حتى على المستوى الفرانكفوني لم تنجب روائيين كباراً مثل كاتب ياسين ومحمد ديب والطاهر بن جلون، الذين ساهموا إلى حد ما في لقت انتباه القارئ العربي إلى الرواية في المغرب والجزائر رغم أنهم يكتبون بالفرنسية.
المجتمع والقانون
÷ خمسون سنة من قانون حديث للأحوال الشخصية في تونس لم تجعل من شخصية محفوظ، بطل «روائح ماري كلير» إلا نموذجاً ريفياً قروياً يشبه أي عربي آخر؟
} هذا القانون الذي أعتز به كتونسي وعربي، ويعود فيه الفضل إلى الحبيب بورقيبة، لم يغير بنية المجتمع التونسي كما كنا نحلم، فقد كان لا بد من مرور الزمن كي يستوعبه المجتمع التونسي، وعندما بدأت نتائجه تظهر في سلوك المرأة والرجل، هبّت على تونس، كما حدث في أغلب البلدان العربية، عاصفة التدين التي جعلت المجتمع التونسي يتراجع أحياناً إلى الوراء. قانون الأحوال الشخصية في تونس لا يزال موجوداً، بل حدث تطوير جريء له، إذ إن المرأة التونسية صارت تمنح جنسيتها لأبنائها، لكن هناك فرق بين المجتمع والقانون، أي أن المجتمع بقواه المحافظة الكامنة فيه، لم يستطع أن يستفيد من هذا القانون، لذلك من الطبيعي أن نجد نماذج من نوع محفوظ في المجتمع التونسي حتى الآن.
÷ هل يمكن القول إن روايتك «نساء البساتين» نموذج لموجة من الأعمال الروائية المسرحية التي بدأت تظهر بعد عاصفة التدين التي أشرت إليها؟ نحن قد شاهدنا من قبل مسرحية «خمسون» للفاضل الجعايبي التي تناقش الموضوع نفسه؟
} نعم، يمكن القول إن روايتي نموذج لروايات وأعمال روائية ومسرحية وسينمائية تونسية وعربية في التصدي وفي مواجهة هذه الطريقة المتخلفة في التدين التي تريد أن تعود بنا إلى الوراء. وأتوقع أن يتزايد عدد مثل هذه الأنواع الأدبية. المعركة مع هذا الشكل من التدين والتعصب قد بدأت الآن، ومن واجب كل كاتب حقيقي يحب الحياة ويفهم الدين بشكل صحيح أن يخوض هذه المعركة. هؤلاء المتشددون يريدوننا أن نستقيل من الحياة، من الحب، والموسيقى، وأن نقضي أوقاتنا في الحديث عن الموت وعذاب القبر.
÷ العام 2008 وصلت روايتك «روائح ماري كلير» إلى القائمة القصيرة للبوكر العربية، ماذا يعني وصول روايتك، وكيف تعلق على الجدل الذي دار حول الجائزة؟
} أولاً كنت سعيداً بوصول روايتي إلى القائمة القصيرة، خصوصاً أنها أول رواية مغاربية تصل إلى القائمة القصيرة للبوكر.أما عن الجدل الذي دار، فأنا شخصياً لا أميل بطبعي إلى التعليق على نتائج المسابقات والجوائز. والبوكر مثل غيرها من الجوائز التي تثير نقاشاً، وهذا طبيعي.
÷ كيف أفادتك البوكر؟ وإذا كانت «روائح ماري كلير» أكثر رواياتك شيوعاً فهل تحيل ذلك إلى الرواية نفسها أم بسبب ذيوع اسمها بعد البوكر؟
} كل جائزة مفيدة إلى حدّ، على الأقل على مستوى انتشار الكتاب وإقبال القراء عليه. «روائح ماري كلير» لقيت إقبالاً من القراء أكثر من رواياتي الأخرى، وهذا ينطبق على كل الأوساط الأدبية في العالم. جائزة غونكور الفرنسية كل سنة تجعل من الرواية الفائزة الأكثر مبيعاً.
لكنني لا أدري بالضبط سبب شيوعها، كل ما أعرفه هو أنها بالنسبة لي في مستوى رواياتي الأخرى. إن رواج الرواية، أي رواية، لا يعود أحياناً إلى مستواها فقط، وإنما إلى أشياء أخرى خارجية كالجوائز، بل وحتى موضوعها أحياناً. مثلاً موضوع الحب بين عربية وفرنسية، وهو موضوع قديم بالمناسبة قد جلب لهذه الرواية في الخليج الكثير من القراء، وقد لاحظت هذا من خلال الندوات التي نظمت لي في هذه الدول. أنا شخصياً لا يعنيني الموضوع، رغم أهميته، بقدر ما تعنيني المقاربة لهذا الموضوع. قيمة الكاتب تتمثل برأيي في الطريقة التي يتمثل بها الموضوع.
الترجمة
÷ هل فكرت أن تكتب بالفرنسية، وأنت مقيم في فرنسا منذ العام 1983؟
} أكتب مقالات وأبحاثاً بالفرنسية، لأنني مغاربي ودرست في السوربون، لكنني لم أفكر إطلاقاً أن أكتب نصوصاً إبداعية بالفرنسية، لأن امتلاك لغة ما لا يؤدي بالضرورة للكتابة بهذا اللغــة. الفرنســية، وهي لغة جميلة كالعربية، لم تسكن جسدي حتى الآن، مثلما تسكنه العربية، وطالما لم يحدث ذلك لن أكــتب إلا بالعــربية، ولكن عدداً من رواياتي متوفر باللغة الفرنســية عبر الترجمة.
÷ هل عملت مع المترجم لتجاوز إشكالات الترجمة؟
} طبعاً اطلعت على الترجمة الفرنسية قبل نشرها، وأبديت كثيراً من الملاحظات، وصححت بعض الأخطاء التي تحدث فيه مثل كل ترجمة، ومن حسن حظي أن الذين ترجموني تقبلوا هذه الملاحظات بصدر رحب، لكن أعتقد أن العمل مع المترجم مهم جداً، فمهما كانت قيمة المترجم يمكنه أن يرتكب أخطاء، ومن المفيد أن ينبهه صاحب النص إلى ذلك.
÷ متى قررت أن تكون روائياً؟
} أنا بدأت قاصاً كأغلب كتاب جيلي في تلك الفترة في السبعينيات، كنا دائماً نبدأ بالقصة القصيرة وهي فن جميل وصعب خلافاً لما يتصوره البعض، وشيئاً فشيئاً انتقلت إلى الرواية، وقد حدث ذلك بصفة تلقائية، حيث كنت أكتب «جبل العنز» روايتي الأولى، وقد بدأتها كقصة، ولكن النص والإيقاع هما ما دفعني لأجعلها رواية.
÷ هل تلجأ في التحضير لكتابة الرواية إلى الوثائق، إلى الشارع؟
} هذا يتوقف على طبيعة العمل الروائي الذي أكتبه. عندما أكتب عن تجربة حديثة في الحب لا ألجأ إلى وثائق، ولكن عندما أريد أن أستحضر شيئاً محدداً له علاقة بالتاريخ أو المجتمع في عصر معين، فإنني أقرأ عن ذلك العصر عبر الوثائق. مثال على ذلك جزء من «روائح ماري كلير» تتحدث فيه ماري كلير عن طفولتها في حي شعبي في باريس اسمه منيلمونتون، ولقد استعنت ببعض الوثائق لأصف الحياة الاجتماعية في ذلك الحي في تلك الفترة.
÷ كيف تكتب؟
} أكتب في الصباح، فأنا أستاذ لغة عربية في فرنسا، ومن حسن حظي أنني لا أعطي دروساً إلا بعد الظهر. أبدأ من الساعة العاشرة صباحاً أحوم حول الكمبيوتر، كأنني أروّضه، ثم أشرع في الكتابة فعلاً في حدود العاشرة والنصف، أتوقف بعد ثلاث ساعات، فلا أستطيع أن أكتب أكثر من ذلك في اليوم. أنا كاتب بطيء وأحبّ التفكير كثيراً عندما أكتب، لذلك أتقدم ببطء، وأحياناً كثيرة لا أكتب أكثر من عشرة أسطر في اليوم، لست من كتاب الدفقة الأولى الذين يكتبون الرواية دفعة واحدة ثم يعودون إليها في ما بعد، لا أستطيع أن أبدأ فصلاً إذا لم أكن مقتنعاً بالفصل السابق. أكتب في غرفتي وحيداً مثل أغلب الكتاب، وفي السنوات الأخيرة صرت أضع موسيقى كلاسيكية خفيضة جداً أثناء عملي في الكتابة.
÷ ماذا تقرأ؟ كيف تختار كتبك؟ هل بقصد أن تساعدك قراءات معينة في الكتابة؟
} في الفترة الأخيرة صرت أقرأ ثلاثة أو أربعة كتب لكاتب واحد دفعة واحدة، هذا إن أعجبتني الرواية الأولى طبعاً. أعود أيضاً إلى قراءة أعمال أدبية مهمة مثل «دونكيخوته»، «الأخوة كارامازوف»، «الصخب والعنف» وسواها. أقرأ أيضاً التراث العربي، وبكثير من الحرية، وأتعامل معه تماماً مثلما أتعامل مع نص حديث. في كل أسبوع، وتحديداً في يوم العطلة الأحد، أحرص على أن أقرأ أجزاء متفرقة من «البخلاء» للجاحظ. أحب كثـــيراً لغــته الدقيقة، وأنا معني كثيراً بالدقة في اللغة. أحياناً أشــعر أن الجاحظ قد كتب هذا في عصرنا، فهناك نضارة نادرة في لغته، أحب أيضاً التوحيدي، لكني أفضل علـيه الجاحظ من حيث اللغة.
اللغة الجميلة
÷ كيف ساعدتك إقامتك الفرنسية على رؤية مغايرة للثقافة العربية، التونسية، وعلى التقاط موضوعات، عبر هذه المسافة؟
} اقامتي الطويلة في فرنسا واحتكاكي الدائم بالفرنسيين وغيرهم من الاجانب، خصوصاً انخراطي في نمط الحياة الغربية وايقاعها واطلاعي على الثقافة الفرنسية أفادني بالتأكيد. وقد انعكس هذا حتماً على طريقتي في النظر الى الامور. اعتقد انني صرت اكثر عقلانية واقل تسرعاً في الحكم على الاشياء. صرت ايضاً أرى اشياء في ثقافتنا ولغتنا العربية وفي اسلوب حياتنا لم اكن انتبه اليها. وهذه الاشياء بعضها سلبي وبعضها إيجابي. ما انتبهت اليه في ما يخصّ اللغة العربية مثلاً هو اننا نحرص على ان تكون غنائية وجميلة أكثر مما نحرص على ان تكون دقيقة. كما أننا نميل كثيراً الى التعميم في آرائنا. اما بخصوص التقاط موضوعات محددة فهذا يعود في تقديري الى البعد. انه يساعدنا على ان نرى اموراً تصعب رؤيتها داخل البلد بحكم الروتين وبحكم العادة التي تقتل الرغبة في الاكتشاف او على الاقل تحدّ منها.
÷ كيف تعلق على ما جرى في تونس أخيراً؟
} ابتهجت كثيراً بما حدث في تونس مؤخراً. إنها ثورة حقيقية أثبت من خلالها شباب تونس
تعلقهم بالحرية والديموقراطية. وقد ظهر من خلال هذه الثورة أن المثقفين التونسيين، وأنا واحد منهم لم يكونوا في مستوى هذا الحدث العظيم الذي لم يعرف العرب مثيلاً له، وأنه لا بدّ أن نعيد النظر في مفاهيمنا وتصوراتنا وتحاليلنا الرثة لكي نواكب ونفهم حقاً ما يتطلّع إليه الشعب. حتى المعارضة السياسية فوجئت بهذه الثورة، وهي تلهث الآن للّحاق بها.

راشد عيسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...