التمويل بالعجز والتدخل الحكومي

05-01-2010

التمويل بالعجز والتدخل الحكومي

في موضوع اقتصاد السوق الاجتماعي و بعيداً عن الجدل القائم حول إشكالية التعريف وماهية المفهوم  وصياغة المصطلح  ومدلوليته وانطلاقاً من واقعنا الاقتصادي والاجتماعي الذي نعيشه بحلوه ومره ، في بلدنا الحبيب سورية وإيماناً منا بالفكرة القائلة بأن لكل مجتمع تجربته العملية الخاصة في تطبيق النظرية على أرض الواقع أقف لأقول بما يلي :
1 – لقد تبنت القيادة السياسية نظرية :(اقتصاد السوق الاجتماعي) وجاءت الخطة الخمسية العاشرة في هذا السياق ،ويتم حالياً إعداد مشروع الخطة الخمسية الحادية عشرة في السياق نفسه وبالتالي علينا تجاوز النقاش والبحث في مسألة اعتماد النظرية أو عدم اعتمادها أو تأجيل تطبيقها أو العدول عنها، فقد أصبح الأمر واقعاً ،وكل نقاش حول ذلك يصبح عقيماً ،ومعطِّلاً للعمل ،وذلك يدعونا لأن نعمل في إطار التطبيق العملي للنظرية وأن نكون ضمن هذا السياق فاعلين ومتفاعلين ،كلٌ حسب موقعه ومسؤوليته ،لا أن ننظر إليها من بعيد كالمترقب فشلها أو كالمراهن على إخفاقها ،لأننا لو فعلنا ذلك نكون قد أصبنا أنفسنا أولاً وأخيراً ونكون قد بدأنا بالابتعاد عن ساحة العمل الحقيقي الجاد والمثمر والفاعل والذي يأخذ بالاعتبار الحرص على مصلحة الوطن والمواطن، ودخلنا مجال الجدل ،ووقعنا بشرك المثل القائل من كثر كلامه قل عمله وتدبيره .
2 – إن نظرية اقتصاد السوق الاجتماعي جاءت لعَمَلِ نوعٍ من المقاربة و الموالفة والتوافق  بين اقتصاد السوق ،ونظام العدالة الاجتماعية ،ومن المفترض على صعيد التطبيق العملي أن تعتمد مسألة التوفيق بين آليات عمل السوق ،ودور الدولة الاجتماعي على التدخل الحكومي المبرمج من خلال سياساتها المختلفة وبرامجها التنفيذية بهدف تجاوز الأزمات وحل المشكلات بشكل صحيح وبالوقت المناسب، وهذا ما راهن عليه الفريق الاقتصادي للحكومة وقد وعدنا بتجسيد ذلك على أرض الواقع  عبر التصريحات المتكررة حول طرحه مجموعة  من الحلول الممكنة والمعقولة والمفيدة ،وقد أصبح وعده دينٌ عليه وكلنا ينتظر وفاء هذا الدين ليتسنى لنا نحن الآخرون وفاء ديوننا التي تفاقمت وتراكمت  وترافقت مع الغلاء المعاش خاصة وأننا نعيش السنة الأخيرة من تنفيذ الخطة الخمسية العاشرة  وهنا يجدر بنا  لفت النظر إلى  أن عمل الحكومة في السنوات الأربع الماضية والسياسات والإجراءات المتعددة للحكومة رغم أنها ضرورية وهامة وجاءت كحل سريع لبعض المشكلات الآنية والتي ترافقت مع محاولة إعادة توزيع الدعم الحكومي كهدف اجتماعي إلا أنها بمجملها لا تكّون حلاً كاملاً وشاملاً ونهائياً
3 – في مقاربة موضوعية للنقاش السائد حول المشكلات التي نعاني منها كمواطنين  والتي تواجهنا كأفراد ومؤسسات والتي يحاول المعنيون  إيجاد الحلول لها نلاحظ ما يلي :
أ – يصور البعض هذه المشكلات -الواقعية والملموسة والتي نعرفها جميعا ونعيشها - يصورها بشكل مأساوي وبصورة سوداوية وبأنها صعبة الحل إذا لم تكن مستحيلة مما يضفي على حالتنا - نحن الذين نعاني من هذه المشكلات - بعداً نفسياً سيئاً قوامه التيئيس وفقدان الأمل والعجز والتقاعس والإحباط فيزيد المسألة تعقيداً وتأزماً وتضعف مع هذه الحالة مناعتنا كأشخاص ومسؤولين ونصبح عاجزين عن تصور حل موضوعي لمواجهة هذه المشكلات وتجاوزها بشكل صحيح
ب – هناك أيضاً من يرى أن هذه المشكلات هي حتمية في مرحلة الانتقال إلى اقتصاد السوق وأن على المواطن دفع ثمنها في هذا السوق أيضاً –  إن شاء أو أبى ،وبمحض إرادة السوق لا بمحض إرادته هو، ولا تحل بتدخل الحكومة لحسم الموقف ،وإنما وفق العرض والطلب اللذين يجعلان كل شيء عائماً ومنفلتاً ًمن كل قيد  -  هذا السوق سوف يريه – تعود على المواطن - ما هو أعظم  وسيبين له بأن الاجتماعي لا مكان له عندما تبدأ آليات عمل السوق،  وأن التوفيق بينهما يصبح تلفيقاً ، وتأتي الصورة بنظر هؤلاء وكأن اقتصاد السوق بدأ عمله في بلدنا بكسر يد الاجتماعي وتعليقها برقبته وربطها بعنقه ليبدأ عمله هو الآخر بالتسول على هذه اليد المكسورة والمغلولة إلى العنق وأصحاب هذا الرأي يقرّون بأن منظومة العلاقات الاجتماعية السائدة في هذه المرحلة غير منسجمة مع إمكانية التطوير والانتقال إلى مرحلة اقتصاد السوق ويرجعون ذلك إلى ضعف معدلات النمو وازدياد معدل التضخم وعدم وجود الكادر المؤمن بضرورة إحداث مثل هذا التغيير والمؤهل بشكل كافٍ ليكون قادراً على القيام به وبكل متطلباته  وإلى أسباب أخرى تتعلق بطريقة الانتقال هذه ومدى نجاحها واستمرارها في المستقبل ، نقول لمثل هؤلاء بأن حالة السكون والانتظار والحيرة التي نعيشها تكون مكلفة جداً في مثل هذا الواقع ويمكننا خوض التجربة بجرأة لتجاوز حالة اللا توازن التي نعيشها والتي أصبحت مقلقة لنا ولمستقبل أولادنا
ج – هنا ك من يصور الموقف على أنه مسؤولية حكومية خالصة فيستجمع قواه الفكرية ومهاراته الإبداعية والإنشائية والتعبيرية ويستحضر أرقامه الموثوقة وغير الموثوقة – والتي يستخدمها أحياناً دليل نفي وأحياناً أخرى دليل إثبات لنفس الفكرة – يفعل كل ذلك ويبدأ بتوجيه اللوم والانتقادات بشكل أو بآخر إلى سياسات الحكومة وعملها وبرامجها التنفيذية وتسويق حلولها المقترحة على أنها غير مفيدة ولا تصلح  لتجاوز هذه المشكلات ليضعها بعد ذلك في خانة (اليك) فلا يعود نافعاً في اللعبة لا (الدوبيش) ولا حتى (الدوشيش ) لكن المسألة ليست لعبة وإنما هي مسألة التزام وانضباط ومسؤولية وبنفس الوقت الذي لا نطالب فيه (بتمسيح) الجوخ لأحد  فلا يعني ذلك أن نمزق ثيابنا لنظهر حاجتنا إلى اللباس فنعرّي أنفسنا بأيدينا ونقول يا رب نسألك السترة
 وفق تصنيف الرأي السائد كما جاء ذكره آنفاً أرى أنه من اللازم والضروري - وعندما تواجهنا مشكلات أياً كان نوعها - أن نعمل  معا وبمحبة خالصة لينجز كلٌّ منّا عمله الموكل إليه بحرص ومسؤولية لتجاوز هذه المشكلات عبر الارتقاء بعملنا إلى درجة عالية من الموضوعية والحرص والالتزام بهموم بلدنا  وهموم مواطنيه البسطاء والطيبين
4– في اقتراح الحلول ومن وجهة نظر شخصية : أرى بالاعتماد على النظرية الكنزية  ما يلي
أ – من الممكن والمعقول : أن تتعايش مصالح مختلف طبقات المجتمع مع بعضها في توازن وانسجام ب – هذا التوازن والانسجام لا يتحقق بشكل عفوي وإنما يتم من خلال التدخل الحكومي  باتخاذ القرارات والمبادرات ووضع السياسات والإجراءات الكفيلة لصنع هذا التوازن والمحافظة عليه ج – إن (الطلب الفعّال ) هو الوسيلة الأولى لتحقيق هذا التوازن وذلك الانسجام وبالتالي فلا بد من أجل تجاوز الأزمات والسير في الاتجاه المطلوب من تدخل الدولة لزيادة الطلب د – إن زيادة الطلب الفعال تقتضي زيادة مجزية في الأجور والرواتب وزيادة في الإنفاق الحكومي على الخدمات الاجتماعية والاستثمار العام وكلنا يشهد نشاط السوق وحركته وزيادة الطلب على السلع والخدمات فيه بعد كل منحة نقدية أو زيادة للأجور وهنا نلفت النظر إلى أننا جميعاً ننتظر زيادة في الأجور كانت الحكومة قد وعدتنا بها مراراً فأين أصبح القرار هـ – إن ارتفاع العجز بخزينة الدولة إلى ما يعادل 30% من الموازنة العامة لعام 2009 يدل على إتباع الدولة  سياسة التمويل بالعجز وهي سياسة غير ناجحة في إطار التنمية المتوازنة كما يراها الكلاسيكيون  لكنها  – وفق النظرية العامة لكينز – كفيلة بإعادة التوازن في النهاية وتحقيق التعادل بين الادخار والاستثمار وامتصاص فائض السيولة المتكون من زيادة عرض الكتلة النقدية عند العمل بسياسة التمويل بالعجز و – إن المضي في تطبيق سياسة التمويل بالعجز من قبل الحكومة يحتاج إلى جرأة وسرعة  بالإنجاز وهو كفيل بحل معظم المشاكل التي نعاني منها خاصة مع ترافق ظاهرتي التضخم والركود وتأثيرهما معاً على حياتنا المعاشية فكلنا يلاحظ توفر السلع والخدمات في السوق وعدم قدرة المواطن على شرائها واقتنائها أو استخدامها نتيجة العوز المادي وضعف الدخل وبذات الوقت نلاحظ وجود البطالة بأشكالها المختلفة  ز – إن ضخ العملة في السوق عبر زيادة الأجور والإنفاق يشفي غليل جوعنا القديم للسيولة المادية ويجعل جيوبنا ممتلئة بالمال  فنعرف عندئذ كيف نتحدث بالمجالس (لأن المال حسب المثل الشعبي يعلم الحكي كما اللباس يعلم المشي ) علنا بذلك نحقق شيئاً من الاجتماعي الذي ننشده هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن مفهوم العملة النشطة والفعالة يقوم بدور المحرك لآليات عمل السوق ونكون بذلك قد بدأنا العمل بهذا الاتجاه بشكل عملي ملموس وأن ما فعلناه يكون منطلقاً ومحفزاً للسير بمقولة اقتصاد السوق الاجتماعي
وأخيراً أقول بأن الوقت يمر والانتظار أو الركون لا يفيد ولا يعطي حلاً لأن الملاحظ أن بعض المشاكل التي بدأت صغيرة كبرت مع انتظار الحل ففي الحركة كل البركة فإذا كان شيخ التجار في سوق الحرير يبدأ عمله اليومي بجولة في السوق يبيع فيها ويشتري فيحرك كل شيء فيه يقيمه ويقعده ويجعله ممتلئاً بالعمل والحيوية والنشاط  فكيف يتم ذلك : لا نعرف  فهو لا يعطي سر المهنة لأحد وفي موضوعنا من نسأل عن سر المهنة وعن أي مهنة نتحدث         
                                                                
                                                                                     المحاسب القانوني:  علاء الدين مريم

التعليقات

الكلام جميل وفيه تفائل جاد من اجل العمل الحقيقي ولككككككككككن كيف الوصول لهذه الافكار (اي التطبيق) وعن طريق من او اين هل من مجيب لهذه الا فكار الناجحة (((( هذه مشكلتنا )))) وجميل ان يكون هناك اشخاص يحبون مصلحة الوطن الغالي سوريا .. وتفائل في هذه الافكار التي اوجدها الاستاذ علاء بحد ذاته نجاح ككككككككككبير .

(الكلام الواضح يعبر عن فكر ناضج )لعلي تذكرت هذه المقولةللدكتورالياس نجمة بعد قرائتي لهذا الموضوع الرائع000000 كان تشبيها بليغا عندما شبهت يد الاقتصاد الاجتماعي بأنها مغلولة في عنقه أسهبت اذ قلت بأن المسؤلية لاتقع على عاتق الحكومة وحدها ولكنها مسؤلية الجميع00حكومة و أفراد 0 الحلول الكنزومريمية وان كانت تذكرني بالمدينة الفاضلة لأفلاطون والتي هي حلم بعيد المنال 00لكنها على الاقل أثلجت قلوبنا00 ولكن ألاترى معي ياأستاذي الفاضل بأن زيادة الانفاق الخكومي من شأنه أن يزيد من معدلات التضخم التي هي معدلات فلكية أساسا 0000اني أرى المشكلة في ارتفاع في الكلفة(ارتفاع يالمستوى العام للاسعار)00لذلك اقترح 1-أن تتدخل الدولة بكبح جماح التضخم من خلال السيطرة على أسعار السلع الأساسية وزيادة الاجور و الرواتب بنفس الوقت 000 2-تحقيق الانسجام بين السياسات المالية والنقدية0 3-الحد قدر الامكان من الفساد والهدر الحكومي قلت الحد لانه على ما يبدو من الصعب القضاء عليه0 4-تنمية دور الشششششششششبيبة والشباب في تحقيق التنمية المستدامة0 في النهاية الموضوع كان شيقا جدا و ملامس للواقع ---زادك الله علما ونورا0 0000000000 تعليق اياد أحمد00000000000000000000000000000000

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...