التعاون المصري – الإسرائيلي في ملف غزة: الأهداف والمصالح

25-12-2008

التعاون المصري – الإسرائيلي في ملف غزة: الأهداف والمصالح

الجمل: تزايدت التقارير والمعلومات التي تتناول ملف أزمة قطاع غزة والتصعيد المتعلق بها، وبرغم اختلاف الرهانات حول مستقبل هذا الملف، فإنها من المؤكد أن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني سيظل لفترة طويلة قادمة  مؤثراً على كل التطورات في الصراع العربي – الإسرائيلي، سواء كانت في مسارح القتال أو على طاولات مفاوضات السلام.
* المعطيات الجديدة في ملف أزمة غزة:
نشرت الصحف الإسرائيلية والمواقع الإلكترونية الإسرائيلية الكثير من المعلومات التي كانت تتركز حول الجوانب الآتية:
• تزايدت نيران صواريخ حركة حماس المنطلقة من قطاع غزة بشكل لا يمكن للإسرائيليين تحمله أو التساهل معه.
• أعد الجيش الإسرائيلي العدة لتنفيذ عملية عسكرية تهدف للقضاء على خطر الصواريخ، وربما القضاء على حركة حماس إذا أمكنها ذلك والسيطرة على القطاع.
• توجد الكثير من الخلافات بين الإسرائيليين حول جدوى العملية العسكرية، ففي حين يرى البعض أنها ضرورية للقضاء على حركة حماس المتطرفة بما يتيح المجال أمام حركة فتح العلمانية، يرى البعض الآخر أنها ستؤدي إلى توحيد الفلسطينيين خلف حماس أو فتح، وهو ما لا يريده الإسرائيليون أن يحدث.
• توجد أطراف عربية متواطئة مع إسرائيل في ضرورة القضاء على خطر حماس فبينما ترى حركة فتح أن العملية العسكرية الإسرائيلية ستتيح لحركة فتح فرصة إضعاف حركة حماس، فإن نظام حسني مبارك المصري يرى بأن القضاء على حركة حماس سيترتب عليه إضعاف المعارضة الإسلامية المتزايدة له في الشارع المصري.
برغم تعالي أصوات الزعماء الإسرائيليين المصحوبة بتواطؤ المعتدلين العرب والمطالبة بضرورة تنفيذ العملية ضد حركة حماس في قطاع غزة فإن ثمة تقريراً إخبارياً مثيراً للانتباه نشر اليوم في صحيفة هاآرتس الإسرائيلية من إعداد الصحفي الإسرائيلي يوسي فيرتير وحمل عنوان «استطلاع رأي: لا يوجد تأييد كبير –في الرأي العام الإسرائيلي- لقيام جيش الدفاع بغزو قطاع غزة»، هذا وأشار التقرير فيما أشار إلى النقاط الرئيسية التالية:
• 46% من الإسرائيليين قالوا أنهم لا يؤيدون قيام جيش الدفاع بدخول قطاع غزة.
• 40% من الإسرائيليين قالوا أنهم يؤيدون قيام جيش الدفاع بدخول قطاع غزة.
• تم إجراء هذا الاستطلاع قبل تزايد عمليات إطلاق الصواريخ الأخيرة وتقول التوقعات بأنه حتى إذا تغيرت النسب المئوية المشار إليها فإنها ستتغير بشكل طفيف.
• برغم الخلاف بين الذين يؤيدون العملية العسكرية والذين يعارضونها فإن هناك اتفاق بين الطرفين يتمثل في الآتي:
- الذين لا يؤيدون يقولون أن السبب هو احتمالات التعرض للخسائر الكبيرة والتورط في الحرب لفترة طويلة مرهقة، أما الذين يؤيدون فيقولون أنهم يؤيدونها فقط إذا كانت مخططة جيداً ومضمونة النتائج بحيث لا يترتب عليها الخسائر الكبيرة أو لا يتورط الجيش الإسرائيلي في عملياتها لفترة طويلة.
- الذين لا يؤيدون واقعون تحت تأثير تداعيات عقدة حرب صيف العام 2006م مع حزب الله، أما الذين يؤيدون فيقولون بضرورة الاستفادة من قوة الردع الإسرائيلي التي فقدها الجيش الإسرائيلي في حرب صيف العام 2006م، وبالتالي فإن العقدة واحدة بالنسبة للفريقين.
* العملية العسكرية ضد قطاع غزة: إشكالية تضارب الرهانات العسكرية مع الرهانات السياسية المتعاكسة:
يرغب كل الزعماء الإسرائيليون في تنفيذ العملية العسكرية وعلى سبيل المثال لا الحصر نشير إلى الآتي:
• الجنرال إيهود باراك يرغب في تنفيذ العملية العسكرية لأنها ستعزز موقعه السياسي في الشارع الإسرائيلي.
• تسيبي ليفني ترغب في تنفيذ العملية العسكرية لأنها ستعزز موقعها السياسي داخل حزبها كاديما في مواجهة منافسها شاؤول موفاز، وفي الشارع الإسرائيلي في مواجهة خصمها الليكودي بنيامين نتينياهو.
لكن، برغم هذه الرغبة، فإن عقدة حرب جنوب لبنان صيف العام 2006م وتداعيات الهزيمة وما ترتب عليها من سخط سياسي وتحقيق لجنة فينوغراد وصولاً إلى أزمة أولمرت السياسية.. جميعها جعلت من الجنرال باراك (وزير الدفاع وزعيم حزب العمل) وتسيبي ليفني (وزيرة الخارجية وزعيمة حزب كاديما) أكثر تردداً في القيام بإصدار قرار تنفيذ العملية وبالتالي تحمل مسؤوليته. أما بالنسبة لموقف بنيامين نتينياهو زعيم حزب الليكود، فإنه وإن كان في الجانب المعلن مؤيداً ليس لتنفيذ العملية العسكرية وحسب، وإنما للتخلص من كامل التزامات فك الارتباط مع الفلسطينيين وعملية السلام معهم، فهو في الجانب غير المعلن يسعى لاستدامة واستبقاء سيطرة حماس على القطاع من أجل أن تطلق المزيد من الصواريخ ضد الإسرائيليين مما يتيح له القيام بالآتي:
• المزيد من التسويق السياسي الذي يتهم حكومة تحالف "العمل - كاديما" بالضعف في التصدي لمواجهة التحديات الأمنية.
• كسب المزيد من التأييد في أوساط الرأي العام الإسرائيلي.
• عدم إعطاء الفرصة لتحالف "كاديما - العمل" (ليفني - باراك) من أجل القيام بالعملية العسكرية والنجاح بها بما يؤدي إلى رفع شعبيتهما في أوساط الرأي العام الإسرائيلي.
• عدم تحمل نتينياهو أو حزبه الليكود أي مسؤولية إذا فشلت العملية العسكرية وتكرر سيناريو حرب جنوب لبنان في قطاع غزة.
والشيء ذاته بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي المستقيل إيهود أولمرت، فهو يسعى للتلكؤ في تنفيذ العملية العسكرية بسبب:
• عدم إعطاء الفرصة لليفني بتثبيت نفسها كزعيمة قوية لحزب كاديما.
• الوقوف بشكل غير معلن مع نتينياهو بما يتيح لأولمرت إعادة ترتيب أوراقه داخل كاديما والعودة مرة أخرى من خلال المعارضة إلى رئاسة الوزراء خلال الأعوام القادمة.
• عدم تحمل المسؤولية في حالة فشل العملية العسكرية فقد نجح أولمرت خلال التجربة الماضية من استخدام وزير الدفاع السابق عامير بيريتس ككبش فداء عندما أطاح به بعد أن نجح في تحميله المسؤولية عن هزيمة الجيش الإسرائيلي أمام حزب الله في صيف العام 2006م.
* تفاهم حسني مبارك – تسيبي ليفني، بدلاً عن تفاهم حسني مبارك – إيهود باراك:
ظلت القاهرة خلال الأعوام الماضية على علاقة وثيقة وتفاهم تام مع وزير الدفاع الجنرال إيهود باراك من جهة، ومن الجهة الأخرى على علاقة سيئة للغاية مع وزيرة الخارجية تسيبي ليفني وكان السبب يتمثل في دبلوماسية إدارة صراع قطاع غزة. ولكن وفي تطور مفاجئ وإن كان متوقعاً، نشرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية تقريراً استند إلى تسريبات تقول بأن الرئيس المصري حسني مبارك أرسل لوزيرة الخارجية ليفني بضرورة القيام بزيارة عاجلة للقاهرة من أجل التفاهم حول سيناريو ملف أزمة قطاع غزة. وتثير دعوة الرئيس المصري هذه الكثير من التساؤلات التي يتمثل أبرزها فيما يلي:
• لماذا استبدلت القاهرة دبلوماسية الجنرال باراك بدبلوماسية الوزيرة ليفني؟ هل لأن استطلاعات الرأي العام الإسرائيلية أثبتت تدهور سفينة باراك وحزب العمل أم أن القاهرة تريد تعزيز وتدعيم موقف ليفني داخل كاديما في مواجهة خصمها موفاز الذي سبق وأقنع الكونغرس الأمريكي بضرورة قطع المعونات عن مصر إلا إذا قام مبارك بمساعدة إسرائيل في القضاء على خطر حماس.
تشير التحليلات والاستقراءات إلى أن القاهرة أصبحت مضطرة اليوم أكثر من أمس إلى القيام بالآتي:
* دعم موقف ليفني داخل حزب كاديما في مواجهة موفاز الذي برغم هزيمته في انتخابات الحسزب العامة فإنه يسعى للانقلاب على رئاسة الحزب عن طريق حملة اختيار قائمة المرشحين لانتخابات الكنيست القادمة، وفي مواجهة نتينياهو. أما السبب الرئيس الذي يدفع القاهرة للقيام بمحاولة قطع الطريق على موفاز أو نتينياهو فهو يتمثل في أن الاثنين يتبنيان المنظور ذاته وهو خيار استخدام مبارك على غرار نموذج عرفات على خلفية تنفيذ سيناريو ربط تقديم المساعدات والمعونات الأمريكية بملف التعاون مع إسرائيل في المجالات الأمنية. وبكلمات أخرى كلما انطلقت صواريخ حماس ضد إسرائيل، كلما كانت إسرائيل تحمل ياسر عرفات المسؤولية عن ذلك وبالمقابل كانت واشنطن تقوم بقطع المساعدات عن فعن عرفات، وفي حالة صعود موفاز أو نتينياهو فإن مبارك سيصبح عرفات الأمس، وسيكون ما تطلبه الأجهزة الإسرائيلية من القاهرة هو ما كانت تطلبه من عرفات. وبرغم الفرق بين القاهرة ورام الله فإن الإسرائيليين لا يفهمون إلا شيئاً واحداً هو أنه لا فرق بين مع من يتعاملون معه لأن شروط التعامل واحدة. ونشير هنا إلى ما قاله يوري لوبراني ضابط الموساد المسؤول عن لبنان الذي تولى منصب منسق الشؤون اللبنانية عندما علق على قيام إسرائيل بمعاقبة بعض حلفائها اللبنانيين قائلاً: إنهم قصروا في التعامل وعليهم أن يفهموا أن الذي يتعامل مع إسرائيل يجب أن يتعامل بشكل جيد، على حد تعبيره!!

 


الجمل: قسم الدراسات والترجمة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...