اسامة يونس يفتح النار على الجميع (1-2)

21-05-2006

اسامة يونس يفتح النار على الجميع (1-2)

لست ممن يؤرقهم ما يسمى في سوريا وشقيقاتها وما شابه هذه الدول.. (ومن شابه أباه... تعرفون: ظلم) بالتطاول على المهنة، لأسباب منها أنْ ليست الصحافة فقط ما يرتكب بحقها كل هذه الفظائع... بالأمس... ذهبت إلى طبيب آخر كي يعالجني مما يشبه الحروق.. التي سببتها لي وصفة لطبيب... مازال يصر أنني أنا المخطئ! و"ما مشكلة... بتروح... بدها صبر"
وأذكر أن أحد أصحاب المهن الذين ساهموا في بناء ما كنت أعتقد أنه بيت، أشبعني حديثاً عن المتطاولين على مهنته (التي هي أيضاً: مهنة من لا مهنة له)، وحين أنهى ما صنعت يداه... وصرت بحاجة إلى من "يرقّع" خلفه... اكتشفت أني كنت ـ تقريباً ـ أول زبون لذلك الرجل...
هنا، في هذا النوع من الكتابة الذي لم يستهوني يوماً... أتمنى ألا أكرر أمام القارئ ما فعله ذاك بكتفي وذاك ببيتي...


****


أبدأ من مثال قريب جداً، وأجد إحراجاً أقل في هذا المثال لأن كاتبيه لا يعرفاني ولا أعرفهما....
منذ أيام نشر موقع سيريا نيوز "شغلة" لا أدري ضمن أي نوع إعلامي يصنفونها، بعنوان: " بيت للأشباح في وسط دمشق ؟!!" بنية المادة: فلان قال وفلان قال... وفي السطر الأخير، الأخير تماماً يرد عن قريبة لأصحاب البيت: "أنها حركة من أحد المسؤولين لكي يشوهوا سمعة البيت فيجبرنا على بيعه له وبسعر زهيد". تنتهي المادة هكذا... ودون أن تقدم أي شيء... سوى أننا عرفنا أن هناك بيتاً في واحد من الأحياء الراقية (يعني سعره بالملايين) وهذا البيت "يُقال" إنه مسكون بالعفاريت!
هل هناك "عفرتة" أكثر من الترويج للعفاريت في بلد يحمل فيه العفاريت جوازات سفر ديبلوماسية؟! سؤال لرئيس التحرير...
لا يوجد سياسة إعلامية واضحة لدى الموقع، وغيره من وسائل إعلامية في بلدنا... (سوى السياسة التي تتعلق بالجانب السياسي فقط، وطبعاً ضمن الحدود والتوجهات التي يقررها المالك أو الممول ـ وفي سوريا مازال الممول ليس المعلن غالباً ـ أو الذين ينتعلون نظارات شمسية في الغرف المظلمة).


****


ولأنه ومنذ اختراع الكتابة... وجدت رغبة عند البشر كي يكتبوا، فلا أعتقد أن المشكلة عند من يكتب.. بل في المناخ العام الذي ينتقي تلك المادة للنشر، ويحذف تلك... مناخ يتجسد ـ على السطح ـ في شخص رئيس التحرير:

 لو أن أحد رؤساء التحرير، سواء في ما يسمى بالإعلام  المستقل، أو في الإعلام الرسمي، اضطر أن يجيب على السؤال البسيط التالي: "ما هي طبيعة عملك؟"
ما الذي سيقوله؟ (طبعاً إن كان المحاور من أهل الدار وليس صحفياً سياحياً...) أعتقد أن الإجابة ستكون:
رئيس التحرير:
في القطاع العام: هو الذي يقرر منع المواد، (أكثر مما يتولى إجازة نشرها، فالأخيرة هي "مهمات" مدير التحرير!) هو أيضاً الذي تخصصه "الدولة" بسيارات مرسيدس "نملة على شرط"... هو الذي يتم اختياره بعناية لا تقل عن مثيلتها في اختيار الوزراء...
وهو أخيراً الذي يكتب أي شيء... أي شيء تماماً لينشر على الصفحة الأولى... إلا إذا كان من الحجم الكبير والمتوسط فيحال إلى الداخل.. بعد تنويه في الصدارة:
مرة ذهب محمد خير الوادي المدير العام لصحيفة تشرين سابقاً وسفيرنا راهناً في الصين، إلى الصين وعاد بحلقتين سياحيتين... كان يمكن اختصارهما بجملة واحدة: إقرؤوا كتاب كذا...
وليعذرني رئيس تحرير الثورة.. إن همست له أن أغلب ما يرتكبه على الصفحة الأولى، لا يصلح للنشر على الأقل في ذلك الموقع، وبالمقابل أشد على يديه، لأن المسؤولين السوريين ـ الذين يحرص عبد الفتاح العوض على مخاطبتهم دوماً وهم الجمهور المفترض لأغلب ما يكتب ـ يستمتعون بهذا النوع من الخطاب: إحدى الافتتاحيات تبدأ بالعبارة "الاكتشاف": "قيمة أي خطة تكمن في القدرة على تنفيذها" كما أنهم ينتشون بعبارة أخرى، جاءت في "افتتاحية، واسمها كذلك فقط لأن رئيس التحرير هو الذي يكتب" وكانت المناسبة تسريح عاملين "لأسباب تمس النزاهة" طالب العوض حكومة العطري: "بتنظيف اداراتها العامة من الفاسدين" يعني: "المشكلة بالناس... وليس بالحكومة النظيفة... الناس يا أخي هم الفاسدون!"
أما في القطاع "الخاص".. فرئيس التحرير هو الشخص الذي يتصل بالصحفيين ويقول: "بدنا مادة" بعد أن يكون اتصل ببعضهم كي يشاركوه مشروعه...وفي التفاصيل يقول: "والله شوف هامش البلد إنت بتعرفو... فاتكل على الله..."
هذه المهمة يقوم بها رئيس التحرير "الخاص" في العدد الأول أو الثاني فقط... ثم لا يلبث الكتـَّاب... بتحديد السمت... وتهل المقالات... هنا يعود رئيس التحرير... ليمارس ما سبق أن تعلمه في مدارس الإعلام الحكومي... يمنع ويحذف، بل الأكثر "خطورة" هو أنه يصدق فعلاً أنه رئيس تحرير.. ويبدأ بتفنيد كتابات لأشخاص أرفع منه قدراً...
رئيس التحرير هذا ـ كذاك ـ يختاره القدر لهذه المهمة النبيلة عندما ـ وليس مصادفة أبداً ـ  يقع في غرام كتاباته أحد المسؤولين، أو أبنائهم، ولا أقصد الوزراء طبعاً.
في الحالتين، يبدو الاختيار قريباً إلى الطريقة التي يلعب فيها الصغار لعبة "الدكتور": أياً كان يمثل دور الطبيب.. والآخر: المريض... طريقة تشبه القرعة... لكن اللعبة لا تتم دونها... مبنية على أي شيء إلا أن يكون المنطق أوالموهبة، وكما يسمح المناخ العام لكل من يستطيع الكتابة أن يكون صحفياً كذلك يسمح لمن أصبح صحفياً أن يتولى رئاسة التحرير: منصب لا يتطلب أي شيء... لا يتطلب القدرة على تحديد هوية، أو وضع استراتيجية.. أو خطط إعلامية مرحلية.. أو حتى خبرة لا تقل عن عشر سنوات (كما يشير قانون المطبوعات على الأقل) فقط المطلوب أن تكتب في الصحيفة التي ترأس تحريرها... كغيرك ممن يكتبون... لكن أنت الوحيد الذي يستطيع التوقيع بطريقة تركي صقر: رئيس التحرير... بالسطر المائل.
أما إذا سمحت لك مصادفة مشابهة أن تكون رئيساً لتحرير موقع إلكتروني.. فليس أسهل من مهمتك... حتى المادة التي يجب أن تكتبها تصبح معفياً منها... تنسخ ما ينشر وتجمعه على الموقع.... وتنتظر إعلانات آل منتوف  ومسقوف
المفارقة الطريفة أن بعض الصحفيين يبدؤون حياتهم الصحفية: رؤساء تحرير... هكذا ومرة واحدة...


***


لكل وسيلة إعلام في العالم طريقتها الخاصة في توزيع المهام... ولكن القاعدة يجب أن تنطلق من أن المهمة ـ أو المنصب ـ تفصل على قياس الضرورات المهنية، وليس فقط بهدف وضع هيكل إداري:
أحياناً تجري الأمور بالطريقة الآتية:
في مجلة تشرين الأسبوعي (وكان خبر أن توقفها لم يستدع كتابة أي خبر... هو الخبر) كان هناك منصب مدير تحرير... وأمين تحرير... الفارق: "أمين التحرير ما بيطلعلو سيارة لأن النظام الداخلي يمنحها فقط لمن يحمل لقب مدير"
المجلة في اعتقادي.. تقدم نموذجاً لطريقة فهم الإعلام في القطاعين الخاص والعام:
انطلقت المجلة... هكذا... دون أي هدف أو سياسات تميزها... وكانت المسألة التي تعني الجميع: من سيستلم المناصب فيها...
انطلقت... بقرار من فوق... وتوقفت بسرعة عجيبة وبالطريقة ذاتها: بقرار من فوق.
وكان محمد سلمان ـ الذي لم يعد لكتاباته أي صدى، ولم يعد ما يكتبه ينشر على الصفحة الأولى ـ هو وزير الإعلام الذي لم يرغب بسماع أي ملاحظة... كان يريد المجلة... وانتهى.
قبل توقفها كان عدد المسؤولين فيها يزيد عن عدد الصحفيين.. ويذكر رئيس دائرة المحليات بعد فترة على إنطلاق المجلة أنه كان يترأس دائرة لا يوجد فيها سواي!! وكانت الصفحات الست تُملأ دوماً بمادة ما... من هنا أو هناك.

 

****


ليعذرني الصديق إياد شربجي، فمن سوء حظي فعلاً أنني الآن تماماً وعند هذه النقطة من "مادتي" هذه، استدعيت القناة السورية من غياهب الفضاء، كي تلهمني أثناء الكتابة، تماماً كما تلهمني الفضائية الليبية، وكانت المصادفة أن أتابع حواراً مع: "رئيس تحرير مجلة شبابلك" وبكل الحب: (لماذا يا أخي اخترت هذا التوقيت بالذات كي تطل على الشاشة... وتحرجني)
لا أدري لماذا بدا شربجي مرتبكاً، لكن ما لفتني أنه كان يتحدث عن "جمهوره" المفترض، والمحدد بالفئة العمرية (من 25ـ35سنة) ثم ـ يقول ـ تلقت شبابلك رسائل من "شباب" أصغر عمراً "فنزلت" المجلة أعمار المستهدفين إلى (15 سنة!)، وبما أن أغلب محرري المجلة من الهواة، وصغار السن (أكبرهم شربجي كما قال) فأتمنى ألا تضطر المجلة أن "تنزل" مجدداً في الحد الأدنى لعمر الفئة المستهدفة!! وبالمناسبة: "مو مشكلة... يلا... كلو عم يجرب.."


***


كثير من الداخلين "سوق" الإعلام، ككثير من المخضرمين فيه، يرتكبون في الغالب فظائع بين حدي الصحافة: فإما أن يجلسوا إلى طاولة ما، ليسطروا آراءهم، ولهم آراء في كل شيء، أو يذهبوا إلى الميدان، لتأتي مادة على شكل: أما فلان فقال، بينما فلان فقال...
والطريف أن الكل تقريباً يتحدث عن "هامش الحرية"، رغم أن كثيرين ليس لديهم أي شيء.. ليقولونه لو أتيحت لهم هذه الحرية لا سمح الله... اللهم سوى أن يشتموا... كما يفعل الآن مدراء "شام" و "سوريا" نيوزبرس اللذين يمارسان حرية بلا حدود، في شتم أصحاب الرأي السوريين. 
كان ذلك الشاب.. يلح في السؤال عني، "خير؟" قال: والله أنا حابب تكتبلنا تحقيقات.. (هيك.. بالجملة!)... ومين أنتو؟ وعلمت منه أنه أصبح فجأة "مراسلاً" لصحيفة عربية... دون أي مقدمات... وإمكانات.. (وظيفة المراسل هي غالباً تتم أيضاً من فوق، والصحافة العربية... الشقيقة ليست دوماً معنية بمن؟ وكيف؟ بل: بماذا؟ وكم؟)
وضع ذلك الشاب أمامي الشرط التالي، وقبل أن يعرف إن كنت أوافق أم لا:  "بس يعني إنت بتعرف... ما بدنا كتابات ضد الدولة"
حتى ذلك التاريخ كنت كتبت عدداً من التحقيقات التي يلزمه عشر سنوات على الأقل حتى يكتبها.... ورغم ذلك اعتقد الرجل أن "منصبه" الجديد جعله صحفياً فعلاً.. له آراء في الدولة.. والمجتمع.. حتى إن لم يكن يعرف الفرق بين حكومة الزعبي... والدولة السورية.
هل من المهم أن أذكر أنني قلت له: أنا يا صديقي لا أكتب ضد الدولة.. بل إذا كنت مصمماً، وبما يتيحه المكان والزمان: "ضد الحكومة..." (على رأي صاحب النهضة المسرحية السورية... الذي يجمعه بتشومسكي أن الاثنان درسا شيئاً ثم تحولا عنه إلى شيء آخر... تماماً... وحققا الشهرة ذاتها .. وكلاهما ينتقدان حكومة بلديهما... مع بعض الفوارق: فالحكومة الأمريكية لا تصفق لتشومسكي كما فعل ميرو (على سبيل المثال لا الحصر) وهو يتابع الحوت.)
جملة معترضة لكنها في السياق... كما أعتقد.


****

كانت ضرورات استمرار "ثورة" الثامن من أذار... أن تتعطل لغة الكلام... وكانت واحدة من أولى مهمات "الثورة" هي إسكات الجميع، وليست مصادفة أن يصدر البلاغ العسكري رقم 4 في اليوم ذاته الذي تحتفل به الصحافة حتى الآن، بوصفه يوم الكادحين، وبعد ساعات على انتصار "الثورة" صدر البلاغ، قبل أن يشذَّب على شكل مرسوم...بعد ستة أيام فقط... ويمنع جميع الصحف مستثنياً اثنتين فقط.
هذا الانقطاع المهني (والسياسي طبعاً) حرم البلاد من فرصة النمو الطبيعي، والآن أرى أن ما يسمى بالصحافة المستقلة تعود ـ مهنياً ـ إلى نقطة الصفر... بعد غيبوبة طويلة... والمفارقة أن من يتولى إيقاظها اليوم هي السلطة ذاتها التي وفرت لها نوماً هانئاً منذ "الثورة".


                                                                
أسامة يونس:صحفي سوري طفش الى الإمارت بسبب الشفافية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...