إسرائيل ترتهن غزة من أجل جنديها المخطوف

27-06-2006

إسرائيل ترتهن غزة من أجل جنديها المخطوف

أغلق رئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت، أمس، الباب أمام أي مفاوضات لتبادل الأسرى معلنا أن اسرائيل لا تقبل التحول إلى <موضوع للابتزاز> وأنها ستطال كل من لهم دور في العمليات ضدها اينما كانوا. ويبدو أنه في الوقت الذي تثمر فيه الوساطة المصرية والجهود التي تبذلها الرئاسة والحكومة الفلسطينيتان في الحصول على معلومات حول الجندي المخطوف، تتعاظم الأصوات في إسرائيل القائلة بوجوب تنفيذ عملية عسكرية واسعة في القطاع، قالت تقارير اسرائيلية إنها صارت حتمية وهي قد تبدأ اليوم.
وفي خطاب ألقاه أمس أمام مؤتمر الوكالة اليهودية في القدس المحتلة، شدد اولمرت على أن تبادل أسرى مع الفلسطينيين ليس موضوع بحث وأن الوقت ينفد. وقال إن إسرائيل ترى في <السلطة الفلسطينية برئاسة أبو مازن وحكومة السلطة، الجهتين المسؤولتين عن العملية الإرهابية التي وقعت أمس (الاول)، وعن اختطاف الجندي الإسرائيلي، وعليهما واجب إعادته سالما ومعافى إلى إسرائيل. فهذا ليس موضوعا للتفاوض، أو للتطور أو للمساومة>.
وكرر أولمرت تهديداته بملاحقة كل من له دور في الإرهاب ضد إسرائيل في أي مكان. وقال إن <الاستفزازات العنيفة والشديدة هذه التي وقعت أمس (الأول) صباحا تلزمنا بالرد. وأنا أعلن أننا سوف نرد، سوف نرد ضد كل إرهابي وضد كل منظمة إرهابية في كل مكان يتواجدون فيه. إنهم يعرفون أننا قادرون على الوصول إليهم حتى عندما يبدو لهم أنهم محصنون>.
وشدد على أن الوقت يتضاءل وأن إسرائيل لن تسمح لنفسها بالتحول إلى موضوع للابتزاز. وأعلن أن قطاع غزة <من الآن مغلق بشكل تام برا وبحرا، وأن هذه خطوة أولى من جملة خطوات>. وسربت انباء عن أن طائرات من دون طيار تجوب فوق ما كان يعرف ب<محور فيلادلفي> بهدف إطلاق النار على كل من يحاول تجاوز الحدود.
غير ان ذلك لم يمنع المقاومة من ان تطلق أربعة صواريخ من القطاع على إسرائيل أسفرت عن إصابة أربعة أشخاص بجروح طفيفة في سديروت
حيث سقط صاروخان تسببا بانقطاع جزئي للتيار الكهربائي.
ويشكل خطاب أولمرت ليس فقط رفضا لإعلان فصائل المقاومة الثلاثة التي اشترطت لتقديم أي معلومات عن الجندي الأسير ان يلتزم الاحتلال
<بالافراج الفوري عن كافة الاسيرات والاطفال دون سن ال18 في السجون>، وإنما يمثل تهديدا مباشرا لقيادة حماس في الداخل والخارج. وشدد عدد من المعلقين الإسرائيليين على أن الخطاب انطوى على أشد تهديد لرئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل المقيم في سوريا والذي تتهمه إسرائيل بالوقوف وراء العملية.
وقال معلق القناة الثانية في التلفزيون الاسرائيلي ان قول اولمرت <سنتحرك ضد اي ارهابي او منظمة ارهابية اينما وجدت. انهم يعرفون جيدا اننا نستطيع الوصول اليهم حتى في الاماكن البعيدة التي يختبئون فيها ظنا انهم في مأمن. سنعرف كيف نضربهم>، كان يستهدف مشعل مباشرة.
ومن الملاحظ أن المواقف الإسرائيلية لا تنطلق فقط من اعتبارات عملانية وإنما من رغبة في تجنب تحمل المسؤولية عن الإخفاق من جهة، ومحاولة استرداد القدرة الردعية من جهة أخرى.
وأشارت آخر الأنباء إلى نجاح المساعي المصرية في الحصول على معلومات بشأن حالة الجندي المخطوف. وقال المراسل السياسي للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي إن الرئيس محمود عباس (ابو مازن) أبلغ إسرائيل بمعلومات عن حالة الجندي، وإنه مصاب بشكل متوسط في كتفه ويده اليسرى، وإنه تلقى العلاج المناسب. وأضاف أن أبو مازن طلب من إسرائيل منح جهوده يوما آخر للإفراج عن الجندي.
وقال مسؤول فلسطيني ان أبو مازن ورئيس الوزراء اسماعيل هنية بحثا، في غزة امس، <ما وصلت اليه جهود الحكومة في ما يتعلق بحل مشكلة خطف الجندي الاسرائيلي لإنهاء الأزمة وتجنيب قطاع غزة هجوما عسكريا اسرائيليا كارثيا>، موضحا ان هذا اللقاء <هو جزء من سلسلة الاتصالات واللقاءات التي يجريها الرئيس بهدف احتواء الموقف وانهاء الازمة>.
وعلمت <السفير> أن قيادة حماس في غزة بذلت جهودا كبيرة من أجل إيجاد حل، وأن هذه الجهود قادت في لحظة ما إلى خلافات بين كتائب عز الدين القسام الذراع العسكري لحماس والجيش الإسلامي، سرعان ما تم حلها ونشرت الفصائل الثلاثة إعلانها حول شروط الحصول على معلومات حول حالة الجندي.
وفيما سعى رئيس الأركان الإسرائيلي الجنرال دان حلوتس إلى إخفاء فشله بزج أكثر من لواءي مدرعات إلى منطقة جنوبي قطاع غزة وإلى الإعلان عن تشكيل لجنة تحقيق برئاسة الجنرال غيورا آيلاند، الذي ترأس قبل أسابيع قليلة مجلس الأمن القومي، فإنه اختاره لرئاسة اللجنة للدلالة على جدية التحقيق. ويعكس تشكيل اللجنة الخشية التي تراكمت في عدد من الدوائر الإسرائيلية من العواقب التي ستنجم عن إخفاق الجيش الإسرائيلي في عملية <كيرم شالوم>. وبين الأسئلة التي ستبحث اللجنة عن إجابات حولها: هل كان الجيش مستعدا لاحتمالات اختطاف جندي؟ وهل حصل الجنود في الموقع على إنذارات حول احتمال الاختطاف واحتمالات وجود أنفاق؟ ولماذا لم تصل إلى الموقع قوات إسناد بسرعة تكفي لمنع وصول الجندي مع خاطفيه إلى مكان مجهول؟ ومن المسؤول عن هذا الفشل؟
وأرسل الجيش أمس خبراء لفحص الدبابة والمدرعة اللتين فجرتا بقذائف آر بي جي وكذلك سبب عدم اكتشاف الأجهزة الالكترونية لعملية حفر النفق تحت الموقع. غير أن التركيز تم على الأسباب التي حالت دون استفادة الجيش من الإنذار المحدد الذي قدمه الشاباك حول عملية ترمي لاختطاف جنود من موقع <كيرم شالوم>. ومن الآن يجري الحديث عن وجود خلل مؤسساتي أدى إلى عدم قيام الجيش بنشر قوات وبالاستعداد لمواجهة عملية من هذا النوع. وثمة في إسرائيل من يعتقد أن واحدا من الآثار المحتملة للتحقيق في عملية كيرم شالوم هو سقوط رؤوس كبيرة في الجيش ليس من المستبعد أن يكون بينها قائد الجبهة الجنوبية الجنرال يوآف غالانت الذي استبق أمس نتائج التحقيق بإعلانه <لقد فوجئنا. لقد فشلنا>.
ويستخدم المعلقون العسكريون تعابير كثيرة في وصف العملية البطولية في كيرم شالوم، ليس أقلها الجرأة وحسن التخطيط ومقدار العزم. ولكن بين أبرز التعابير عبارة <العملية التي أذهلت الجيش الإسرائيلي> وهي العملية التي طرحت العديد من الأسئلة. وبحسب حنان غرينبرغ في موقع <يديعوت أحرونوت> الالكتروني فإن عملية كيرم شالوم <وخصوصا نتائجها الخطيرة، هي السيناريو الأسوأ الذي كان بوسع الجيش الإسرائيلي توقعه>. وأشار على وجه الخصوص إلى مقدار التفاخر الذي أبداه الجيش الإسرائيلي بعد الانسحاب من غزة بالإجراءات التي اتخذها على طول الحدود لمنع تسلل الفلسطينيين.
تجدر الإشارة إلى أن إحدى أهم النتائج السياسية لعملية <كيرم شالوم> تتمثل في أنها أعطت أقوى إشارة إلى ابتعاد احتمالات تنفيذ خطة الانطواء. وبرغم أن 70 في المئة من الإسرائيليين عارضوا، وفق استطلاعات الرأي، خطة الانطواء قبل عملية كيرم شالوم، فإن هذه النسبة سوف تتصاعد. والأهم أن أحداث غزة الأخيرة هدمت الأسس التي استند إليها منطق الانفصال من طرف واحد. فلم تنشأ مصلحة للفلسطينيين من انسحاب إسرائيل بهذا الشكل من غزة. وليس من المتوقع أن تنشأ مصلحة كهذه من خطة الانطواء في الضفة الغربية، خاصة أن الخطوات من طرف واحد استندت في الحالتين إلى فكرة غياب الشريك.
ولخص المراسل السياسي لصحيفة <هآرتس> ألوف بن هذا الوضع فكتب أن <النتيجة السياسية لهجوم حماس على إسرائيل أمس (الاول) في كيرم شالوم هي أن خطة الانطواء لرئيس الوزراء إيهود أولمرت نزلت حاليا عن جدول الأعمال. فصواريخ القسام، والهجوم على الموقع العسكري واختطاف الجندي جلعاد شليت، نجحت في إسقاط الانسحاب الأحادي الذي خطط له أولمرت في الضفة. ثلاثة أسباب أدت إلى انهيار فكرة أولمرت. أولا، الحكومة والجيش الإسرائيلي لم يتمكنا من بلورة رد أمني مقنع على الهجمات المتواصلة على إسرائيل من قطاع غزة. في هذه الظروف، لا يمكن إقناع الجمهور بوجود مجال للانسحاب من الضفة أيضا، وتقريب قوات حماس إلى المراكز السكانية الإسرائيلية>.
في واشنطن، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الاميركية شون ماكورماك ان وزيرة الخارجية كوندليسا رايس اجرت آخر الاسبوع الماضي اتصالين هاتفيين بكل من أبو مازن ونظيرتها الاسرائيلية تسيبي لينفي. اضاف <اننا ندعو الى اطلاق سراح (الجندي الاسرائيلي المخطوف) فورا>، مضيفا <تقع على السلطة الفلسطينية مسؤولية وقف كل اعمال العنف>. وتابع <ونحث جميع الافرقاء على ابداء ضبط النفس وتجنب اتخاذ خطوات تصعد الوضع اكثر>.

 

حلمي موسى

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...