«علاء الدين» بطل لا ينتمي إلى ماضيه

18-10-2010

«علاء الدين» بطل لا ينتمي إلى ماضيه

 «علاء الدين» بطل لا ينتمي إلى ماضيهمنذ رواج حكاية علاء الدين ومصباحه السحري عالمياً في الترجمة الفرنسية الأولى للمُنجَز الأدبي العربي «ألف ليلة وليلة» (أنطوان غالان بين عامي 1704 و1717)، مُروراً بفيلم أنجزتْه «والت ديزني» في التسعينات، وحتى اليوم، تبدّلت أحوال الشخصية أكثر من مرة، لتصل إلى دمشق (مسرح الحمراء) في نسخةٍ مسرحيةٍ تجاوزت حدود الفانتازيا والأعاجيب، إلى التغريب، بحسب حلول إخراجية تجريبية لأسامة حلال، ونصّ لكفاح الخوص.علاء الدين في صورته الحديثهِ
المعالجة الميلودرامية لمسرحية «علاء الدين» تتوازى مع لحظة الصفر قبل دخول الجمهور إلى المسرح وجملة «عرضٌ ليس للصغار»، لأن تلوين الشخصية الذي بدا كرتونياً أثّر في صيغتها الجادة، وتنتهي بأن البطل يستبدل بالجنية ذات رائحة الفم الكريهة، الأميرة الجميلة، فالجنية «بسمات» عصرية ورومنطيقية.
أسَّس حلال «كون» عام 2001، على مبدأ استضافة ممثلين غير أساسيين، مكتفياً بعضوية الخوص ومساعد المخرج إياس عويشق مع بعض التقنيين الآخرين، وحاز مع «كون» في مهرجان القاهرة الدولي للمسرح التجريبي (2009) جائزةَ أفضل إخراج عن مسرحية «دون كيشوت». وطوّر المخرج تجربته وفرقته «كون» في ضوء ورشات عملٍ أقامَها المجلس الثقافيّ البريطانـيّ، فـــي دمشق، أخرج على إثْرها مسرحية البدايات «جثّة على الرصيف» للمسرحي السوري الراحل سعد الله ونوس (1941- 1997)، وعرضها على طريقة مسرح الشارع مرتين: في نفق عام للمشاة (دمشق عام 2006)، وفي قرية ونوس «حصين البحر» أثناء أول احتفالٍ رسميّ بذكراه أقامتْه احتفالية دمشق عاصمة للثقافة العربية 2008، وأضفى على حركة مسرح الشارع السورية الضئيلة، عرضَيه «ع طريقك»، و «فقاعة».
«حكاية علاء الدين» جاءتْ معاصرةً، تضع طلاء تقبيحيّاً حادّاً على الشخصية شبه الأسطورية، من خلال لصق صفات بشرية واقعية من هذا الزمن، على علاء الدين ومن معه من شخصيات حكائية، حتى الملل. يتبع ذلك تجميلٌ إلى درجة الإسفاف يطرأ على المشاعر الراهنة حول البطولة، بدفعها دفعاً، إلى أناس عاديين. فريبيرتوار شخصية علاء الدين يَتنقّل خلال تمرين جماعي لممثلين يقومون بالبروفات وتوزيع الأدوار. تتحرك أجسادهم على الخشبة بتلكُّؤ، ثم بسرعة، وفي كل مرة يُرشَق دور علاء الدين على وجه أحد الممثلين وجسده. لكنّ تبادُلَ البطولة لم يأت في نص الخوص محموداً، فالشخصية مُضجِرة بطبيعتها الخارقة، لذا فالسأم يحلّ على وجه كل من يقوم بتجسيدها، وكأنها لعنة، والمصباح خراب، لا يسكنه مارد الأمنيات، ضمن حوار ديناميكي للشخصيات المتسرّعة واللامبالية.

الفضاء السينوغرافيّ عارٍ، خالٍ من قطع الديكور، مع حضور بصريّ وصوتيّ لفرقة موسيقية تحتل زاوية الخشبة السوداء (ترومبيت، تشيللو، بزق، إيقاع)، ويُشبِعُها بطقس الغنائية الدرامية، كلما خطا ممثلٌ أو فكّر بنُطق جملة أو نكتة. ليس هناك أي حِسّ فرديّ على المسرح في هذا العرض، فالأصوات والحركات والأغنيات جماعية، وضربات الإيقاع تثبُ فوق الكلام وصولاً إلى الغناء «المارشي» العسكريّ، وكالعادة إضاءة خافتة، لتضخيم حضور الجسد والحركة.
«توضيب» للأحداث الروتينية دَعَمها حلال برؤية إخراجية مُستمَّدة من فكر المؤلّف والمخرج المسرحي البريطاني بيتر بروك، في اختزاله ودِقّته وتقشُّفه، وتركيزه على الكلام الإنسانيّ البسيط، إلى حد لحاق بروك بتقسيمات الفضاء، واستحضاره كمساعد على تمجيد فحوى العرض، وتركيز على آلية تواجد الممثلين على الخشبة وحركتهم اللولبية الاستعراضية.
تبدأ المسرحية بعد مشهدَين، (تغرق اللحظات الأولى بالدبكات والحماسة لجذب الجمهور رغماً عنه)، علاء الدين وحربه لإنقاذ ابنة شهبندر التجار (كما في تأليف الخوص)، هي مواجهة غير شرطية لقُطَّاع طُرقٍ هزيلين يستعرضون قوى دون كيشوتية تزول سريعاً بشجاعة صديق علاء الدين، أما هو فجشعٌ جبانٌ مُحبٌّ للمال، تسحره الوقفة أمام الكنز.
لا يستطيع الخوف أن يتسلل إلى شخصيات القرن الحادي والعشرين، فالخداع حاضر. حتى التنين (أيمن عبدالسلام) في مشهد تالٍ يقع في فخّ الوحشة حين يستنجده علاء الدين (حسام الشاه) طالباً الرحمةَ ومتذكّراً أمه، فالتنين يتخلى عن الشراسة إلى البلاهة سريعاً، ليُغيِّر عبد السلام قناع وجهه التمثيليّ بتلخيص معنى السذاجة، بحرفية عالية، فهو يقتنع بأن علاء الدين يُحبّه، وقادم للاحتفال بعيده لكونه سينقرض، غير أن دجل البطل- الواقعي ينتهي برصاصة تأتي التنينَ من ظهره، فلا مرجعية سيكولوجية تُفسِّر تصرّفات البشر اليوم. هذا ما أرادت حكاية «علاء الدين» تعريته.
على لوح خشبيّ بدواليب يتنقّل الممثلون (جهاد عبدو، رنا شميس، عاصم حواط، عدنان أبو الشامات..) كرمزٍ لتبدُّل الخامات البشرية والأحوال، مُتنقّلين بسرعة العصر بين الأزمنة والأمكنة، كنوع من إعادة اختراع لوجود علاء الدين بين البشر العاديين اليوم. ويقع الممثلون في فخ النمطية والإيحاء المباشر أحياناً، لاحقين بالتغريب في قَصِّ الحكاية وسردِها على لسان الراوي، وصخب الموسيقى. وتتفرّد شميس بأداء يتحدّى ملامح الجسد الأنثوي، مائلةً إلى كفّة الرجولة في أدائها، بلا تردُّد، أو تشتُّت حركي، مرسّخة حضورَها الجادّ السابق في عرض «عربة اسمها الرغبة» لغسان مسعود.
تسعة مشاهد من الهزل مدةَ 70 دقيقة، كان عليها أن تعيد توحيد البنية الدرامية، والشكل، بعد أن كان لباس الممثلين في العروض السابقة للعرض المسرحي فضفاضاً كما في «ليالي شهرزاد». أدار حلال الممثلين بروية أكبر هذه المرة. يدخلون ويخرجون بضجة ولكنْ لمصلحة السينوغرافيا ونسيان الزمن الحقيقي. لعبة على المسرح، هذه الغاية اعتادها حلال، ممثلاً أيضاً، في دورَين له عام 2007، أحدهما مع المخرج السوري فايز قزق في مسرحيته «وعكة عابرة»، وآخر في «طقوس الإشارات والتحوّلات» للمخرج الفرنسي - السوري وسام عربش.
تتمرّد «حكاية علاء الدين» على القصّ الطفولي، أو التخيُّل السائد، لكنها تُسقِطُ من حساباتها اللغة الطبيعية، ويطغى عليها لحن موسيقيّ صاخبٍ يغطي صوت الممثّل، والنتيجة غياب العُمق وبقاء الضجة.

رنا زيد

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...