«بطريق» فجر يعقوب يمشي واثق الخطوة

24-08-2006

«بطريق» فجر يعقوب يمشي واثق الخطوة

يقدم لنا المخرج والناقد السينمائي فجر يعقوب فيلمه الروائي القصير ( البطريق) بلغة شاعرية تهتم بأدق التفاصيل وسيرتها في شهوة الصورة المعطاة، وتبدو حرارة اللغة اشد احتداماً في صياغة الحدث من الصورة نفسها احياناً «فالاب يستعيد سيرة نهاره العاطفي من فتحة سماوية في ظهر البيت المطلي بالازرق بنوع من القسوة الظاهرية اذ يرف رضاه عالياً، ويعلن (واثق الخطوة) بصوت فيه شهوة وجنس وكذب...»
 كما ان الزوج-  يقوم بدوره هنا الفنان بسام كوسا- ( المتذرع بكسل البطريق ووحشة الهامه لا يبدو أنه يشيل نفسه في فناء هذا البيت ) بينما تبدو نادين سلامة على الضفة الأخرى تملك «حيلة الممثلة عندما يدور الاناء بخفةٍ بين يديها، ويختفي ولا يسقط على الارض، ويمتص صاحبته ولا يتحطم ، ولا يتناثر، فيما السمكة البرتقالية الوحيدة تعبر (نهراً خالداً) من الاشواق وتغير من قواعد الغناء عند أم كلثوم ».
 ولنقرأ ايضاً في مفكرة الفيلم ( في هبوب الشخصية نفسها اعادة كتابة، أو انهيار عصبي، أوتوقف عن الغناء، وفي اللحظة التي يضيع فيها الصوت تنكسر الصورة من حول البطريق...».
 فها هنا بالضبط نستطيع الامساك بشغف شاعر في السينما، وهي محاولة لمعادل بصري يجرد الوقائع من احتشاداتها، ليحيلها الى اللحظات الجوانية الهاربة للشخصيات المقدمة.
 ولأن الشعر عصيّ على الكسر يكابد انشغالاته في تشكل آخر ، ربما يتعب المشاهد في التقاطه داخل ايقاع مضمر للزمن، اذ الحالات هي بالضبط تحدد قيمة المعنى في فيضانه داخل تتابع المشاهد فمن فيلم التخرج في بلغاريا وسطوة الطبيعة الخلابة على مزايا الشريط القصير وصولاً لمتابعة دقائق الجرح الفلسطيني بتجلياته مع المحيط وتحوله (لمتاهة) لم تغادره في بيروت، مروراً بلمسة عاجلة على فضاءات (سعد الله ونوس) في (ديما) وصل فجر يعقوب لفيلم البطريق، ليتحدث هذه المرة عن نسيج اجتماعي متنافر تخوض فيه (الزوجة) نادين - تجربة ألم مر، تحاول فيه الروح استرجاع المسروق من هيمنة (البطريق ) وثقافته الاستهلاكية وانموذج الزوج الثقيل الوطء على حواسها ومداركها، وربما على دقائق يومياتها، في حين يعيد صوت أم كلثوم (النبع الى اسراره الاولى)
 إن صحت العبارة، ألا وهو التوق البشري للانعتاق، وهذا التوق لا يستقيم مع الزوج (جزار الاسماك)، وقسوة الساعات ومرارة ذاكرتها... «فالبطريق» رغم قصر مدة العرض يترك حقل دلالات واسع في اسئلة تتوالد من نبش الجراحات المكتومة وتظل مهارة الشعر تحاور تجسيد واقع لا يحتمل الجمال، ولا يحتمل تلك المهارة ايضاً...
 فيلم فجر يعقوب الذي شارك في الدورة الاخيرة لمهرجان دمشق السينمائي يراكم ارهاصات التطلع الى فيلم روائي طويل لن ننتظره كثيراً -كما أظن - وسيظل المخرج القادم من ساحة الشعر يفتش في كتابته قبل شرائطه عن متعة حب الفردوس المفقود والمرأة الحلم، واللحظة التي لاتقال بقدر ما تتأطر داخل صورة.

المصدر: البعث

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...