«أحرار الشام» بندقية للإيجار

27-09-2014

«أحرار الشام» بندقية للإيجار

تحولت حركة «أحرار الشام الإسلامية» إلى مرتع خصب، يسرح ويمرح فيه عملاء أجهزة استخبارات عدد من دول المنطقة والعالم، وتتجذّر وتنمو في ثناياه خلايا «جهادية» متعددة الولاءات، لا همّ لها سوى تنفيذ التعليمات والأوامر أيّاً تكن.
وبرغم التغاضي عن كثير من الحقائق المريبة التي لازمت تأسيس وتطور الحركة، وعلاقتها مع بعض الجهات الداخلية والخارجية، إلا أن ما بدأ يتكشف تباعاً، عن علاقة قياديين ومقربين من الحركة ببعض عمليات الاغتيال التي طالت، خلال الفترة الماضية، عدداً من قيادات التنظيمات «الجهادية»، بما فيها الحركة نفسها، أخذ يفرض نفسه بقوة، مثيراً الكثير من التساؤلات بخصوص بعض عمليات الاغتيال التي كان لها تأثير مفصلي في تطور الأحداث بين الفصائل مع بعضها البعض.
وقد تكون الإجابة عن هذه التساؤلات أحد العوامل الحاسمة التي يتحدد بناءً عليها مسار التحقيقات في حادثة اغتيال قادة «أحرار الشام» قبل أسبوعين. كما قد يتوقف عليها مصير الحركة ككل، خصوصاً في ظل ما تعانيه من ضعف وتشرذم وغياب القيادة المركزية.
وكان لافتاً ما أعلنه أمس الأول «المكتب الأمني في أحرار الشام» عن إلقائه القبض على أحد «الأمراء الشرعيين» في الحركة أبو عبيدة تلمنس، واسمه الحقيقي عبد الرحيم الحسن، بتهمة الاشتراك بقتل «أمير جبهة النصرة» يعقوب العمر، الذي اغتيل في قرية القني في ريف جسر الشغور قبل حوالي عشرة أيام، وأشارت أصابع الاتهام حينها إلى «جبهة ثوار سوريا» بقيادة جمال معروف.
ويأتي اتهام أحد «أمراء الحركة الشرعيين» بقتل قيادي في «النصرة» بعد أشهر فقط من الاتهام الذي وُجه إلى «مقرب من الحركة» أحمد دلو بن عمر، بالاشتراك في اغتيال أبي خالد السوري، الذي كان يشغل منصب «أمير» الحركة في حلب، وأحد أبرز وجوه الساحة «الجهادية» في الشام.
وبحسب الاعترافات التي أدلى بها تلمنس، فإن الخلية التي ينتمي إليها كانت تخطط كذلك لقتل القائد العسكري العام الجديد لحركة «أحرار الشام» أبو صالح تفتناز وقائد كتيبة «أسود السنة» أبو البراء، بالإضافة إلى القيادي في «النصرة» سليمان الشحنة.
وبينما أقر سابقاً قاتل أبي خالد السوري بتلقيه الأوامر بتنفيذ العملية من أبي مريم العراقي، أحد قيادات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام»-»داعش»، فقد أقر كذلك أبو عبيدة بأنه اجتمع مع خلية تابعة إلى «الدولة الإسلامية»، أعضاؤها هم أبو الليث، وأبو عبدالله معردبسة، وأبو أنس التونسي، وعلاء صفور، مهمتها تنفيذ عمليات اغتيال لمصلحة التنظيم المتشدد.
وبينما يركز الجهاز الأمني والإعلامي في «أحرار الشام» وحلفائها على الشق المتعلق بـ«داعش»، مستغلاً إياه في التحريض على التنظيم الذي يتقاتل معه منذ عدة أشهر، فإنه يجري التغاضي تماماً عن حقيقة أن منفذي كلا العمليتين هما من قيادات الحركة أو المقربين منها، لما يسببه ذلك من إحراج لقيادة الحركة وإضعاف الثقة بكوادرها.
غير أن العملية النوعية التي أودت بحياة العشرات من قادة الحركة، وعلى رأسهم «أميرها» أبو عبدالله الحموي، وقائدها العسكري أبو طلحة، كشفت بشكل مفضوح الضعف الاستخباري والثغرات الأمنية التي يعاني منها جسد الحركة، ما سمح بتسرب العملاء إلى داخلها، وتشكيل خلايا تابعة لأكثر من جهة استخبارية أو «جهادية»، تعمل تحت غطاء الحركة، لتحقيق أهداف وغايات متناقضة ومتضاربة، ثبت أن بعضها ترك انعكاسات كبيرة على مسار المشهد «الجهادي» السوري، كاغتيال «أمير جبهة النصرة» في إدلب فاتح رحمون (أبو محمد الأنصاري)، بينما أدخل بعضها الآخر الحركة نفسها في متاهات قاسية، انتهت بها مؤخراً إلى خسارة عدد كبير من «أمرائها» وقادتها.
وحاولت الحركة بعد مقتل أبي خالد السوري أن تعمل على سد الثغرات الأمنية التي تسلل منها القتلة. وبذلت جهوداً كبيرة في سبيل ذلك، لكن من دون أي نتيجة، بدليل مقتل قادتها في حادثة غير مسبوقة، وتورط أحد «أمرائها» في خلية اغتيال، تابعة لخصمها اللدود «داعش».
وتشير المعطيات المتوافرة من مصادر متعددة إلى أن تقارير داخلية ضمن الحركة قدمت رؤية وافية لأسباب وحجم الاختراق الذي تتعرض له الحركة، نتيجة علاقاتها المتشابكة مع عدة أجهزة استخبارات وفصائل مسلحة، واضعةً بعض الاقتراحات التي من شأنها تحجيم هذا الاختراق، ومنعه من الوصول إلى مستويات عليا، الأمر الذي يجعل مصير الحركة على المحك.
إلا أن الحركة عجزت عن القيام بإجراءات حاسمة، لأنها اصطدمت بعقبات كبيرة، كانت تيارات داخل الحركة تضعها في طريق أي محاولة لإصلاح هيكليتها وبناء سد يحول دون توسع الخرق. كما أن أجهزة الاستخبارات الصديقة للحركة، أو غير الصديقة، لعبت دوراً في استدامة الاختراقات ومنع سدها، الأولى عبر اشتراط تسليم مناصب معينة في الحركة إلى أشخاص محددين تثق بهم، والثانية من خلال زرع عملاء لها للتجسس على الحركة وجمع معلومات عن أنشطتها. إضافة إلى أن «داعش»، الذي يتمتع بخبرات استخبارية تفوق نظيرتها في الفصائل الأخرى، نجح كما هو واضح في اختراق «أحرار الشام»، والاحتفاظ بخلايا نائمة داخلها، تعمل لمصلحته. ومع اتساع رقعة الاختراق، وجدت الحركة نفسها عاجزة، حتى عن التفكير بعلاجه، واكتفت بمحاولة مراقبته ومنعه من التغلغل إلى الصف الأول من قادتها.
ولكن منذ التاسع من أيلول الحالي، تاريخ مقتل قادتها، تثار تساؤلات وشكوك كبيرة مفادها، هل تمت عملية اختراق قادة الصف الأول في الحركة بنجاح؟ وهل أصبحت «أحرار الشام» مرتعاً لعملاء الاستخبارات و«داعش»؟

عبد سليمان علي

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...