تونـس تشـتعـل غضـباً والنـظام يـزداد دمويـة
لم يسكت التونسيون عن الإهانة التي وجهها إليهم الرئيس زين العابدين بن علي، عندما وصف احتجاجاتهم المتواصلة منذ ثلاثة أسابيع بـ«الإرهاب» وشبانهم بـ«عصابات الملثمين»، فاشتعل الشارع غضباً، واتسعت الاحتجاجات في مدن الجنوب والوسط والشمال والعاصمة نفسها، وردت القوى الأمنية التي عززها الرئيس بن علي بفرق خاصة من المرتزقة بدموية على المتظاهرين. وفيما أكدت مصادر معارضة ارتفاع حصيلة القتلى في مدينة القصرين وحدها إلى أكثر من 50 خلال الأيام الثلاثة الماضية، أقبل شاب تونسيّ خامس على الانتحار صعقاً بالكهرباء. أما الجيش الذي انتشر في مدن عديدة، فأشارت تقارير إلى رفضه إطلاق النار على المحتجين.
في هذه الأثناء، لزمت العواصم الغربية التعبير عن «القلق» و«الأسف» لما يدور في تونس، بل ذهبت باريس إلى حد عرض خبراتها الأمنية على النظام التونسي، فيما اعتبرت واشنطن أن الأحداث «خليط بين الاقتصادي والسياسي»، مؤكدة ايجابية العلاقة بين الدولتين، وسجلت تحفظها على الاستخدام المفرط للقوة من جانب السلطات التونسية.
وفيما اعلنت وزارة الداخلية التونسية مقتل 4 اشخاص واصابة 8 شرطيين بجروح أمس الأول، في مدينة القصرين. قال عضو الاتحاد المحلي التونسي للشغل (المركزية النقابية) الصادق المحمودي «هناك
حالة فوضى عارمة في القصرين بعد ليلة من اعمال العنف واطلاق قناصة النار ونهب وسرقة متاجر ومنازل من قبل الشرطة التي انسحبت اثر ذلك». واضاف ان «عدد القتلى فاق الخمسين قتيلاً»، بحسب حصيلة جمعت من مصادر طبية في مستشفى القصرين التي تبعد 290 كلم جنوبي العاصمة.
واشار موظف يعمل في المدينة الى اطلاق نار من قناصة تمركزوا على اسطح البنايات والى اطلاق قوات الأمن النار على مواكب جنائزية في القصرين. وتوقف موظفو مستشفى القصرين عن العمل ساعة احتجاجاً على العدد الكبير من الضحايا وخطورة إصاباتهم، بحسب المصدر ذاته الذي اشار الى «بطون ممزقة ورؤوس مخربة». وفي باريس قالت رئيسة الفدرالية الدولية لروابط حقوق الإنسان سهير بلحسن التونسية، إن حصيلة قتلى مواجهات نهاية الاسبوع بلغت 35 قتيلاً. واضافت «ان حصيلة 35 قتيلاً مدعومة بلائحة اسمية» بأسماء القتلى «بيد ان العدد الإجمالي للضحايا أكبر وهو يحوم حول 50 (قتيلاً) غير ان هذا مجرد تقييم».
في المقابل، أصرت الحكومة على نفي هذه الأنباء، وأعلنت حصيلة رسمية للضحايا وصلت إلى 23 قتيلاً، فيما أكدت مصادر مطلعة أن قوات الامن عمدت خلال الأيام الاخيرة إلى إلقاء جثث الشبان المتظاهرين في الوديان بعد قتلهم لتخفيض الحصيلة المعلنة، كما اكدت تقارير مصورة استخدام الشرطة لقنابل إسرائيلية مسيّلة للدموع.
أما الجيش الذي انتشر بالآلاف داخل المدن التونسية التي شهدت أعنف الاشتباكات كالقصرين، فأكدت مصادر تونسية أن رئاسة أركانه ترفض إطلاق النار على المحتجين، فيما تحوم شكوك حول إمكان إقالة بن علي لرئاسة الاركان على خلفية ذلك.
ومساء أمس الأول، انتحر شاب تونسي آخر حائز على شهادة جامعية وعاطل عن العمل، يُدعى علاء الحيدوري، باستخدام التيار الكهربائي في إحدى قرى ولاية سيدي بوزيد في الوسط الغربي التونسي.
ونقلت مصادر تونسية متطابقة على مواقع ومدونات معارضة، أن الأيام الاخيرة شهدت تعزيزات أمنية جديدة من فرق «النسور السود» و«فرق الشرفاء».
لكن ذلك لم يمنع حركة الاحتجاج التونسية من الانتشار ومواصلتها التصدّي للقمع الأمني. وبحسب بلحسن فإن موجة الاحتجاجات بدأت تمتد الى المدن الساحلية التي تؤوي اهم المنتجعات السياحية في البلاد.
أما في العاصمة تونس، فاندلعت مواجهات للمرة الأولى في حي التضامن في ضاحية المدينة، حيث هاجمت حشود غفيرة متاجر ومباني حكومية وأضرمت النار في أحد المصارف، فيما ردّت الشرطة بإطلاق النيران الحيّة على المتظاهرين والقنابل المسيلة للدموع. وأكدت مصادر تونسية أن بن علي أمر بقطع التيار الكهربائي عن حي التضامن لوقف الاحتجاجات.
وفي حين تجمّع المئات من التونسيين في باريس تضامناً مع إخوانهم في البلاد، واصلت باريس تعبيرها عن موقف يقترب من كونه تحالفاً وإشادة ببن علي. وقال المتحدث باسم الحكومة فرنسوا باروان «إن الحوار وحده الكفيل بتجاوز المشاكل الاقتصادية والاجتماعية» في هذا البلد. وأضاف «ان فرنسا تأسف بالتأكيد لاعمال العنف التي حدثت في تونس واوقعت ضحايا».
ونقلت صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن وزيرة الخارجية الفرنسية ميشال اليو ماري، قولها «نقترح بفاعلية على الدولتين (فرنسا وتونس) السماح في إطار تعاوننا بالعمل كي نضمن الحق في التظاهر والأمن في الوقت نفسه».
أما الولايات المتحدة فأعربت عن قلقها حيال معلومات افادت بـ«استخدام مفرط للعنف» من طرف القوى الأمنية لتفريق المتظاهرين في تونس بعد أعمال شغب أدت الى مقتل حوالى خمسين شخصاً. وصرّح المتحدث باسم الخارجية مارك تونر أن «الولايات المتحدة قلقة جداً حيال المعلومات التي تفيد عن استخدام مفرط للعنف من طرف الحكومة التونسية».
المصدر: السفير+ أ ف ب
إضافة تعليق جديد