وديع اسمندر... الأليف في حضوره وغيابه

28-07-2016

وديع اسمندر... الأليف في حضوره وغيابه

المقبرة السورية مفتوحة بدوام كامل. في يومٍ واحد (أول من أمس)، رحل روائيان سوريان: محمد جاسم الحميدي، ثم لحق به بعد ساعات وديع اسمندر. الأول بعيداً عن مدينته المستباحة الرقة، والثاني في جبلة على الساحل السوري.

بالنسبة إلى وديع اسمندر (1942-2016)، لم تكن الحياة وردية على الإطلاق: قضى سنوات من شبابه في المعتقل، لكنه عاد إلى الكتابة بزخم بعد باكورته الروائية «اللبش» (1979) التي رصد خلالها حياة الصيادين ومكابداتهم في البحر. ثم أنجز ثلاث روايات لاحقة هي «دموع السقف الحجري»، و«سيرة رجل ما»، و«الخميس الحزين»، بالإضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان «الرأس» (2010). عمله في إذاعة دمشق قاده إلى كتابة أكثر من عمل درامي للإذاعة والتلفزيون. قبل أيام من رحيله، كتب على صفحته على الفايسبوك في مناسبة عيد ميلاده نصّاً مؤثراً يختزل سيرته: «أقول لمن عايدني في عيد ميلادي بأنني كتبت قصّة قصيرة في مجموعتي «الرأس» تحكي حكاية ميلادي. كان لدى أهلي طفل اسمه وديع توفّي قبل ولادتي. لكنّ أهلي لم يشطبوا اسمه لدى دائرة النفوس.
وبعده بثلاث سنوات ولدت أنا، فأعطوني اسمه وتاريخ ميلاده. أنا في الواقع لا اسم لي، ولا تاريخ ميلاد، ومع ذلك أشكر كل من عايدني. القصّة تحمل عنوان «رجل بلا اسم» وهي مهداة إلى أخي الذي مات وحمّلني أهلي اسمه فيما بعد». انخرط الراحل في سجالات افتراضية ساخنة، عمّا تعيشه البلاد مستثمراً مخزونه الحكائي في توصيف الأحوال، ومما كتبه في هذا الشأن الحكاية الآتية: «التقى حمار وكلب وهرّ واستعرضوا أحلامهم فقال الحمار:
- حلمي أن أصبح ملكاً في بلدٍ من بلدان هذه المنطقة.
وقال الكلب: وأنا حلمي أن أصبح وزيراً في حكومتك يا حضرة الحمار.
وظلّ الهرّ صامتاً فقالا له:
- لماذا لا تعبّر لنا عن حلمك؟
فقال الهرّ : أمنيتي أن أموت ولا أعيش في مملكة يحكمها الحمير والكلاب.
يبدو من قراءة الجغرافية الرّاهنة للمنطقة أن بعض الأحلام قد تحققّت وما يفعله بعض الملوك والأمراء خير دليل على ذلك».
ويروي صديقه التشكيلي منصور إبراهيم في رثائه: «في الطريق إلى مصياف في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، كنت أقود سيارتي بصحبته، وكان ينصت إلى أشرطة العتابا الفريدة التي كان قد جمعها من حياة كاملة. وقبل أن تلوح لنا مصياف، صرخ بي: قف على اليمين. فتح باب السيارة ورفع صوت المسجل إلى أقصى طاقته، وبدأ يدبك مثل زوربا إلى أن تصبب عرقاً. قال لي معلّقاً: في السجن كنا محرومين من الدبكة، ولو دبكنا كان ممكن يحبسونا مؤبد على أساس أننا مبسوطين».
هكذا بقي اسمندر في الظل بسبب تغييبه القسري لسنوات، فلم يواكب نقدياً كما يجب، كواحد من جيل السبعينيات. هذا الجيل الذي أكد على منعطف سردي مختلف لجهة الواقعية الخشنة في تشريح واقع مضطرب. من جهةٍ أخرى، سنقع على تجربة متفردة، تتأرجح بين الشراسة اللغوية وشهوة الحكي المضمر المحمولة على تطلعات الهامشيين في المقام الأول. وداعاً وديع اسمندر أيها الأليف في حضوره وغيابه.


خليل صويلح

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...