موسم الحروب الأهلية

16-12-2006

موسم الحروب الأهلية

هاتفني أحد القراء أمس. قال إنه مواطن عربي يعوم على بحر من الذل. لم اعترض ولم استهجن. العربي ليس في أفضل أيامه. ثم ان الذل وارد ومبرر. أوضح انه فكر في كتابة رسالة الى بريد القراء لكنه خشي ان يتأخر النشر. سأل ان كنت مستعداً لحمل صرخته الى القراء وآذان المسؤولين فلم أتعهد بانتظار الاستماع الى مضمون الصرخة.

قال القارئ إن التعاطف مع القضية الفلسطينية استنزف جزءاً غير يسير من عمره. وانه استيقظ البارحة على رائحة حرب اهلية بين الفلسطينيين. وانه شعر بحرج شديد حين رأى أولاده يتابعون الاشتباكات الفلسطينية - الفلسطينية تحت اعلام الاحتلال أو على مقربة منها. وتساءل بمرارة ما اذا كان يحق لـ «حماس» و «فتح» أن ترتكبا إثم الحرب الأهلية متجاهلتين ما دفعته الأمة من أرضها ومالها واستقرارها من أجل قضية فلسطين.

لاحظ القارئ ان «فتح» لم تسلّم فعلياً بنتائج الانتخابات التشريعية التي أسفرت عن فوز «حماس». سارعت الى الإشارة الى أن «حماس» فازت بسبب تبعثر أصوات «فتح» وخوض بعض ابنائها الانتخابات كمستقلين. تعاملت مع أكثرية «حماس» بوصفها «أكثرية وهمية». تعاملت بكيدية واضحة مع الحكومة الوافدة من نتائج الانتخابات. استفادت من الحصار الدولي المضروب حول «حماس» لتطالب بتشكيل حكومة وحدة وطنية. أي أن «فتح» تطالب «حماس» بإعطائها الثلث المعطل في الحكومة، إن لم يكن أكثر. وإذا أخذنا في الاعتبار أن «فتح» تمسك برئاسة السلطة يصبح المعنى الفعلي لحكومة الوحدة الوطنية هو الغاء نتائج الانتخابات. ولم تخف «فتح» توجهاتها وكشفت رغبتها في انتخابات مبكرة او استفتاء على أمل ازاحة «الأكثرية الوهمية».

أكد القارئ ان ملاحظاته على سلوك «فتح» لا تعني تجاهل اخطاء «حماس». قال إنها تسلمت الحكومة واعتبرتها أداة مقاومة واشتباك أكثر مما تعاملت معها كمؤسسات مهمتها التمثيل ورعاية مصالح الناس وحاجاتهم الى الرواتب والخبز والتعليم والعمل. رأى ان هنية لم يطلّق خطاب الفصائل. وهو ما ساهم في زيادة العزلة والاختناق. ولاحظ ان أي محاولة للتفاهم بين اسماعيل هنية ومحمود عباس كانت تتبخر بسبب اضطرارها للخضوع لامتحانات قاسية على طريق دمشق وطهران. قال إن «حماس» تتهم السلطة بالخضوع لإملاءات كوندوليزا رايس والوقوع تحت الوصايات الخارجية. وان «فتح» تتهم «حماس» بتنفيذ الشق الفلسطيني من الهجوم الايراني الشامل في الشرق الأوسط وبالانضواء في محور دمشق - طهران. وان خطف الجندي الاسرائيلي غلعاد شاليت يندرج في برنامج شامل شهد جنوب لبنان احدى حلقاته.

قال القارئ إنه يشعر بالذل حين يسمع ان انسحاب قوات الاحتلال الاميركي من العراق سيفتح ابواب الحرب الاهلية على مصراعيها، وان عراقيين كثرا يتمنون ان يلجم الأميركيون رغبتهم في المغادرة. واضاف ان لبنان الذي كان مصدر فخر له ابان الصيف الماضي يتجه الى التحول مصدر خيبة بسبب رائحة الفتنة المذهبية. وقال ان الاخوة في الصومال يحثون الخطى نحو الحرب الاهلية وان الوضع في دارفور لا يبعث على الطمأنينة وان المنطقة العربية مرشحة لدارفورات كثيرة.

استمعت بألم إلى القارئ العزيز. سألته عن اقتراحاته واستوقفتني الاجابات. قال إنه يقترح ان يطلق عمرو موسى نداء استغاثة وان يعلن العالم العربي منطقة منكوبة. وان تتولى الجامعة استقدام كميات من الخيام والبطانيات والمعلبات، إذ أن كل شيء يعد بزيادة أعداد المهجرين والنازحين واللاجئين. بالأمس كان كافياً ان يشاهد العربي الفضائيات ليتأكد من اندلاع جملة حروب أهلية عربية. وثمة من يقول إننا في البدايات، وإن الآتي اعظم. لا أشاطر القارئ المتصل هذا الكم من التشاؤم لكنني لا استطيع اتهامه بالمبالغة كثيراً.

غسان شربل

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...