مظلات ضخمة في المدار الفضائي لتبريد الكرة الأرضية

28-06-2006

مظلات ضخمة في المدار الفضائي لتبريد الكرة الأرضية

قدمت مجموعة صغيرة من العلماء في العقود الماضية، العديد من الأفكار المستقبلية لمواجهة ظاهرة الاحتباس الحراري منها بناء مظلات ضخمة في المدار الفضائي لتبريد الكرة الأرضية، ومعالجة السحب لجعلها تعكس المزيد من ضوء الشمس للفضاء بدلا من الارض. وخداع المحيطات لجعلها تمتص المزيد من الغازات المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري.
وكانت مثل هذه الافكار توضع في ذيل قائمة علوم المناخ. ولم يهتم بها الا مجموعات قليلة من الصحافيين. بينما لم تهتم الا مجموعات قليلة من الوكالات الحكومية بدفع نفقات دراسات الجدوى. وفي الوقت نفسها كان خبراء البيئة والعلماء يؤكدون ان الاهتمام يجب ان يتركز علي خفض غازات الاحتباس الحراري ومنع ظاهرة الدفء الكوني في المرتبة الاولى.

غير ان مجموعة من أهم علماء وأشهرهم في العالم، يقولون ان تلك المقترحات تستحق الاهتمام الجدي بسبب القلق من ظاهرة الاحتباس الحراري.

ويدعو هؤلاء العلماء، بسبب قلقهم من احتمال وقوع كارثة، الحكومات وتجمعات العلماء لدراسة مثل هذه الافكار الخيالية لخفض الاحتباس الحراري، وينظرون اليها علي اساس انها سند اخير اذا ما احتاجت الكرة الأرضية الى جرعة من التبريد الطارئ.

وأوضح رالف سيروني رئيس الاكاديمية الوطنية للعلوم في واشنطن أنه «يجب معاملة هذه الافكار مثل أي بحث آخر والنظر اليها نظرة جدية».

وهذه الدراسات والخطط المقترحة تدخل ضمن مجال مثير للجدل يطلق عليه اسم «الهندسة الأرضية» وتعني إعادة ترتيب البيئة الأرضية على مستويات كبيرة لتلائم الاحتياجات الانسانية وتروج للاستقرار.

ويشجع الدكتور سيسرون كبار العلماء على الانضمام لهذا المجال الجديد. فقد دعا في شهر أبريل (نيسان) الماضي روجر انجل، وهو عالم فلك شهير في جامعة اريزونا للتحدث امام اللقاء السنوي للاكاديمية. وحدد في خطابه خطة لوضع عدسات صغيرة في الفضاء تعكس ضوء الشمس بعيدا عن الأرض ـ تريليون من العدسات كل منها لا يزيد عرضها عن قدمين، ولا يزيد وزنها عن وزن فراشة. كما شارك سيسرون في خلاف مرير حول ما اذا كان يجب نشر أفكار مجال الهندسة الأرضية للعالم بول كروتزين من معهد ماكس بلانك للكمياء في ألمانيا والحاصل على جائزة نوبل عام 1995 لتأكيده أن الغازات الصناعية تخرب طبقة الأوزون التي تحمي الأرض. وتبحث دراسته الجديدة المخاطر والفوائد لمحاولة تبريد الكرة الأرضية بحقن كميات من الكبريت في الطبقة العليا من الغلاف الجو.

ويوضح الدكتور سيسرون ان «الهندسة الأرضية» ليست بالرصاصة السحرية. ولكن اذا ما تمت بطريقة صحيحة، فيمكن اعتبارها مثل بوليصة تأمين اذا ما تعرض العالم الى ازمة ارتفاع هائل في درجة الحرارة، مثل ذوبان قمم الجبال الثلجية والجفاف والمجاعة وارتفاع منسوب المياه والفيضانات الساحلية.

غير أن العديد من العلماء ينظرون الى «الهندسة الأرضية» على انها حلم غير مسؤول وتؤدي لمزيد من الأخطار والآثار الجانبية اكثر من الفوائد. ويوضحون ان العلاجات المتطرفة هي مبرر جديد لمضاعفة الجهود لخفض غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني اوكسيد الكربون. بينما يشير المتشككون في التأثير البشري على الاحتباس الحراري بأنه جهد مكلف لمحاربة سراب.

غير ان العديد من المحللين يشيرون الى ان شهرة المدافعين عن هذا المجال قدمت لهم مصداقية ودعما لاحتمال ان اتخاذ قيادات العالم لمثل هذه الخطوات.

وأوضح مايكل ماكراكين كبير العلماء في معهد المناخ، وهي جماعة ابحاث خاصة في واشنطن، انه يقبل الحاجة للنظر الى «الهندسة الأرضية» نظرة جدية.

وكانت دراسة الإجراءات المضادة المستقبلية قد بدأت بهدوء في الستينات في الوقت الذي بدأ فيه العلماء يفكرون في أن الاحتباس الحراري الناجم عن انبعاث الغازات، ربما يؤدي في يوم من الأيام الى تهديدات خطرة. ولكن لم يحدث أي تطور حتى الثمانينات، مع بداية ارتفاع درجات الحرارة.

ولاحظ بعض العلماء أن الأرض تعكس حوالي 30 في المائة من ضوء الشمس مرة أخرى الى الفضاء وتمتص الباقي. وأي زيادة بسيطة في الانعكاس يمكن، طبقا لاعتقادهم، مواجهة تأثيرات غازات الاحتباس الحراري، وبالتالي تبرد الكرة الارضية.

ويقترح بروكر وهو من رواد «الهندسة الأرضية» في جامعة كولومبيا زيادة نسبة الانعكاس بنشر اطنان من ثاني اوكسيد الكبريت في الطبقة العليا من الغلاف الجوي، مثلما في حالات انفجار البراكين. ويحتاج الامر، مثلما قدر في الثمانينات، الى اسطول من مئات من طائرات الجامبو، وسيؤدي ذلك الى ظاهرة ثانوية وهو زيادة الامطار الحمضية.

وبحلول عام 1997 وجدت تلك الافكار مدافعا قوية وهو ادوارد تيلر المخترع الرئيسي للقنبلة الهيدروجينية، الذي ذكر في مقالة «نشر جزيئات لتبديد اشعة الشمس في الطبقة العليا من الغلاف الجوي تبدو فكرة واعدة، لماذا لا نفعل ذلك».

غير ان الوكالات الحكومية في الولايات المتحدة ترفض دفع نفقات الأبحاث لدراسة مثل هذه الافكار. ويشير جون لاثام عالم الفيزياء الجوية في المركز الوطني للابحاث المناخية في كولورادو، كيف فشل هو وزملاؤه، لسنـوات عديدة، من اختبار ما اذا كان رش مياه مالحة في السحب المنخفضـة فوق المحيطات يمكن ان يؤدي الى زيادة قدرتها الانعكاسية.

ومن بين الأفكــار المطروحـة، تغطية الصحارى بأغشية عاكسة، أو توزيع جزر من البلاستيك الأبيض على المحيطات، كوسيلة لعكس مزيد من ضوء الشمس نحو الفضاء.

كما توجد فكرة أخرى وهي تسميد البحار بالحديد، وخلق مساحات هائلة من النباتات البحرية التي يمكن أن تمتص أطنان من ثاني أوكسيد الكربون.

ورد الفعل العام لهذه الأفكار، كما أوضح الفيا غاسكيل رئيس شركة «انفيورومنتل ريفرنس ماتريالز» وهي شركة استشارية في ولاية نورث كارولينا «هو الرفض وفي بعض الأحيان مخيف ـ الخوف لعدم معرفتنا بـرد الفعل في اجراء مثل هذه التغييرات الهائلة في البيئــة».

غير أن نقاد «الهندسة الأرضية» يوضحون انه من الافضل تجنب الاحتباس الحراري بالدرجة الاولى. وطالبوا بتخفيض استخدام الطاقة وتطوير مصادر بديلة للطاقة.

الا أن الجهود الدولية مثل بروتوكول كيوتو، الذي لم تقره الولايات المتحدة على الاطلاق، ولم تلتزم به الهند والصين بالرغم من عضويتهما – قد فشل حتى الآن في خفض التهديدات. ويقدر العلماء ان درجة حرارة سطح الارض، يمكن ان ترتفع هذا القرن الى 10 درجات فهرنهاتـية.

وقد طرح الدكتور انجل عالم الفلك في جامعة اريزونا، لأعضاء أكاديمية العلوم فكرته لوضع مظلات مدارية، ووصف الاقتراح بأنه اقل أهمية من هدف تشجيع الافكار الجريئة.

واثار الدكتور كروتزن الالماني الحائز جائزة نوبل ضجة بسبب فكرته بحقن الكبريـت في الطبقة العليا من الغلاف الجوي. وتعني فكرته مواجهة نوع واحد من التلوث مثل زيادة غازات الاحتباس الحراري مثل ثاني اوكسيد الكربون، باستخدام ثاني اوكسيد الكبريت، وإن كان أي زيادة في الكبريت في الارض ستكون صغيرة بالمقارنـة بأطنـان من ثاني اوكسيد الكربون.

ويقدر الدكتور كروتزن التكلفة السنوية لاقتراحه باستخدام الكبريت بما يقرب من 50 مليار دولار، او 5 في المائة من النفقات العسكرية العالمية. واوضح «ان الهندسة المناخية مثل تلك التي نطرحها هنا، هي البديل الوحيد المتوفر لخفض سريع لدرجات الحرارة «اذا ما فشلت الجهود الدولية للحد من انتشار غازات الاحتباس الحراري. وأكد «حتى الآن لا توجد مبررات للتفاؤل».

 

وليام برود

المصدر: الشرق الأوسط

 

 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...