مصر: اقتتال أهلي في المقطم ومرسي يؤمّن نفسه بلقاء مع الجيش

23-03-2013

مصر: اقتتال أهلي في المقطم ومرسي يؤمّن نفسه بلقاء مع الجيش

وسط أجواء تلامس حدود الاقتتال الأهلي، اختار الرئيس المصري محمد مرسي أن يؤمن كرسيه، لا أن يحافظ على الوطن. نذر الاشتباكات الدامية بين المعارضين و«الإخوان المسلمين» أتت هذه المرّة من جبل المقطم حيث مقر مكتب الإرشاد، وحيث تحوّلت «جمعة الكرامة» (كما أسماها المعارضون) أو «جمعة الدفاع عن المقرات» كما وصفها «الإخوان»، إلى يوم جمعة دموي، أزدادت فيه تعقيدات المشهد السياسي في مصر، وأربكت حسابات الجميع.
وفي ظل هذا الجو المتوتر، ذهب مرسي إلى المنطقة المركزية العسكرية في القاهرة، ليجتمع بعدد من قادة الجيش، على رأسهم وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي، ولكي يجدد ثقته فيهم، حيث أشاد بدور الجيش في حماية الدولة، مشدداً على أنه الحارس الحقيقي للوطن والشعب.
وربما لو استمر مرسي في كلمته المرتجلة، لأضاف «... في ضمان تأمين بقاء رئيس الجمهورية في منصبه أيضاً»، وهو ما عبّر عنه الرئيس «الإخواني»، وإن بشكل غير مباشر، حين كتب على حسابه الشخصي في موقع «تويتر» عقب انتهاء الاجتماع: «أدعو أبناء القوات المسلحة والشعب المصري إلى عدم الالتفات إلى الشائعات والانتقال إلى مرحلة البناء والإنتاج»... وأي شائعات منتشرة بين صفوف الجيش، إلا نية مرسي و«إخوانه» الإطاحة بالسيسي للتخلص من هاجس الانقلاب المترقب في أي لحظة؟
لقاء مرسي بقيادات الجيش أمس كان الأول له منذ ثلاثة أشهر، وسبقته مرافقة السيسي لمرسي في زيارته إلى باكستان، وهو أمر نادر الحدوث، إذ لم يسبق للرجلان أن ذهبا معاً في رحلة خارجية، وهو ما فسره مراقبون بأنه يعكس حالة القلق الدائمة التي يعيشها مرسي وجماعته، من احتمال قيام وزير الدفاع، ومن خلفه القوات المسلحة، بأي تحرك في الشارع، للاستحواذ على السلطة، خاصة مع التراجع المستمر في شعبية «الإخوان» وتصاعد دعوات عودة الجيش إلى السلطة.

ما فعله مرسي مع الجيش، فعلته قيادات الإخوان مع شبابها، ليبدو الأمر وكأنه منهج أصيل لدى الجماعة وصفوفها الأولى. فعقب وقوع اشتباكات دامية بين المعارضين وشباب الجماعة في شوارع هضبة المقطم، التي تعلوها بناية ضخمة من أربعة طوابق هي المقر الرئيس لجماعة «الإخوان»، دبت موجة من السخط لدى ناشطين محسوبين على الجماعة، لأن قيادتها توارت في أماكن غير معلومة، بينما واجه شباب «الإخوان» وحدهم الغضب الهادر الذي حمله المتظاهرون المعارضون وهم يتحركون في تظاهرات حاشدة عقب صلاة الجمعة باتجاه مقر الجماعة للتعبير عن غضبهم من تردي أحوال البلاد على أيدي الجماعة أولاً، ومن اعتداء أعضاء «الإخوان» على الصحافيين والمتظاهرين، وخاصة النساء منهم، أمام المقر ذاته يوم السبت الماضي.
وكان عناصر «الاخوان» ومعهم رجال الامن قد أقاموا، منذ الصباح، الحواجز الامنية لمنع وصول المتظاهرين إلى الشارع 10 في المقطم حيث يقع المقر الرئيسي لـ«الإخوان».
اما المتظاهرون فتجمعوا بشكل اساسي في الشارع 9 وميدان النافورة المؤديين إلى مقر الاخوان. لكن الاشتباكات بدأت تقع عندما بدأت الحافلات التي تحمل «إخوانيين» من المحافظات في التوافد إلى المقطم، وهو ما دفع المتظاهرين ومعهم عدد من أهالي المنطقة المتضامين معهم، إلى إقامة حواجز لمنع وصول الحافلات، لتبدأ بعدها وتيرة الاشتباكات في التصاعد، وتنتقل من مرحلة التراشق بالحجارة، إلى استخدام المولوتوف، والخرطوش من الطرفين. واشتعلت النيران في العديد من حافلات الإخوان، وأصيب نحو 100 شخص من الجانبين، من بينهم خالد علي المحامي اليساري المعروف والمرشح الرئاسي السابق، الذي أصيب خلال محاولته حماية أحد أعضاء «الإخوان» من الاعتداء عليه من قبل متظاهري المعارضة.
وبدا لافتاً أن قوات الأمن لم تتدخل في الصراع الذي استمر لعدة ساعات، حتى بدأ المتظاهرون في الاقتراب من مقر مكتب الإرشاد، الذي وقعت كل الاشتباكات على مقربة منه. حينها بدأت قوات الأمن في إطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، ثم استخدمت طلقات الخرطوش، قبل أن تقوم الأجهزة المحلية بقطع الكهرباء عن المنطقة، إلا أن ذلك لم يخفف كثيرا من حدة الاشتباكات بين «الإخوان» والأمن من جهة، والمتظاهرين المعارضين من جهة أخرى، خاصة بعدما لجأ المتظاهرون إلى إشعال إطارات السيارات، لتضرب الفوضى في المكان، الذي كان أبرز ما شهده منذ الصباح، قيام سائقي سيارات الأجرة بنقل المتظاهرين المعارضين من مناطق التجمعات في أحياء السيدة عائشة ورمسيس إلى محيط مكتب الإرشاد مجاناً. وبرر السائقون فعلهم هذا، بأنهم يرفضون بدورهم حكم «الإخوان» الذي لم يجنوا خلال تسعة أشهر منه سوى ارتفاع في الأسعار وزيادة صعوبة في المعيشة.
اشتباكات المقطم توازى معها اقتحام المقر القديم لمكتب الإرشاد في حي المنيل المطل على النيل، وتحطيم محتوياته، بالإضافة إلى اقتحام مقار أخرى لـ«حزب الحرية والعدالة»، الذراع السياسي للإخوان في مدينة الزقازيق ـ مسقط رأس مرسي ـ والإسكندرية وإشعال النار في مقري المنصورة والمحلة في الدلتا، بينما طافت مسيرات تطالب بإسقاط حكم «الإخوان» في طنطا وبلبيس والسويس ودمياط، وخرجت مسيرة حاشدة ضمت آلافاً في بورسعيد، التي دخلت أسبوعها الثالث تحت حكم وإدارة الجيش، وسط انسحاب تام لقوات الشرطة، عقب عصيان مدني امتد لنحو 20 يوماً.
لكن المشهد الدامي والملتبس لم يمنع قيادات «الإخوان» من التمسك بطريقتهم لإدارة البلاد، التي أفضت إلى حالة اضطراب تكاد تعصف باستقرارها الداخلي وبنيانها الاقتصادي، وهو ما تجلى في تعليق القيادي الإخواني البارز عصام العريان على أحداث أمس الدامية قائلا «ثلاثة ملوك الملك فؤاد وفاروق وأحمد فؤاد الثاني، وأربعة رؤساء في الجمهورية الاولى بعد القضاء على الملكية، محمد نجيب وجمال عبد الناصر وأنور السادات وحسني مبارك.. انتهى هؤلاء جميعاً وبقي الاخوان، دعوة ربانية إنسانية عالمية». وكأنه يطبق حرفياً ما يقوله المعارضون: الإخوان يريدون البقاء في السلطة حتى لو انتهى الشعب بأكمله.

محمد هشام عبيه

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...