مؤسّسة عربية لمحمود درويش

14-02-2010

مؤسّسة عربية لمحمود درويش

تُعتبَر تجربة الشّاعر محمود درويش واحدةً من العلامات الفارقة التي طبعت الحياة الثقافية العربية في العصر الحديث برمّته، فهذا الشّاعر الذي حمل فلسطين وبشّر بها منذ بداياته الأولى، قاد دفّة الشعرية العربية، وأبحر بها إلى المناطق الجديدة والنائية، حتى وصل إلى ذرى العالمية، وقد ظلّت روحه متّقدةً بنار الشّعر، حتى الرّمق الأخير.

خلال العام المنصرم وهو العام الذي تلا رحـــيله الفاجع، احتفت أمكنة كثيرة في العالم العربي ودول العالم بشعر محمود درويش، وجاء ذلك الاحتفاء من خلال إقـــامة عـــدد كبير من الأمسيات والنّدوات التي تناولت شعره، وأثر هذا الشـــعر في تطوير الشـــعرية العربية. غير أنّ علينا أن نعترف أنّ غالـــبية تلك النشاطات التي أقيمت كانت ذات طابع سريع وآني، ولم يأخذ منظّموها على عاتقهم تقديم أعمال كبيرة تسبر أغوار منجز درويش الشعري، وتُقدّمه بما يليق به وبالمكانة التي احتلّها على الصّعيدين العربي والعالمي.

لكلّ هذه الأسباب كانت الحاجة ماسّة، ومنذ البداية إلى إنشاء مؤسّسة خاصّة تحمل اسم هذا الشاعر الكبير، بحيث تتولّى إعادة نشر نتاجه الشعري، والترويج لهذا النتاج، من خلال إقامة المهرجانات والمؤتمرات المتخصّصة بشعره، كما تعمل على ترجمة أعماله إلى اللغات الحيّة.

طبعاً هناك اقتراحات كثيرة في هذا الجانب يمكن هذه المؤسّسة أن تقوم بها، ومنها على سبيل المثال تخصيص جائزة عالمية باسم محمود درويش يمكن أن يتمّ منحها للشعراء المتميّزين على المستويين العربي والعالمي.

في هذا المجال، أذكر أنني بادرت بعد أيام من رحيل الشاعر، إلى تقديم اقتراح بإنشاء المؤسسة المذكورة، وذلك عبر مقال تأبيني نشرته في صحيفة الحياة البيروتية، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ ذلك المقال لم يكن موجّهاً إلى جهة بعينها، فقد كان مهجوساً في شكل أساسي بفكرة إنشاء المؤسسة.

بعد أشهر تسرّبت أنباء عن إنشاء مؤسستين تحملان اسم محمود درويش: الأولى مؤسسة محمود درويش ومقرّها في مدينة رام الله، وقد أُنشِئت بموجب قرار من السلطة الفلسطينية، والثانية مؤسسة محمود درويش للإبداع في مدينة الناصرة، وقد بادر إلى إطلاقها عدد من أصدقاء ومحبي الشاعر في فلسطين المحتلة عام 1948. أمّا عن أنشطة هاتين المؤسستين فلم نسمع حتى الآن بشيء يُذكَر، باستثناء بعض النّدوات الاحتفالية التي أقامتها المؤسسة الثانية. بالنسبة إلى المؤسسة الأولى يبدو أنها أقيمت كمحاولة لرفع العتب! والدليل على ذلك أنها منذ لحظة إنشائها حتى الآن لم تحرّك ساكناً، وبقيت مقرّراتها حبراً على ورق.

كان هناك ثمّة تسرّع وارتجال في إنشاء المؤسستين المذكورتين، فكلتاهما لا تتوفّر فيهما المواصفات والشروط التي تليق بمحمود درويش ومكانته. وإذا غضضنا الطرف عن المؤسسة الثانية نتيجة الظروف الخاصّة التي يعيشها شعبنا في فلسطين المحتلة عام 1948، فإنّنا لا نستطيع إلا أن نتساءل عن حالة الكُساح التي تعيشها المؤسسة الأولى. هذا من جانب، ومن جانب آخر فمؤسسة كمؤسسة محمود درويش كما أرى، ينبغي أن تكون مؤسسة عربية (مستقلّة) يساهم في تشكيلها المثقّفون العرب إلى جانب المثقفين الفلسطينيين، ذلك أنّ إرث محمود درويش هو إرث عربي في الدرجة الأولى.

وبالنسبة الى مقرّ المؤسسة (المقترَحة) فأنا أرى أن مدينة بيروت ربّما كانت تتمتّع بالأهلية اللازمة لاستضافته، وذلك لما لبيروت من انفتاح وحرية في العمل والحركة وتواصل مع المثقفين العرب. ومثل هذه الميّزات لا تتوافّر داخل فلسطين المحتلّة، بحيث يمكن أن يكون المقر لو أنشئ هناك عرضةً لمهاجمته وتخريبه على يد سلطات الاحتلال. في فلسطين يمكن أن يتمّ إنشاء فرع للمؤسسة.

يوسف عبد العزيز

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...