"لـو أنــا مـتّ وبـقـي عـاصـي لـفـعـلــوا بـه مــا فـعـلــوا بـي!"

17-01-2010

"لـو أنــا مـتّ وبـقـي عـاصـي لـفـعـلــوا بـه مــا فـعـلــوا بـي!"

توفى عاصي في حزيران 1986: انه الزمن الفاصل.
هناك مرحلة اولى هي سبعة وثلاثون عاما اسمها الاخوان رحباني. وهناك مرحلة تالية هي ثلاثة وعشرون عاما اسمها منصور الرحباني. لذلك، ليس سهلا البتة ان "يولد" فينا شخص اسمه منصور الرحباني من جديد عام 1986، بعدما كان "وُلد" مع شقيقه الاكبر عاصي، وترافقا فنيا وحياتيا على مدى سبعة وثلاثين عاما قبلها، باسم "الاخوين رحباني". الواحد الذي صاره منصور كان من اثنين هما عاصي ومنصور، وتاليا فإن الحمل المسرحي والشعري والموسيقي الثقيل والجميل الذي كان يرفعه اثنان بات عام 1986 (وفاة عاصي) على كتفي واحد منهما، مع تحدٍّ اضافي هو رأي سائد شيّعه مدّعو "معرفة الاسرار" اياهم الناشطون باستمرار، يقول ان عاصي كان "اهم" من منصور وله يعود "الفضل الاكبر" في التجربة الرحبانية – الفيروزية!
التحدي كبير. قرر منصور ان المسيرة ستكمل. اعلن بدء كتابة مسرحية باسم "صيف 840" وكان كل ما تقدم في رأسه: من فشل التجربة مع رونزا، الى احتدام الخلاف بينه هو وبين فيروز ايضاً، الى الخلل الجدي في إنتاج الاخوين رحباني الاخير، الى "الرأي السائد" بأن منصور لن يكمل بالزخم الذي يُبقي التجربة الرحبانية نضرة ومتجددة. في ايار 1987 كانت "صيف 840" تفتتح في كازينو لبنان من تأليف منصور الرحباني وتلحينه ومسرحته منفرداً، مرفقة بإهداء حميم "تحية الى عاصي"، بعد سنة ونصف سنة من الكتابة والتحضير ثم التنفيذ على اعلى درجات اليقظة والحرص والدقة في كل شأن من شؤونها: هو اول امتحان فردي لمنصور، ومع نجمة كانت من الصف الثاني في مسرح الاخوين هي هدى، شقيقة فيروز، والى جانبها احد ابرز اصوات الفنانين الشباب يومها غسان صليبا.
اراد منصور في "صيف 840" القول ان عاصي رحل، لكنه قادر وحده على ان يكون كمنصور وعاصي، فكتب مسرحية غنائية استعراضية من النوع نفسه الذي كان جمهور الأخوين وفيروز اعتاده ايام العز، إن لجهة القصة او السيناريو او الحوار او الاغاني او الاستعراض ككل (ولو ان "بعضهم" عاد فاتهم منصور بأن "صيف 840" هي من مخلّفات عاصي!). كانت "صيف 840" بمثابة الجسر الطبيعي الذي سوف يأخذ منصور، في ما بعد، الى شخصيته المسرحية الجديدة. ولم تكن مسرحية "الوصية" القليلة الحيلة التي تلت "صيف 840" ومن بطولة هدى وغسان صليبا ايضا الا "تجربة" اكدت لمنصور ان هناك عالما فنيا آخر ينبغي أن ينتقل اليه. ففي مقابل نجاح "صيف 840" الذي كان مدويا، وكانت اول مسرحية رحبانية (بعد الحرب) تعرض في لبنان "شرقية" و"غربية" (بمفاهيم الحرب الاهلية) ثم في مصر وبعض دول الخليج وتلاقي اعجابا استثنائيا على مدى اكثر من سنة، فإن "الوصية" بدت مرتبكة مسرحيا وجماهيريا. وبها شعر منصور الرحباني انه بات في حل من اي ارتباط بالاسلوب المسرحي الرحباني المعتاد، وان هناك مرحلة اخرى تناديه... فكانت مسرحية "آخر ايام سقراط".

•••

هنا، تنبغي العودة الى مسألتين: الاولى تتعلق بمزاج منصور الرحباني الانساني، فهو رجل مسكون بالتاريخ كوقائع واحداث، وبشخصياته كرموز بشرية تحمل اكسير البقاء والخلود في مواصفاتها، وكان يحفظ ويناقش في اغلب سير حياة العظماء ويرى فيها قيما ثابتة في الزمن لكنها متحركة بالمعنى الانساني. اما المسألة الثانية فهي ميل منصور المركّب والفطري، كما اوضحنا في متن البحث، الى التأليف الموسيقي، وهو نازع باستمرار الى ما وراء الجملة اللحنية. لذلك فإنه عندما وصل الى قرار تقديم "آخر ايام سقراط" كان امام جملة استحقاقات:
الاستحقاق الاول... هو خروجه من حالة منصور وعاصي في "صيف 840" الى حالة منصور ومنصور فقط، في "سقراط"، اي من حالة الذاكرة الرحبانية المعروفة الى محاولة كتابة ذاكرة رحبانية جديدة. واذا كانت "صيف 840" محاكاة لمسرحيات ايام العز الرحبانية فإن "سقراط" هي سعي الى تجاوز مجموعة خصائص من القديم الرحباني في الشكل والمضمون. في هذا المعنى تمرد منصور في "سقراط" على... عاصي، وكذلك على  منصور الذي قد لا يرغب او قد لا يجرؤ على مفارقة عاصي، مستكشفا اعماقه وتحولاته واحتمالات الايام الآتية فيه. وبدلا من ان يكون الكلام الجماهيري والنقدي على سؤال عما اذا نقص ام لم ينقص مسرح منصور في غياب عاصي، قرر منصور ان يكون الكلام مركزا على ما يستطيع منصور أن يبنيه لنفسه بعدما بنى وعاصي وفيروز العالم الرحباني المعروف...

•••

الاستحقاق الثاني... هو التزام منصور، بعد اليوم، ما يحب هو، وما يتقن هو، من الاساليب الفنية والمعرفة المسرحية لا ما اعتاده الجمهور منه. لذلك فقد ركب سفينة التاريخ وأبحر عميقا في سبع مسرحيات اخرى، فحقق انتقالا في الموضوع المسرحي الدرامي باعتماده شخوصا تاريخية من لحم ودم وافكار، وحقق في موازاة ذلك انتقالا اضافيا في الموضوع الموسيقي باتباعه اسلوبا مغايرا في التلحين والتوزيع الموسيقي، وبات التأليف الموسيقي بارزا بقوة، كما باتت اغاني المسرحيات نفسها تأتي من ضمن النص المسرحي لا من ضمن المتخيل المسرحي كما كان يحصل سابقا في غناء فيروز اغاني حب في مسرحيات لا حبيب لها فيها... بالمرة، بالاضافة الى ان هذه الاغاني لم تراع او لم تماش ما كانت تتطلبه، يومها، اذواق الناس (في التسعينيات!) بقدر ما راحت تراعي وقائع المسرحيات وحالات ابطالها والمعاني الدرامية التي يعانون، وكان الى جانب منصور تلحينا وتوزيعا موسيقيا ابناؤه مروان وغدي واسامة، تماما كما كان الياس الرحباني حاضرا من قبل في مسرحيات الاخوين ثم في مسرحيات منصور، الا نادرا.

•••

الاستحقاق الثالث... هو استكمال "النقلة" الهادئة والصاخبة معا، في حياة منصور الرحباني الفنية، باستضافة طاقات جديدة في البطولة المسرحية لا في الادوار الثانوية. ففي "آخر ايام سقراط" اضيف الى صوت هدى، صوت المغنية الشابة كارول سماحة، واسم الممثل المسرحي رفيق علي احمد كبطلين لهذا العمل الجديد: كارول بأدائها ذي المستويات الدرامية المتميزة، وبصوتها الجديد على الأذن، ورفيق علي أحمد بأدائه المسرحي الآسر الذي كان الرحباني انجذب اليه بقوة بعد مسرحية "الجرس" التي كتبها علي أحمد، ومثّلها وحيداً على الخشبة اوائل التسعينات مُحْدثاً عاصفة من الاعجاب لدى الجمهور اللبناني والنقاد والوسط المسرحي ككل، وكانت اخراج روجيه عساف. ومع ان الممثل الأقوى في نظر "العادة" الرحبانية في هذه الحالات (حالة "سقراط") هو انطوان كرباج، بطل اغلب المسرحيات الرحبانية على الاطلاق، فإن منصور اختار رفيق علي أحمد لمؤهلات ادائية مدهشة فيه أولاً، اما ثانياً فلكي "يقطع" مع الذاكرة الرحبانية حتى في التمثيل فيشاهد الجمهور نوعاً مسرحياً جديداً، وابطالاً جدداً، وموسيقى جديدة. ومن الضروري القول ان احداً من النقاد او متابعي المسرح في لبنان لم يتأخر عن الانتباه الى ان منصور الرحباني في "سقراط" غادر مرحلة وطار من عالم، ليحط في مرحلة وعالم آخرين.

•••

الاستحقاق الرابع... هو البناء المسرحي، اي هيكل المسرحية، واللغة الشعرية، فقد أطلق منصور أفكاراً كانت حبيسة صدره وعقله حول العدالة والحرية والثورة والديموقراطية والحياة والموت واسئلة الكون بما يحاكي او يتجاوز ما قاله مسرح الاخوين في الماضي، وقد سمح له عالم سقراط الفلسفي بأن يحلّق في طرح رؤاه الشخصية من خلال رؤى سقراط المدوّنة في كتب التاريخ، ورسمَ معالم اضافية في شخصية سقراط من خلال ما استنتجه من سيرة حياة ذلك الفيلسوف، وقامت الحداثة "البصرية" بنقل خيال الرحباني الى الخشبة (اخراج مروان الرحباني) عبر تقنيات ترجمت الايحاء في النص وجسّدته. وكان في التقطيع المسرحي، وتركيب المَشَاهد والسياق الدرامي وبعض العناصر الاخرى الجديدة كالسينوغرافيا الغنية، على مسرح منصور الرحباني، ما شكّل ارضاً خصبة شرّعت لمنصور الرحباني مساحات لاختراع شخصيات في حياة سقراط او في محيطه اغنت العمل ككل، فضلاً عن ان بناء شخصية سقراط وشخصية زوجته كزانتيبي وشخصية تيودورا (ابنة الملهى) كان مزيجاً من الواقعية والسوريالية، وخليطاً مما يمكن ان يكون قد حدث بالفعل في ذلك الزمن فيصدّقه المُشاهد، ومما هو من بنات افكار منصور فيتقبّله المُشاهد على انه اضافات ليست مسموحة فقط، بل مطلوبة لتأتي اللغة الانسانية متواصلة من الماضي الى الحاضر. لعل اللغة التي قامت عليها "آخر ايام سقراط"، سواء في الحوارات او في نصوص الاغاني، تحركت فيها خصائص منصور متحررة، ففي الحوارات تشابيه واستعارات و"ثقافة" من الحياة ومن التأمل معاً بصياغات مختلفة و"منصورية" الطابع، وفي نصوص الاغاني تفلّت من الاوزان التقليدية والمعايير السائدة، وانجذاب الى الشعر الصافي او ما يقترب منه، ولكن من دون ان يتجاهل منصور في مسرحه، كلياً، وجود الاغنية "الشعبية" الفولكلورية الطابع التي كانت ترقص على انغامها فِرَق استعراضية، وغالباً كان يتم ذلك بتواطؤ مع بعض "المواقف" المسرحية لتسلية العين والأذن. وهذا النوع من التسلية هو تقليد رحباني قديم له مبرراته الاستعراضية.

•••

بهذه الاستحقاقات الأربعة عَبَرَ منصور الرحباني الى مسرحه الخاص في اعمال مسرحية عشرة امتدت على ثلاثة وعشرين عاماً... وامتدت فيها ايضاً أزمة المقارنة بين ماضي عاصي ومنصور، وحاضر منصور، فهناك من قَبِلَ التحول باعتباره مسألة طبيعية وضرورية ليخرج منصور من الثوب القديم الى ثوب جديد يرتأيه لنفسه وتجربته (كم من الاثواب بدّل الاخوان رحباني سابقاً كي يبقيا جديدين؟)... وهناك من تمسّك بذاكرته الرحبانية وراح في نوستالجيا دفاعية يكيل الاتهامات لمنصور ومسرحه. وفي حالات تَحَرُّر كهذه، تتفوّق الذاكرة والنوستالجيا مرحلياً، والنقاش، بعد ذلك يصبح رصيناً معتمداً الدراسة والدقة والمنطق آخذاً في الاعتبار كل الظروف الموضوعية والابداعية التي تحتّم على كل فنان حقيقي ان يغادر ذاته السابقة اذا استطاع الى ذات أخرى في سياق إعطاء جرعات حياة وروح وعصب و"أنا" لاسمه ولصنيعه الفني استجابة لنداء التجدد الذي لا يكف صوته عن الدويّ في وجدان الفنان المبدع ووجوده.
نصل الى السؤال: هل ما فعله منصور الرباني في "آخر ايام سقراط" من ولوج "زمن" آخر في العلاقة مع المسرح، وكَسْر الصورة التقليدية، وتطوير الاسلوب الفني، انسحب على كل مسرحياته اللاحقة وهي: "القداس الماروني الالهيّ" 2000، "وقام في اليوم الثالث" 2000، "ابو الطيب المتنبي" 2001، "ملوك الطوائف" 2003، "آخر يوم" 2004، "حكم الرعيان" 2004، "جبران والنبي" 2005، "زنوبيا" 2007، "عودة الفينيق" 2008؟!... مع الاشارة الى ان "آخر يوم" و"وقام في اليوم الثالث" كانتا من تأليف منصور، اما الموسيقى والرؤية المسرحية فلإبنه اسامة الرحباني.

•••

تجيب عن هذا السؤال تلك الغرفة الشرقية من البيت "اللي شبابيكو حمر" على ما تقول الاغنية، بيت منصور في انطلياس، وتلك الطاولة في ذلك الركن المحروس من الغرفة ويبدو كموقع محصّن، وتلك الاقلام الكثيرة التي يختصرها قلم، وتلك الكتب التي فوق بعضها البعض على المكتب، وتلك الاوراق التي يسجّل عليها النوتات، وذلك الخط الأنيق الذي يميّز اغلب ابناء ذلك الجيل، وذلك البيانو، وتلك الانحناءة التي اصبحت في اواخر الايام جزءاً من جسم منصور... كل هذا يملك الجواب عن السؤال اكثر مما يستطيع احد آخر. لقد كان منصور الرحباني خلال ربع القرن الأخير من حياته رجلاً من.. كتابة شعر ومسرح وموسيقى، ومن اعجاب اهل الانتاج الفني (التمويل) بصناعته المسرحية. كأنما هناك من استفاق على قيمة منصور الرحباني في لبنان والعالم العربي فجأة، او بمثل الفجأة، فانهمر عليه العمل واحداً بعد آخر، واحياناً عملاً فوق عمل (تحديداً ما بين عمر الثالثة والسبعين والثالثة والثمانين)، حتى كاد يصيح بالطالبين منه مسرحاً: أريحوني قليلاً! ولم يرتح منصور الرحباني. كان يعمل لدنياه الفنية كأنه يعيش ابداً، وكانت الأوراق البيضاء التي تمتلئ بحبره تتراكم على تلك الطاولة الصامتة المتكلمة بصمت لا يفقهه الا هو. وكلما اجتمع جمعٌ من الورق تشكلت مسرحية، وراح يلحنها (مع ابنائه) ويدفعها الى الخشبة واعداً نفسه بأخذ نَفَس بعدها، لكن هيهات! فالرجل الذي كان يأكل ويشرب ويكتب كل يوم 24 ساعة على مدار 24 ساعة (هل كان يكتب هو وعاصي أقل!؟) ما خلا ساعات قليلة للنوم يستفيق بعدها او خلالها فيكتب ما دَهَمَهُ من صُوَر في وقت الراحة.. ذلك الرجل كان يمارس ما يمارسه بحب وشغف مقيمين، وإصرار على ان ما لم يَقُله في مسرحية سوف يقوله في المسرحية التالية، وما لم يقله في التالية سوف يقوله في التي بعدها، وهكذا... الى ان اصبح عدد المسرحيات عشراً متلاحقات، وحتى عند وفاته كانت ترتسم في المفكرة ثلاث على الاقل، واحدة بملامح سريعة، وواحدة بخطوط عريضة، وواحدة بهيكل عظمي ينقصه ملء الفراغ بالكلمات المناسبة...
في هذه الامواج المتلاطمة من العمل والعمل والعمل، حَدَث في بعض مسرحيات منصور الرحباني تشابه في رسم بعض الشخصيات، وبالتفاصيل احياناً، وَحَدث تماثل في بعض الاجواء الموسيقية والالحان والمدّات والقفلات، وحدث تقارب في بعض المقطوعات الغنائية الدرامية و"الايقاعية" معاً... وهو تشابه وتماثل وتقارب طبيعي في مناخ طاقة بشرية (ولو رحبانية!) تصرف حرارتها حتى الثمالة، ولا تكاد تخرج من التاريخ القديم حتى تدخل في التاريخ الوسيط حتى تلج التاريخ المعاصر ثم تعيد الكرة مرة اخرى ذهاباً اياباً، وتطل الشخصيات من الكتب ومن الذاكرة ومن الغناء والموسيقى ومن الخيال "العلمي" معاً... (هل التشابه في هذه الحال معصية؟ وهل يدري احد مثلاً لا حصراً ان مطلع لحن اغنية "عروستنا الحلوة" في مسرحية "جبال الصوان" استخدمه عاصي ومنصور مرتين في المسرحية ذاتها، مرة بكلام "عروستنا الحلوة" ومرة اخرى بكلام "تفاحة منعرفها" ولم ينتبه احد... حتى الآن ربما!).
نعم... تسلّلت الى مسرحيات منصور الرحباني "أوضاع" متكررة جعلت بعض النصوص والموسيقى والابطال المسرحيين وكأنهم قادمون من ذاكرة قريبة او بعيدة في مسرح الاخوين او مسرح منصور، كما تسلل "مونوتون" الى بعض التعبيرات عن الثورة والتغيير، وبعض الحِكَم الانسانية، وبعض العناوين الفكرية... واقول كلمة "بعض" وأكررها لأنها "بعض" لا اكثر. واذا كان بعض النقاد استشهدوا بذلك لذمّ منصور وكأنه ارتكب الكبائر، فهؤلاء في الاغلب الأعم (ولا اعني الجميع لأن بينهم اهل معرفة) لم يكلفوا انفسهم دراسة إنتاج اي شاعر او موسيقي او روائي او مسرحي في العالم كله او حتى اي مفكر في شؤون الحياة والانسان، تحديداً وتخصيصاً الكبار منهم، بدقة وموضوعية، ليقعوا على الكثير بل اكثر من الكثير من المحاكاة في ذلك الإنتاج، وليقبضوا بـ"الجرم المشهود" على افكار متقاربة وآراء مستعادة للشخص نفسه وإن بطرق مختلفة احياناً، ولا يسلم من هذا الواقع اي مبدع في الكون، بدءاً من الكتب السموية وهي فوق النقد، الى كل ما تحت النقد من كتب الأولين من الحكماء والشعراء والفلاسفة في التاريخ، ومن كتب التجارب الفنية والادبية والمسرحية والشعرية المعاصرة... فكلها كانت لأسماء خلاّقة قالت جديداً لكنها قالت جديداً قديماً ايضاً، وقالت ما قالت من الجديد، والقديم الجديد، وتركت ذلك على جبين الزمن، لتنقّيه شمس الحياة، على مهل.
تُرى، ألا تتشابه سير حياة بعض "الأبطال" الذين استحضرهم منصور الرحباني الى مسرحه في معاناتهم مع مجتمعاتهم من سقراط الى المتنبي الى جبران، مع معاناة منصور مع بعض مجتمعه؟!
الجواب هذه المرة اعلنه منصور الرحباني نفسه في مقابلة تلفزيونية عام 2000 (تلفزيون لبنان) عندما سئل رأيه في ما يُحكى او "يحاك" له بعد غياب عاصي، فقال بمرارة ساخرة: "لو انا متّ وبقي عاصي لفعلوا به ما فعلوا بي"!

عبد الغني طليس

المصدر: النهار

إقرأ أيضاً:

"37 عاماً": مرحلة اسمها الأخوان عاصي ومنصور

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...