عندما يصبح النقاب قضيّة أمن قومي

19-10-2009

عندما يصبح النقاب قضيّة أمن قومي

جولة روتينية أراد من خلالها شيخ الأزهر، محمد سيد طنطاوي، تفقّد المعاهد الأزهرية لمناسبة بداية العام الدراسي، للتأكد من اتخاذ الإجراءات الوقائية لمكافحة أنفلونزا «إيه أتش 1 أن»، تحوّلت إلى مشادة كلامية مع إحدى الطالبات الأزهريات المنقّبات، مهّدت لإطلاق السلطات المصرية حملة منظمة لمنع ارتداء النقاب في كل المؤسسات التعليمية.منقبتان تسيران في احد شوارع القاهرة
فشيخ الأزهر، الذي فوجئ بطالبة في الصف الثاني ابتدائي ترتدي النقاب عند دخوله القاعة التي تدرس فيها، طالبها بخلعه لأن «النقاب مجرد عادة ولا علاقة له بالدين الإسلامي من قريب أو بعيد». وتعمّد التهكّم عليها بعد خلعها له، قائلاً لها «لو كنت حلوه كنت عملتي إيه».
إحراج سرعان ما حاول الأزهر، صاحب أعلى سلطة دينية في مصر، تداركه عبر اعتماده حلاً وسطاً لم يمنع النقاب منعاً كاملاً، بل حدّ من السماح بارتدائه، وعقد اجتماعاً طارئاً صدر في ختامه بيان تلاه طنطاوي الذي أكد فيه «أن الأزهر ليس ضد استعمال المرأة للنقاب في حياتها الشخصية‏،‏ لكنه ضد استعمال هذا الحق في غير موضعه، واتباع رأي الأقلية المخالف لرأي جمهور الفقهاء الذي يقول‏ إن وجه المرأة ليس بعورة‏».‏
إضافةً إلى ذلك، أعلن المجلس الأعلى للأزهر أن النقاب مسموح به في المعاهد الأزهرية وجامعة الأزهر في وجود الرجال، لكنه منعه «داخل الصف الدراسي الخاص بالبنات» وفي قاعات الامتحانات التي لا وجود للرجال فيها، وداخل مقار السكن الجامعية التابعة لهذه المؤسسة.
إلا أن توضيحات المجلس الأعلى للأزهر لم تكن كافية، لأن هذه المشادة أطلقت شرارة السجال في الشارع المصري، بعدما تبيّن أن تصرّف طنطاوي يأتي في سياق مخطط رسمي لمنع المنقّبات في المؤسسات التعليمية، سواء أكنّ تلميذات أم مدرّسات، عبر تفعيل قرار سابق متخذ من قبل وزارة التعليم المصري من عام 1995. وأكد وزير التعليم المصري، يسري الجمل، تفعيل القرار، معللاً السبب بأن «النقاب يمنع التواصل التربوي بين الطلاب والمعلمات، ما يجعل منع ارتدائه أمراً محسوماً». كذلك منع وزير التعليم العالي، هاني هلال، دخول الطالبات المنقّبات المدن الجامعية المصرية، من منطلق الحرص على الأمن القومي للبلاد، بحسب تفسير وزيرة الأسرة والسكان المصرية مشيرة خطاب.
وتحدثت خطاب عن «اكتشاف 15 حالة من الرجال يرتدون النقاب وسط النساء»، لكنها أكدت في المقابل أن القضية لن تحل بالقوانين الإدارية، بل بالحوار انطلاقاً من كون «الممنوع مرغوب».
تبريرات دينية وسياسية لم تعجب جماعة «الإخوان المسلمين»، قوة المعارضة الأولى في مصر، التي طالبت شيخ الأزهر بالاستقالة. وقال المتحدث باسم الجماعة، النائب حمدي حسن، «لا يمكن أن يبقى طنطاوي في منصبه، إنه يسيء إلى الأزهر في كل مرة يتكلم فيها».
بدورها، دانت منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية هلال لمنعه دخول المنقّبات إلى السكن الطالبي التابع لجامعة القاهرة، معتبرةً أنه «ينتهك مبادئ الخصوصية والحرية الشخصية وحرية المعتقد الديني، التي يكفلها جميعاً الدستور المصري». وامتد السخط على قرار طنطاوي أكثر من قرار الحكومة المصرية إلى خارج الحدود. وأعرب المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، همام سعيد، عن صدمته من موقف شيخ الأزهر، مطالباً إياه بمراجعته.
أما جماعة «جند أنصار الله» الفلسطينية السلفية فدعت الإسلاميين في مصر إلى الثورة احتجاجاً على القرار، وتفجير الوضع «في وجه فرعون (في إشارة إلى الرئيس المصري حسني مبارك) ووزيره هامان (طنطاوي) وجنده كافة ».
هجوم عنيف دفع الصحف المصرية للدفاع عن طنطاوي. وكتبت صحيفة «الأخبار» المصرية في إحدى افتتاحياتها التي حملت عنوان «الإمام الأكبر ودعاوى التخلّف» تقول «إننا نؤيّد موقف الإمام الأكبر ونسانده في ما يهدف إليه من تنوير للعقول ...». أما صحيفة «الأهرام»، فرأت أن الهجوم الذي تعرّض له شيخ الأزهر استند إلى «تراث فقهي ساد عصور انحطاط الأمة».
إلا أن اللافت في الأمر هو أن السلطات المصرية اختارت تفعيل القرار بعد انطلاقة العام الدراسي، ما دفع البعض إلى اعتبار «الإلهاء» عن قضايا أكبر تهدد الشارع المصري دافعاً رئيسياً وراء إثارة المسألة بهذه الطريقة، وخصوصاً في ظل غياب أي إحصائيات شفافة تظهر حجم انتشار الظاهرة وتبيّن مخاطرها على الأمن القومي، إضافة إلى غياب أي حلول اجتماعية للظاهرة التي يرى فيها البعض أكثر من مجرد التزام ديني أسهم «دعاة التلفزيون» في تشجيعه، لتشمل انكفاء المرأة المصرية في منزلها، في ظل انتشار البطالة وتفاقم المشاكل الاجتماعية، وتحديداً أزمة التحرّش التي تواجهها. كذلك فإن المنع المصري فاجأ الكثيرين ممن توقعوا أن تتأثر بعض الدول الأوروبية بإعلان فرنسا منع النقاب والبرقع، فاكتشفوا أن بلاد الأزهر كانت السبّاقة إلى منع النقاب في مؤسساتها التعليمة. وتزامنت الإجراءات المصرية مع إعلان وزيرة تكافؤ الفرص الإيطالية، مارا كارفانيا، من حزب «الشعب والحرية» الذي يتزعمه رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلوسكوني، أنها تنوي العمل من أجل استصدار قانون يفرض حظراً على ارتداء النقاب في المدارس العامة. ورأت أنه لا مجال في بلادها للثقافات التي تنكر حقوق المرأة.
وذهب حزب «رابطة الشمال» المناهض للمهاجرين في إيطاليا أبعد من ذلك للمطالبة بإقرار تشريع لمحاكمة النساء اللاتي يغطين وجوههن بالبرقع أو النقاب، عبر تعديل قانون صدر في عام 1975 يوسّع الحظر الجزئي الحالي للملابس التي تغطي الوجه ليشمل «الملابس التي تُرتدى بسبب الانتماء الديني»، ويعاقب بغرامات كبيرة والسجن لمدة تصل إلى عامين من يخالفه.

مخاوف في فرنسا من مفعول عكسي

تَشكّكَ عدد من رؤساء البلديات الفرنسيين في إمكان تنفيذ حظر مقترح على ارتداء النقاب، ويقولون إن هذا الحظر قد يؤدي إلى نتائج عكسية، ويدفع المزيد من النساء إلى ارتدائه.
وتحدث بعض رؤساء البلديات الفرنسية عن مخاوفهم، أمام لجنة برلمانية أُلّفت أخيراً لدراسة حظر محتمل، بعدما أعلن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي، في حزيران الماضي، أن النقاب لن «يكون محلّ ترحيب في بلادنا».
وفي السياق، تساءلت رئيسة رابطة رؤساء بلديات المدن والضواحي الفرنسية، رئيسة بلدية حي كليشي سو بوا المختلط عرقياً، كلود ديلان، «هل يأتي (القرار) بعكس النتائج المرجوة؟ هل يشجع الحظر ارتداء المزيد من النساء النقاب؟».
بدوره، أوضح رئيس اللجنة البرلمانية المكلّف دراسة الموضوع، أندريه جرين، أن اللجنة ستتشاور مع زعماء الجالية الإسلامية الفرنسية، وستعقد اجتماعات في عدد من المدن الفرنسية قبل تسليم تقريرها بداية العام المقبل.

جمانة فرحات

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...