صحوة عربية للنهوض بالتوثيق الرقمي الأثري.. والتجارب متواضعة

02-09-2008

صحوة عربية للنهوض بالتوثيق الرقمي الأثري.. والتجارب متواضعة

أصبح من الواضح جداً أن معظم الدول العربية في الوقت الحاضر تبدي اهتماماً مميزاً بإرثها التاريخي الأثري بطرق وأساليب مختلفة كلياً عن الأسلوب التقليدي الذي كان - دون غيره - متبعاً في أسلوب تعامل حكومات هذه البلدان مع إرثها الأثري، وحتى وقت قريب جداً كانت هذه الجهود التي يمكن تسميتها في المجمل «الجهود التوثيقية» ترتكز في أغلبيتها على أسس بدائية بسيطة كتسمية القطع واللقى الأثرية وكل المعلومات المحيطة بها وإدراجها في جداول مكتوبة على الورق مع الصور الفوتوغرافية، الأمر الذي أوصل بنا جميعاً إلى أرشيف أثري هو عبارة عن قناطر وأكوام من الملفات الورقية المحفوظة المعرضة في أي لحظة للتلف أو السرقة أو الضياع وغيرها من المخاطر المحدقة بهذه القضية الوطنية الحساسة. 
 وتتمثل هذه الأساليب الحديثة المتبعة في العديد من البلدان العربية بإدخال أحدث ما توصلت إليه تقانة المعلومات في مجال التوثيق والأرشفة الرقمية للأوابد واللقى الأثرية، في إشارة واضحة إلى أن أصحاب القرار في هذا الشأن لم يقفوا مكتوفي الأيدي كمن ينتظر وقوع كارثة ما حتى يهرعوا إلى معالجتها، وها نحن اليوم نرى بعض البلدان العربية وقد اجتازت أشواطاً متقدمة في هذا الخصوص وبعضها ما زال يحبو ببطء والبعض الآخر لا يعرف من أين وكيف يمكن له أن يبدأ بخوض هذه التجربة المسؤولة. ولحسن الحظ فإن الخبرة التي تراكمت مع الزمن في بعض الدول العربية نراها تقدم على طبق من ذهب لكل من يرغب في تبني هذه التجربة كلٌ في بلده مع مراعاة الخصوصية التي يتمتع بها هذا البلد.
ويبدو أن هذه الطروحات التشاركية تجد في الندوات السنوية المنعقدة، الأرض الخصبةً لتبادل هذه الخبرات وخصوصاً فيما تحمله من محاور نقاشات هامة حول نشر الوعي العام بالتراث والخصوصية الإقليمية مقابل العولمة، وذاكرة العالم العربي مقابل التوثيق الرقمي للتراث العربي، وضرورة استخدام تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات في دعم الوعي العام بأهمية التراث العربي، وإحياء التراث العربي والاعتماد على تقنيات الاتصالات والمعلومات في تحقيق تنمية اقتصادية اجتماعية فعالة مستدامة، وترتيب أولويات وقضايا ومشاكل التراث في العالم العربي. كما تندرج أهمية هذه الندوات وورشات العمل للتعرف على سبل وآليات توثيق ترقيمي للتراث العربي علها تكون حافزاً لإقامة تعاون بناء وفعال بين الأقطار العربية على مستوى القطاعين العام والخاص من أجل الحفاظ على الذاكرة التراثية الإجمالية لشعوب العالم العربي.
كما يشارك في هذه الندوات كالعادة متخذو القرار والمهنيون وخبراء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بالمنطقة العربية وممثلون عن المؤسسات القومية والإقليمية والدولية والقطاع الخاص والجمعيات الأهلية والمؤسسات الإعلامية والجهات الأكاديمية المهتمة بصيانة وحفظ التراث في العالم العربي ومتخصصون في مجال المكتبات والمعلومات.
وليس مستغرباً بأن التجربة المصرية - التي تم عرضها بمعظم تفاصيلها في العديد من ورشات العمل والندوات التي أقيمت في سورية وفي دول عربية أخرى - أثارت شهية المعنيين للحاق قدر الإمكان بركب «التوثيق الأثري» حتى إن هذه التجربة لا تترك مجالاً للشك في التواضع الكبير للتجارب العربية الأخرى مقارنةً بها. ونرى أنه من المفيد للقارئ إعطاؤه لمحة موجزة عن التجربة المصرية للتعريف بمشاريع التوثيق الأثري فيها وإلى الدور الكبير الذي قام به مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي في جمهورية مصر لإنجاح هذه المشاريع الهامة، ومنها:
خريطة مصر الأثرية حيث قام مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي بإنشاء نظام يسمح بحصر وتوثيق المواقع الأثرية باستخدام أحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا فيما يعرف بمشروع الخريطة الأثرية لمصر باستخدام نظم المعلومات الجغرافية وتنقسم هذه الخريطة إلى ثلاثة مستويات الأول هو المستوى القومي ويتم فيه تمثيل المواقع الأثرية في أنحاء مصر على خريطة الكترونية واحدة بحيث يظهر كل موقع أثري على شكل نقطة مصحوبة بمجموعة من البيانات الأساسية لهذا الموقع والقطع المرتبطة به والموجودة بالمتحف المصري. أما في المستوى الثاني وعند اختيار موقع من المواقع الأثرية تظهر خريطة تفصيلية مصحوبة بمجموعة من البيانات التفصيلية عن هذا الموقع ويسمح المستوى الثالث بعرض مسقط أفقي للأثر المختار مبيناً عليه الحجرات والمكونات المعمارية له فضلاً عن إمكانية عرض تفاصيل حوائط هذا الأثر من رسومات ونصوص.
بالإضافة إلى مشروع توثيق تراث مصر المعماري الذي يهدف إلى توثيق التراث المعماري والعمراني للمدن المصرية وبالأخص تراث القرنين التاسع عشر والعشرين في صورة قاعدة بيانات ونظام معلومات جغرافي تم الاستعانة بهما في المشروع الاسترشادي لمنطقة وسط مدينة القاهرة. ويعد هذا التوثيق الالكتروني منهجياً وغير مسبوق يتميز بسرعة البحث فيه وبسهولة استخراج المعلومات، بالإضافة إلى أنه يجمع من مصادر شتى كماً كبيراً من المعلومات فيخدم متخذي القرار والمعماريين والمؤرخين.
ومن المشاريع المميزة أيضاً كان «تراث مصر الطبيعي» وهو مشروع متعدد المجالات والتخصصات يهدف إلى التوثيق الالكتروني لتراث مصر الطبيعي ونشر البيانات والمعلومات عنه. ويقوم المشروع بتجميع كافة البيانات عن المحميات الطبيعية بما في ذلك المعلومات التفصيلية عن النباتات والحيوانات والتكوينات الجيولوجية والمعالم الحضارية المميزة للمواقع أو المناطق المحمية وتنظيمها في قواعد بيانات. وكوسيلة لنشر المعرفة أعدت سلسلة من الكتب والأقراص المدمجة الزاخرة بالإيضاحات في مواضيع مختلفة مثل المحميات الطبيعية في مصر ومواقع التراث الطبيعي والحضاري ذات الاهتمام الخاص كنباتات أرض الفراعنة وطيور مصر وغيرها....
ولم تقتصر الجهود التوثيقية في جمهورية مصر العربية على جوانبه المعمارية بل امتدت لتشمل «التراث الشعبي المصري» الذي يعتبر بمثابة العلامة المميزة لهذا الشعب ولذلك انكب مركز توثيق التراث الحضاري والطبيعي في مصر على توثيق تقاليد الحياة اليومية التي تضع الصياغة التاريخية للتراث الشعبي المصري.
ويهدف التناول المنهجي المطبق إلى إنشاء قاعدة بيانات الكترونية شاملة ومتكاملة تضم مادة علمية مسموعة ومرئية وتم تصميم قاعدة البيانات لكي تضم مجموعة غنية تغطي الموضوعات الذائعة والشائعة مثل الأعياد التقليدية والاحتفالات والحكايات الشعبية (الحواديت) والعادات والمعتقدات والأولياء والموسيقا الذائعة، والفنون والحرف من مختلف البقاع المصرية من الصحارى والمجتمعات الريفية والحضرية. كما أن هناك بعض المشاريع الرديفة كمشروع تراث مصر الموسيقي وذاكرة مصر الفرعونية والتراث العلمي الإسلامي للمخطوطات.
ويضاف إلى ذلك الكثير من المشروعات الدولية المشتركة بالتعاون مع بعض المنظمات الدولية كالوكالة الأوروبية ومؤسسة «آي بي إم» العالمية ومنظمة اليونسكو.

حسان هاشم

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...