سورية ومصر: المواجهة المشتركة للأخطار المحدقة

27-10-2015

سورية ومصر: المواجهة المشتركة للأخطار المحدقة

تُشكل موروثات التاريخ والجغرافيا والثقافة لكيانات إقليم معين روابطاً متينة بين هذه الكيانات، وبين شعوبها. ومن نتائج وجود هذه الموروثات والروابط أن ما يحصل في أحد كيانات الإقليم يرتد على بقية الكيانات، وكلما كانت الموروثات والروابط أعمق، كلما كانت الارتدادات أشد قوة وأكثر تفاعلاً.
وهكذا هو حال سوريا ومصر. قد نحتاج إلى بضعة مجلدات لتوثيق علاقة الكيان الشامي بالكيان المصري منذ ولادة الحضارة الأولى، منذ أيام الفراعنة، وكيف أن سوريا، مثلاً، كانت ممر كل من أراد غزو مصر من الحثيين والفرس والمماليك والعثمانيين. ولكن لدواعي الضيق في المساحة، قد يكون من الأفضل أن نُذكر بأحداث العقود الماضية، وهي الأكثر حضوراً في الذاكرة. فارتدادات حرب فلسطين أصابت البلدين بنفس المقدار. وسلسلة الانقلابات العسكرية التي بدأت لأول مرة في العالم العربي، في سوريا، في العام 1949، مهدت لثورة الضباط الأحرار في مصر في 1952. والخرق المصري باتجاه إنشاء علاقات مع المعسكر الشرقي، عبر صفقة الأسلحة التشيكية 1955، مهد لخرق سوري مشابه. والوحدة المصرية-السورية، والمفاهيم السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أدخلتها، ثم المواجهة المشتركة مع إسرائيل، هي مجرد أمثلة أخرى.
ولو أردنا اليوم وضع قائمة بالتهديدات الكبيرة التي تتعرض لها كل من سوريا ومصر لوجدنا، باستثناء تفاصيل تتعلق بخصوصية وضع كل بلد، تشابهاً كبيراً. فمن خطر الإرهاب التكفيري، ممثلاً بتنظيم «داعش» ومايشابهه، مروراً بالخطر الذي تشكله "جماعة الإخوان المسلمين"، والمنظمات المرتبطة بها، وصولاً إلى طموحات التوسع والهيمنة التركية «الأردوغانية».
وفي الحقيقة، تبدو هذه الأخطار، مرتبطة ببعضها البعض بشكل عميق. فالإرهاب التكفيري إنما انتشر، في السنوات الأخيرة، مستفيداً، بشكل رئيسي، من امتطاء جماعات الإسلام السياسي لموجة الربيع العربي، ومن تقديم هذه الجماعات خطاباً معادياً للعلمانية والقومية العربية، ممزقاً للتركيبة الفسيفسائية للمجتمعات العربية، ومبشراً بحكم الإسلام – وفق تصورهاالخاص لهذا الإسلام. وعندما فشلت هذه الجماعات في السيطرة على الشارع العربي، تغير الخطاب ليتحدث عن العداء للإسلام والإفتاء بوجوب القيام على الحُكام، فكان الإرهاب الذي نراه اليوم.
ولعله من نافل القول التذكير بأن هذه الجماعات الإسلامية، سواء في مصر أو سوريا أو ليبيا أو تونس أو حتى اليمن، قد وجدت في حزب العدالة والتنمية، الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان، الحليف والراعي المنتظر. فاستعانت به وبالدعم الإعلامي والمالي، وفي بعض الحالات بالدعم المخابراتي والتسليحي، كما استعان بها أردوغان، الذي وجد فيها أداة جديدة لنشر الهيمنة التركية على المنطقة عبر دعم وصول هذه الجماعات الإسلامية إلى الحكم في أكثر من بلد عربي.
ولم يقتصر التوجه التركي هذا على دعم «الأحزاب» الإسلامية السياسية، بل شمل أيضاً الجماعات ذات الممارسات التكفيرية الصريحة مثل «جبهة النصرة»، المرتبطة بالقاعدة والنشطة في سوريا، ومثل تنظيم «داعش» المنتشر في عدة بلدان عربية.
ولا يخفى أن تركيا تحولت إلى ممر رئيسي«للجهاديين» الراغبين بالانتقال إلى سوريا، للانضمام إلى داعش وغيرها. وكانت تركيا أيضاً المعبر الذي عبر من خلاله بعض المصريين إلى سوريا حيث تدربوا على القتال، وحروب العصابات، وأساليب بناء وإدارة التنظيمات، وعادوا بعد ذلك إلى مصر– كماظهر في اعترافات العديد من الإرهابيين الذين قبض عليهم مؤخراً. وتركيا ليست غافلة عن حركة الدخول والخروج هذه، فهي تنفذ رقابة صارمة، والاعتقال كان جزاء من يحاول أن يعزف ألحانه الجهادية منفرداً – فلم يستطع أحد أن يعود من سوريا عبر تركيا إلى أوروبا، مثلاً، بينما عاد المئات إلى مصر وليبيا وغيرها من البلدان العربية.
إذاً تواجه مصر وسوريا نفس الأعداء والتهديدات، وهذا، في الحقيقة، نتيجة أخرى لموروثات التاريخ والجغرافيا والثقافة. مصر وسوريا يواجهان أخطاراً أخرى، بالطبع، ولكن هذه الأخطار الثلاثة، المتشابكة، تأتي في الصدارة. والمواجهة الناجحة لهذه الأخطار تتطلب تعاون البلدين، ليس فقط لأن الأعداء المشتركين ينسقون كل خطواتهم، بل لأن تقهقر أيّ من البلدين، في هذه المواجهة، سيجعل المواجهة أصعب بكثير على البلد الآخر – تخيلوا أن تتضاعف المساحة التي تسيطر عليها التنظيمات التي تولت تدريب المصريين في سوريا أو أن تتضاعف مخزونات تلك المنظمات من الأسلحة والمتفجرات؟
لهذه الأسباب نستبشر، نحن في سوريا، بما يحصل بين مصر وسوريا، من تعاون أمني لاتزال تفاصيله بعيدة عن التداول الإعلامي، لأسباب مفهومة تماماً، ونستبشر أيضاً بما تقوم به مصر حالياً من محاولات لرأب الصدع وتقريب وجهات النظر بين الحكومة السورية ومعارضيها.
وفي الحقيقة، لقد ظهرت البوادر الإيجابية منذ ترأست مصر القمة العربية واللجنة المكلفة بمعالجة الأزمة السورية، ولاسيما عندما صدر البيان الختامي للجامعة العربية الذي أظهرت فقراته الخاصة بسوريا اتزاناً كبيراً وابتعاداً عن المواقف المتطرفة، وغير البناءة، التي تم اتخاذها في قمتي بغداد والدوحة.
إذا ما قدمت سوريا معلوماتٍ أمنية لمصر، فهي تفعل ذلك لكي تحمي أمنها هي وأمن الإقليم؛ وإذا ما سعت مصر لاجتراح حل سياسي بين الحكومة والمعارضة، في سوريا، أو استخدمت ما تملكه من نفوذ، ودبلوماسية، لتبريد بعض الرؤوس العربية الساخنة، فهي تفعل ذلك لكي تحمي أمنها هي وأمن الإقليم.
نعم، نحن نستبشر بما بدأنا نراه ولكننا نطالب بالمزيد لأن الأخطار من حولنا أكبر من أي وقت مضى.

 

محمد صالح الفتيح:  "المصري اليوم"

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...