حول أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الليرة السورية ما هو سعر الصرف «الفعلي»؟

28-11-2011

حول أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الليرة السورية ما هو سعر الصرف «الفعلي»؟

لقيت أسعار الصرف اهتماماً كبيراً خلال الفترة الماضية وحتى اليوم لدى جميع الأوساط المعنية بالشأن وغير المعنية، وأصبح الحديث عن سعر الدولار واليورو جزءاً من العادة اليومية عند التواصل بين مختلف مكونات المجتمع السوري، حتى يخيل لك أن الليرة السورية معومة (يتحدد سعرها وفق قوى السوق – العرض والطلب-) بينما الحقيقة بعيدة عن ذلك، فنحن أمام سعر صرف مدار، على المستوى الرسمي، على حين تبدو الصورة مختلفة كلياً في السوق غير النظامية والتى تسمى «السوق السوداء» والتي يتحدد فيها سعر الصرف «الحر» للدولار واليور وغيرها من العملات المتداولة على أسس ترتبط بالعرض والطلب يكتنفها الغموض أحيانا، وتستفز العديد من الأسئلة في معظم الأحيان.
 
وسعر الصرف الحر يتقلب من دقيقة إلى أخرى حسب مستويات العرض والطلب، او الظروف الاقتصادية والتطورات السياسية، وهذا ما يلمسه المواطن يومياً في السوق، دون اكتراث بما ينشره المصرف المركزي من أسعار صرف رسمية تكاد تكون المصارف وحدها الملزمة فعلياً بالتقيد بها.
ومن جهة يتساءل العديد من المراقبين، وقد أصبحوا كثراً بحكم الظروف، عن القيمة الحقيقية لليرة السورية، وسعر صرفها أمام الدولار واليورو، خاصة عند الحديث عن سعر صرف رسمي للدولار بالكاد يتجاوز 50 ل.س وحر يتقلب بشدة بين 55-57 ل.س وقيمة للدولار قد تتجاوز 60 ليرة سورية قياساً ببعض السلع المبيعة في سورية والتي ارتفعت أسعارها إلى نحو تضخمي، وهذا ما يقتنع به البعض نظراً لواقعيته، فالمواطن هو من يدفع فاتورة انخفاض القوة الشرائية من دخله «الثابت» خلال الأشهر الماضية في ظل ركود تضخمي يضرب اقتصادنا، ينذر بالتحول إلى انكماش حاد مع تضخم قياسي، تتأثر به الليرة السورية يومياً.
وهنا تأتي أكثر النظريات المتعلقة بسعر الصرف شهرة لتوضح ارتباط سعر صرف العملة بالقوة الشرائية لهذه العملة في بلد والقوة الشرائية للعملة المقابلة مرتبطة بالقوة الشرائية لها في بلدها، ولهذا جهدنا لتوضيح كل ما هو مرتبط بهذه النظرية عبر المراجع العملية المتخصصة وتقديمها لقرائها بصيغة أقرب إلى الأكاديمية كما عودتهم دائماً.
تنقسم الأدبيات الخاصة بكيفية تحديد سعر الصرف الحقيقي إلى ذلك الجزء الذي ينظر إليه باعتباره يتحدد عن طريق التوازن الاقتصادي الكلي، وإلى الجزء الذي ينظر إليه باعتباره يتحدد كسعر نسبي بين السلع القابلة للاتجار عن طريق توازن الاقتصاد الجزئي. ويستخدم الجزء المرتبط بتوازن الاقتصاد الكلي عند مناقشة الأمور المتعلقة بالدول المتقدمة على حين يتم استخدام الجزء المرتبط بتوازن الاقتصاد الجزئي عند التطبيق على دول التحول الاقتصادي ودول الأسواق الصاعدة.
ويتحدد سعر الصرف التوازني عند المستوى الذي يحقق التوازن الداخلي والخارجي، وفي نفس الوقت يحقق التخصيص الأمثل للموارد الاقتصادية بين قطاعي السلع القابلة للاتجار وغير القابلة للاتجار.

سعر الصرف الفعلي المتعدد الأطراف
قد نجد أحياناً أن سعر الدولار ينخفض بالنسبة لعملة ويرتفع بالنسبة لعملة أخرى ويبقى ثابتاً بالنسبة لعملة ثالثة، والسؤال هنا، هل ارتفع سعر صرف الدولار في المتوسط أم انخفض؟ وما حدود التقلبات في سعره؟ هذا الأمر قد شجع الاهتمام بإنشاء مؤشرات تقيس إلى حد ما، متوسط التغير في سعر الصرف لدولة ما مقابل جميع العملات الأخرى بالاستناد إلى فترة الأساس وهي عبارة عن رقم قياسي أو متوسط سعر الدولار قياساً إلى سلة عملات أجنبية، تعطى كل عملة وزناً أو ترجيحاً معيناً طبقاً لأهميتها في التجارة الدولية، وبحيث يكون مجموعة الأوزان في السلة مساوياً للواحد الصحيح.
يعتمد هذا المفهوم على نظرية تعادل القوة الشرائية التي تم تطويرها في البدء على يد الاقتصادي السويدي «غوستاف كاسل» التي اكتسبت مزيداً من الاهتمام في مطلع عقد السبعينيات.
ويستند المنطق في هذه النظرية على عدة عوامل، منها توقف قيمة العملة الوطنية الورقية الإلزامية داخل الدولة على قدرتها في طلب البضائع والخدمات. فكلما ازدادت القوة الشرائية للعملة الوطنية كلما ارتفعت قيمتها.
وتتحدد القيمة الداخلية للعملة الوطنية، من وجهة نظر دولية، بقوتها الشرائية في السوق المحلية، وعلى هذا فإن سعر الصرف بين العملات المختلفة، يتأثر بمستويات الأسعار الداخلية. فانخفاض القوة الشرائية للعملة في الداخل، يؤدي عن طريق عرقلة الصادرات وتشجيع الواردات إلى زيادة عرض هذه العملة، ونقص الطلب عليها في سوق الصرف الخارجي، وانخفاض قيمتها الخارجية تبعاً لذلك. وبعبارة أخرى فإن أي انخفاض في القيمة الداخلية للعملة، يترتب عليه انخفاض قيمتها الخارجية، أي قيمتها بالنسبة للعملات الأجنبية.
وقد رأى كثير من الاقتصاديين وعلى رأسهم الاقتصادي السويدي (غوستاف كاسل) أن سعر الصرف يتحدد في نظام العملة الورقية حسب تعادل القوى الشرائية داخل الدولة وخارجها. ذلك أن الأسعار الداخلية التي تتأثر إلى حد كبير بالقوة الشرائية للنقود، هي التي تحدد سعر الصرف الخارجي. وذلك يعني أن هذا الصرف محكوم بالأسعار الداخلية، وأن صرف أي عملة دولة بعملة دولة أخرى يتحدد بمستويات الأسعار في كل من الدولتين، ويطلق عليه حد تكافؤ القوى الشرائية. فإذا كانت الليرة السورية تستبدل باليور الأوروبي، فإن الذي يستبدل في الحقيقة، هو السلع والخدمات السورية نظير السلع والخدمات الأوروبية. وإيضاحاً للفكرة التي تقوم عليها النظرية، نفترض أن الين الياباني يساوي (2.5) ليرة سورية، وأن كمية السلع التي يمكن شراؤها بعشرة آلاف ليرة في القطر، تعادل تقريباً كمية السلع التي يمكن شراؤها بأربعة آلاف ين في اليابان، عندئذ تتفق النسبة تماماً بين مستوى الأسعار في الدولتين، مع النسبة بين سعر الصرف لليرة السورية والين في اليابان، أو بعبارة أخرى بين القوة الشرائية لليرة السورية، والين في اليابان، مع سعر الصرف السائد بين العملتين، وهو 1ين = 10000/4000= 2.5 ليرة سورية.
وسبب ذلك أن البنوك اليابانية لا تشتري السندات المسحوبة على المدينين السوريين، من قبل المصدرين اليابانيين، إلا بقصد بيعها للمدينين اليابانيين، الذين يريدون أن يسددوا ما عليهم من التزامات الدائنين في سورية، وعليه فإن السعر الذي تشتري به البنوك هذه السندات من المصدرين اليابانيين، يتوقف على السعر الذي يقبل المستوردون اليابانيون بدفعه مقابل الحصول على سندات مسحوبة على سورية، ولما كان المستوردون يريدون الحصول على هذه الحوالات، بغية شراء السلع السورية، فسيتوقف السعر الذي يرتضون به شراء الليرة السورية على مقدار ما تستطيع الليرة أن تشتريه في سورية مقارنة بما يستطيع الين أن يشتريه في اليابان.
فإذا تبين أن الكمية من السلع التي يمكن شراؤها بعشرة آلاف ليرة في سورية، تزيد عما يمكن شراؤه بأربعة آلاف ين في اليابان، وتعادل تقريباً ما يشتري بـ(150) يورو، فإن هذا دليل على أن سعر الصرف الحالي لا يستقيم مع مستوى الأسعار اليابانية، بالقياس إلى الأسعار الداخلية في سورية، ويدعو هذا الوضع إلى انصراف المستوردين في سورية عن الاستيراد من اليابان في حين يقبل المستوردون اليابانيون الاستيراد من سورية، فيقل الطلب على العملة اليابانية بالنسبة للمعروض منها، وينخفض سعر الين بالنسبة لليرة السورية ويستمر في الانخفاض حتى يصبح الين الياباني معادلاً لـ2 ليرة سورية.
فيتضح من ذلك أن القيمة الداخلية للعملة أو قوتها الشرائية داخل الدولة تؤثر في قيمتها الخارجية أي على السعر الصرف، بحيث يمكن القول إن سعر الصرف بين عملتين سيتحدد بحيث تكاد تتعامل القوة الشرائية الداخلية لكل منهما، أي العلاقة بين الأسعار السائدة في كل من البلدين.

نظرية تعادل القوة الشرائية...
في حال التضخم الحاد يكون التغيير في الأسعار النسبية العامل المهيمن على سعر الصرف الحقيقي

بموجب هذه النظرية يعتبر سعر الصرف الفعلي هو السعر النسبي بين عملتين والذي يجب أن يتحدد، في حالة التوازن على أساس القوة الشرائية النسبية لهاتين العملتين.
ويمكن التمييز بين تعادل القوة الشرائية المطلق والذي هو عبارة عن نسبة السعر بالبلدين وتعادل القوة الشرائية النسبي أو حاصل سعر الصرف في فترة الأساس ونسبة الأرقام القياسية للأسعار بالبلدين. ومن الممكن وضع رقم قياسي للسعر النسبي والذي هو عبارة عن سعر الصرف الفعلي ولكن بعد تعديله لاستخدامه في الحكم على التقييم المنخفض أو المفرط لعملة بالقياس إلى فترة الأساس.
لشرح هذه النظرية، نفرض أن المجموعة نفسها من السلع وسعرها في سورية 100 ليرة، وفي اليابان 20 يناً، ولنفرض أيضاً أن سعر صرف الين = 5 ليرات سورية. ما الذي يحصل، إن اختلف معدل التضخم بين البلدين؟
لنفرض أن معدل التضخم في اليابان بات يشكل 10%، بينما في سورية 35%، وللتذكير نشير إلى أن نظرية تعادل القوة الشرائية تفترض أن أسعار الصرف تتعدل لتوازن التفاوت في معدلات التضخم بين الدول التي تتاجر فيما بينها، بطريقة يستعيد معها ميزان المدفوعات توازنه، وبناء على ما تقدم من تغير في معدلات التضخم سوف يكون سعر الصرف الجديد بين العملتين، التالي:
سعر الصرف الجديد = (مؤشر الأسعار في سورية/ مؤشر الأسعار في اليابان) × سعر الصرف في سنة الأساس
وبفرضية أن كل 5 ل.س= 1 ين ياباني، أو 1 ل.س = 0.20 ين ياباني، وأن الرقم القياسي للسعر لنفس المجموعة من السلع 100 ليرة في سورية و20 يناً في اليابان تكون قيمة السلع اليابانية بالنسبة للمستهلك السوري= 20 يناً: 0.20= 100 ل.س.
ويكون هناك تعادل نسبي في سعر الصرف للعملتين في كلا البلدين إن تعادلت القوة الشرائية لـ20 يناً. وتفترض النظرية لصحتها وفاعليتها فرضيتين أساسيتين، أولاهما عدم إخضاع عمليات تحويل النقود من بلد إلى آخر لأي قيود، بل يشترط أن تكون حرة. وهذا أمر غير متوفر في معظم دول العالم بالوقت الحالي، والثانية تفترض أن التجارة الدولية لا تخضع لأي قيود، وهذا أمر غير متوافر في كل دول العالم بالوقت الحاضر، حيث تنظم الحكومات تجارتها الدولية بطرق متباينة.
لذلك يمكن القول إن نظرية تعادل القوى الشرائية صحيحة من الوجهة النظرية، إلا أنه غير معمول بها في معظم الحالات بين الدول، نظراً لأن شروط تطبيقها غير متوافرة. فهناك كثير من التحفظات على هذه الطريقة. إلا أن عدد مهم من الباحثين وصلوا إلى تعليق مهم حول تعادل القوة الشرائية يقر بأن سعر الصرف الحقيقي يمكن أن يتغير عن طريق تغيير سعر الصرف الإسمي دون وجود ضرورة لحدوث ذلك بسبب التغييرات في مستويات الأسعار النسبية. وإذا أخذنا هذه الملاحظات في الحسبان، فإن مبدأ تعادل القوة الشرائية يكون صحيحاً فقط عندما تعاني دولة ما من حدوث صدمة كبيرة في مستوى الأسعار الخاصة بها، وعندئذ يمكن للتغيير الحادث في الأسعار النسبية أن يهيمن على العوامل الأخرى التي تؤثر على سعر الصرف الحقيقي للدولة. وهذه أفضل مقاربة للوضع السوري الحالي.

علي نزار الآغا

المصدر: الوطن

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...