جزيرة تونسية تبيع البحر وتؤجره

30-03-2015

جزيرة تونسية تبيع البحر وتؤجره

تعتبر جزيرة قرقنة في محافظة صفاقس جنوب تونس، المكان الوحيد في العالم الذي يحقّ فيه للأشخاص امتلاك «قطعة بحر» بالوثائق القانونية والتقسيمات الحدودية، حيث يباع البحر ويُشترى أو يؤجّر في مزادات علنّية.
وتبعد الجزيرة عن سواحل مدينة صفاقس مسافة 20 كيلومتراً، وتمتدّ من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي على مسافة 35 كيلومتراً، ولا يتجاوز عرضها الخمسة كيلومترات.
ويعود امتلاك البحر في قرقنة إلى آلاف السنين، بحسب أستاذ التاريخ في جامعة صفاقس عبد الحميد الفهري، الذي يؤكّد أنّ «هناك نصوصاً تعود إلى القرن الثاني الميلادي خلال الوجود الروماني، وتتحدّث عن الصيد بالحواجز البحرية في جزيرة جربة وجزر الكنايس وجزيرة قرقنة والشابة واللوزة، وهو ما يؤكّد وجود التقسيمات والأملاك البحرية في تلك المرحلة».
ويقول «لدينا إشارات كافية تعود إلى القرن الثاني عشر والقرنين الخامس والسادس عشر، تؤكّد وقوع هجوم لأهالي البر على جزيرة قرقنة للاستيلاء على الممتلكات البحرية، ما دفع بالأهالي، حينها، إلى تقديم شكوى للباي - (مراد الثاني حكم من العام 1662 إلى 1675) - العام 1662 ليأمر بتحويل الملكية البحرية إلى ملكية مثبتة معترف فيها لدى السلطة آنذاك. فأصبحت العائلات، منذ ذلك التاريخ، تسجل ممتلكاتها البحرية (وثيقة الملكية الشرفية) تماماً مثلما تسجل ممتلكاتها البرية».
ويوضح أنّ تسمية «الشرفية» أطلقت على تلك الوثيقة باعتبارها «شرفاً للعائلة المالكة».
كما يؤكّد أنّ التعرّف على الحدود بين مختلف الممتلكات البحرية يتمّ بواسطة «الترش»، وهي عبارة عن ربى صغيرة في البحر تغطّيها الأعشاب البحرية، ويمثل «الواد»، وهو مجرى بحري، نقطة اعتماد لتحديد مواقع الأملاك البحرية.
ووفقاً للفهري فإنّ الملكيات البحرية تُستغل لنصب ما اصطلح البحارة على تسميته: «الشرافي»، وهي طريقة صيد تقليدية مهدّدة بالتلاشي، وتتمثّل في وضع مسالك ومساحات يحدّها من الجانبين سياج من جريد النخل المغروس في البحر بطرق مدروسة. ويشرف عليها خبراء في هذا الميدان لهم معرفة دقيقة باتجاه الرياح والأمواج ووجهة الأسماك عند المد والجزر حتى يسهل الإيقاع بها حيث يتبع السمك جانبي الجريد حتى يدخل حلقة كبيرة تسمى لدى البحارة «الدار»، وتبلغ مساحتها 200 متر مربع. وثم يجد السمك نفسه مجبراً على دخول «البيوت»، ومن ثم إلى «الدراين» (جمع درينة، تصنع من السعف وتمثل وسيلة تقليدية لاصطياد السمك).
ويتطلب بناء الشرفية الواحدة ما بين ستة إلى ثمانية آلاف وحدة من جريد النخل، وتبلغ كلفة صيانتها السنوية حوالي 2500 دولار.
ويعتبر ارتفاع تكلفة بناء الشرفية وصيانتها، إلى جانب تفاقم ظاهرة الصيد العشوائي، من العوامل التي أدت إلى تقلص عدد المصائد بـ «الشرافي» وتدني مردودها.
ويقول إن «كل المعاهد التي تدرّس قانون ملكية البحر، تعتمد جزيرة قرقنة نموذجاً، لذلك لا يمكن أن نشطب هذا التراث العظيم والكبير».
يشار إلى أن الإنتاج السنوي من السمك في أرخبيل قرقنة يبلغ ثمانية آلاف طن، فيما يبلغ عدد المراكب المتواجدة هناك، حوالي خمسة آلاف مركب، بطاقة تشغيلية فاقت الستة آلاف بحار.
ويقترح عدد من الخبراء والمسؤولين في مجال الصيد البحري بعض الحلول للمحافظة على خاصية «امتلاك البحر» على غرار إمكانية تطبيق تجربة «بيسكا توريزمو» التي لاقت نجاحاً كبيراً في كل من إيطاليا وتركيا. وتعتمد هذه الطريقة على اشتراك البحارة والسياح في عملية الصيد بالشرافي، وهو ما يؤمن لهم دخلاً إضافياً، كما تساهم هذه الطريقة في إقبال الشباب على الصيد بالشرافي، وهو ما سيؤمن تواصلها عبر الأجيال.
ويقول رئيس النيابة الخصوصية في بلدية قرقنة فتحي بوزرارة إنّ «الأملاك البحرية تعاني، اليوم، من بعض الفوضى باعتبار تفرّع الورثة وتشتت الأملاك في ما بينهم، بالإضافة إلى وجود دخلاء يسطون أحياناً على أملاك غيرهم، وهو ما يصل أحياناً إلى درجة رفع شكاوى قضائية».


 («الأناضول»)

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...