تل أبيض بين «النصرة» وانتشار زراعة الحشيش

03-06-2013

تل أبيض بين «النصرة» وانتشار زراعة الحشيش

ماتت الكاتبة الإنكليزية آغاثا كريستي، ولم يعد مقام النبي إبراهيم يحرس نبع عين العروس ويبارك المياه المتدفقة منه. قضت كريستي شهر عسلها، عام 1937، في مدينة تل أبيض، وخطت أناملها في ظل بساتين المدينة حروف كتابها «قل لي من أنت، أقل لك كيف تعيش؟»، الذي خصصت فيه فصلاً طويلاً حمل عنوان: الطريق إلى الرقة.

المنطقة تغيّرت. هُدم المقام وزالت قدسية المكان، وانتهى موسم السياحة الدينية. فعلها الأمير أبو أحمد وأمر الجرافات باقتلاعه وتسويته بالأرض، «فهو بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار»، وقد أراد إعتاق أهل مدينة تل أبيض من النار.
الأمير الجديد لجبهة النصرة، أبو مصعب، بعد إقالة أبو أحمد، اعتبر أن المقام بعيد عن ديننا، «فالمسلم» يناجي ربه دون وسيط ولا حاجة إلى مثل هذه الأمور»، مشدداً على أن «هدم المقامات ليس من سياسة الدولة، وما حدث كان تصرفا فردياً».
يرفرف علم «الثورة السورية» على سارية البوابة الحدودية التي كانت تسيطر عليها كتائب «الفاروق»، لتنتهي هذه السيطرة بهروب عناصر الكتيبة إلى تركيا منذ أيام بعد قتلهم أحد أفراد «جبهة النصرة»، وتفجير أخيه نفسه بحزام ناسف وسط تجمع لهم. ويروي عضو تجمع «شباب تل أبيض»، الناشط ماهر العايد، أن حركة «أحرار الشام الإسلامية» أعلنت سيطرتها على البوابة، وأنهت بذلك حقبة كتائب «الفاروق»، ووقعت اتفاقيات مع السلطات التركية بغية تفعيل التبادل التجاري، وتوحدت كتائب «الجيش الحر» العاملة في المدينة، وعددها 17 كتيبة، تحت اسم لواء «المصطفى».
أما «جبهة النصرة» فقد تم إعفاء أميرها أبو أحمد، واعتقاله بعد هدمه للمقام، ومصادرته محصول شعير الآغا آكوب صاغتليان الذي ينحدر من أسرة أورفلية عريقة، ومعروف بمساعدته للفقراء والمحتاجين، وقد لاقى هذا التصرف استياء أهالي المدينة لما للآغا من مكانة في نفوسهم، وتم تشكيل وفد للاعتذار منه وإعادة المحصول إليه.
الأمير الحالي للجبهة، أبو مصعب، يؤكد أن ما قام به أبو أحمد مخالف لتعليمات «دولة العراق والشام الإسلامية» ونهجها، فالاعتداء «على أموال المسيحيين مرفوض في نهج الدولة»، حيث عمّمت أوامر بعدم الاعتداء على أموال المسيحيين إذا التزموا الحياد بعدم مناصرة النظام وأعوانه.
تسير الحياة بشكل اعتيادي في مدينة تل أبيض وقراها، وعاد مطعم «الكايد» إلى العمل مجدداً، وهو الذي يُقدم «أطيب كباب» في محافظة الرقة. أينما تنقلنا نرى بسطات الأسلحة في الشوارع تباع، أما تجارة السيارات فهي الرائجة حالياً، والمئات منها تباع يومياً بأسعار مناسبة.
ولم يعد المواطن مضطراً إلى دفع ضريبة الرفاهية، ويتم إيصال الخبز إلى المنازل عبر مندوبي الأحياء بعدما قامت هيئة «أهل الأثر» الخيرية بتزويد المدينة بمطاحن آلية، والكهرباء تعتمد على المولدات. وعن المياه، تمّ الاتفاق مع منظمة «كونسيرن ورلد وايد» الإيرلندية على توريد مضخات للمياه.
إلا أن الخوف والرعب حالتان لا تفارقان الناس، رغم تشكيل ما يسمى مكتب «أمن الثورة»، بسبب عمليات الخطف والقتل التي تكررت أخيراً، وشملت العديد من أبناء المدينة وناشطيها الذين «يختفون فجأة».
يتدبر المواطنون أمورهم عبر المساعدات التي تقدمها الهيئات الإغاثية والهلال الأحمر السوري، وبعض الأعمال البسيطة كالبيع على بسطات في الأسواق، والتنقل بين تركيا وسوريا وبيع السكر والشاي والدخان. كما ساهم إنشاء «مطبخ تل أبيض الإغاثي» في التخفيف من الأعباء عن كاهل المواطنين.
نشطت في المدينة 8 تيارات لتسيير شؤون الناس، وهي: «المجلس المحلي»، «تجمع شباب تل أبيض» وهو أكبر التيارات الموجودة، «ملتقى سوريا للجميع»، «جمعية أنا هي»، «مكتب شهداء الثورة»، «مركز إعانة المرأة»، «مركز اشتي ميديا» و«الأعيان» الذي يضم كبار العشائر ووجهاءها، كما يتم إصدار صحف شبه دورية حسب الإمكانات المتوفرة وهي «الملتقى»، و«منبر الحرية».
وشكّلت البوابة على الحدود التركية السورية «الحضن» المساعد للحركة التجارية، فلا رسوم جمركية تدفعها السلطات التركية، والمواد الغذائية والسيارات والأدوات الكهربائية تدخل إلى المدينة عبرها. بالمقابل، يخرج القطن والقمح إلى تركيا أيضاً عبرها، والنفط الذي جلبت له مصاف خاصة متنقلة من تركيا. كما نشطت حركة التهريب جداً، وبلغ سعر صرف الليرة التركية 83 ليرة سورية بعدما كان 28 ليرة قبل الأزمة.
العامل الجديد الذي دخل إلى المنطقة، أيضاً، زراعة الحشيش التي أخذت تنتشر في ريف تل أبيض، حيث زرع الكثير من الفلاحين أراضيهم بمحاصيل الحشيش، بغية تهريب المحصول إلى تركيا والعراق، وهذا ما لم تمنعه «جبهة النصرة»، بعكس ما فعله الأكراد في مناطق نفوذهم الواقعة غرب مدينة تل أبيض قرب قرية «جرن أسود» وحتى مدينة «عين العرب»، حيث أحرقوا الأراضي المزروعة بالحشيش واعتقلوا كل من زرعه، في وقت تحوّل فيه مبنى مالية تل أبيض إلى مستشفى يقدم العلاج للمرضى، بإشراف الهلال الأحمر القطري، ومنظمة أطباء بلا حدود، وقامت مؤسسة «الفيصل بلا حدود» الخيرية بتمويل مستشفى «تل أبيض الجراحي».

فراس الهكار

المصدر: الأخبار

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...