باسل الخطيب: نعيش حرباً بمعنى الكلمة تستهدف المواطن السوري وكل حياته

02-02-2012

باسل الخطيب: نعيش حرباً بمعنى الكلمة تستهدف المواطن السوري وكل حياته

إنسان مسكون بالإبداع منذ طفولته، تميز عبر سنوات عدة بإخراج الأعمال الاجتماعية والتاريخية، وأثبت أنه من المخرجين الناجحين في تقديم الدراما على اختلاف أنواعها، له مكانته عربياً ومحلياً، وقد أخرج عدداً من الأعمال العربية، تابع مسيرته في الإخراج بنشاط وحيوية غير معهودين، له مساهمته المشهود لها في إغناء الدراما السورية وانتشارها عربياً.
 
التقينا باسل الخطيب، المخرج المتميز صاحب البصمة الإخراجية الخاصة، والمعروف بقدرته على ضبط الأحرف والكلمات التي يختارها أسلوباً ونمطاً والمشاهد والتفصيلات، المثيرة للجدل لتكشف عن خفايا وقضايا نجهلها.

حاز مسلسل «أنا القدس» تقديراً نقدياً، ولكنه لم يحظ بالجماهيرية الواسعة. ما السبب برأيك؟
المشكلة الرئيسية كانت تكمن في تسويق العمل حيث إن الأغلبية العظمى من الفضائيات العربية لا ترغب في التعاطي مع الأعمال ذات المضمون الوطني والقومي لا إنتاجاً ولا عرضاً، وخصوصاً تلك الأعمال التي تتناول قضايا حساسة ومهمة مثل قضية «القدس» وفلسطين، وهذا يثير تساؤلات عديدة في ظل إخفاق الإعلام العربي، الرسمي والخاص، في أنصاف هذه القضية، وإعطائها ما تستحق من التغطية والمواكبة. في الوقت نفسه تقوم بعض هذه المحطات بعرض أعمال أجنبية، ليست كلها ذات مستوى جيد، تتناول القضية الفلسطينية من وجهة نظر إشكالية. ولكن ما إن يقدم لها أي عمل بإنتاج عربي لائق ومتميز حتى تغلق الأبواب في وجهه لأسباب لم تعد تخفى على أحد، مقابل إغراق المشاهد العربي في عوالم افتراضية تنأى به عن واقعه وقضاياه المصيرية. مسلسل «أنا القدس» وإن لم يحظ بفرصة العرض التي يستحقها إلا أنه استطاع استقطاب جمهور كبير، وخصوصاً في سورية وفلسطين ومصر ولبنان. وقد ترافق عرضه مع تغطية إعلامية واسعة. «أنا القدس» من المسلسلات التي لا يرتبط عرضها بموسم وتوقيت محدد، فهو وثيقة درامية وفنية تبقى محتفظة بقيمتها للمستقبل.

يؤخذ على كثير من أعمالك بما فيها «أنا القدس» الإيقاع الهادئ والبطء، ألا ترى أن بعض الموضوعات لا تحتمل مثل هذا الإيقاع؟
أنا لست مع وجهة النظر هذه لأنها غير دقيقة ومرتبطة بآراء مسبقة ليست موضوعية. ليس في الفن إيقاع بطيء وآخر سريع، هناك إيقاع مؤثر أو غير مؤثر. لنتفق أولاً على مفهوم الإيقاع. الإيقاع الذي أعمل على بنائه داخل المسلسل يميل إلى العمق والتأمل ويرتبط بتصاعد غير نمطي للأحداث وتشويق درامي غير مبتذل. الإيقاع أحد أهم عناصر العمل الفني، وهو موجه بالدرجة الأولى للتواصل مع الجانب العاطفي عند المتلقي لأن الفن يخاطب العواطف ثم العقول. وأنا أعمل انطلاقاً من هذا.

يعاني الإنتاج الدرامي هذا العام تراجعاً، ما السبل التي تراها قادرة على الخروج من الأزمة؟
هي ليست مجرد أزمة، إنها حرب بكل معنى الكلمة، تستهدف المواطن السوري أولاً. حرب أثرت في كل جوانب حياتنا. أثرت بشكل واضح في الإنتاج الدرامي وهذا أمر مفهوم أمام تراجع رأس المال المحلي وعزوف جهات عربية أخرى عن الإنتاج في سورية بسبب المقاطعة. الدراما السورية اليوم، كما سورية، في حالة حصار واضحة وملموسة لا يمكننا تجاهلها أو التغاضي عنها. بالتأكيد لن يكون الإنتاج هذا العام كالأعوام السابقة. الظروف الراهنة لها انعكاساتها على الجميع. الفنان السوري جزء من المجتمع الذي يعيش فيه، يتأثر بكل ما يحدث حوله. والإنتاج الدرامي كأي قطاع اقتصادي آخر سوف يتأثر بما يحدث. نتمنى أن نجتاز هذه الأيام العصيبة وأن تستعيد الدراما السورية موقعها. المهم اليوم ألا نتوقف عن العمل فهو القاسم الأساسي الذي يجمعنا، العمل جزء من هويتنا وثقافتنا وحضورنا الإنساني. ولكي تستطيع الدراما السورية الخروج من أزمتها نحن بحاجة إلى أن تعود الأمور في سورية إلى وضعها الطبيعي الذي كان قد رسّخ مناخاً استثنائياً للعمل في الماضي. وأن يبادر الجميع، كل من موقعه، كتاب، فنانون، منتجون، ومخرجون إلى السعي لتقديم أفضل ما لديهم، فالتحديات أمام صناع الدراما في المستقبل ستكون مختلفة لأن مستوى المواضيع يجب أن يكون مختلفاً وأكثر جدية وراهنية وشفافية، الدراما السورية كانت دائماً انعكاساً حقيقياً لما يحدث في الشارع السوري وتعبيراً صادقاً عن واقعه.

مسلسلا «رسائل الحب والحرب» و«الخريف» من أكثر أعمالك تأثيراً في المتلقي، ما السبب؟
مسلسل الخريف مستوحى من قصة حقيقية عشتها وكنت بشكل أو بآخر شاهداً على أحداثها وهذا ما ساعد على تحقيق حالة من الصدق الفني الذي لعب دوراً كبيراً بالتأثير في المشاهد. أما مسلسل رسائل الحب والحرب فهو من الأعمال التي تركت صدى كبيراً عند الجمهور، وهو يشكل نموذجاً للعمل الفني الذي توافرت له أفضل الشروط ابتداءً من السيناريو المتميز والممثلين المبدعين والإنتاج الجيد وكل العناصر الفنية الأخرى. من ناحية أخرى تميز العمل بطرح جريء من خلال مقاربته لمواضيع حساسة وغير مسبوقة على النحو الذي قدمها المسلسل.

ما تقييمك لوضع الدراما السورية هذا الموسم وفي ظل الأزمة؟
من المبكر الحديث عنها لأن الإنتاج اليوم محدود وغير مكتمل. وإذا كان هناك مسلسلان أو ثلاثة يتم تصويرها فهي لا تشكل حركة إنتاج كافية ولا يمكن التحدث عن أي نتائج قبل مشاهدة هذه الأعمال.

نجد أن القضية الفلسطينية موجودة بأغلب أعمالك؟
انتمائي الوطني يحدد بدرجة كبيرة طبيعة المواضيع والأفكار التي أقدمها. خلال سنوات عملي بالدراما السورية قدمت الكثير من المواضيع التي كنت أرغب بالعمل عليها سواء كانت تاريخية أم اجتماعية أو غيرها، في فترة لاحقة أصبح لدي توجه للأعمال الوطنية وعندما نريد الحديث عن هذه المواضيع تبرز القضية الفلسطينية بامتياز فرغم كل الظروف التي نعيشها في الوطن العربي ستبقى فلسطين المحور الرئيسي في صراعنا الإنساني والحضاري. وبغض النظر عن المواقف السياسية العربية المتباينة تجاه فلسطين، فإن العلاقة تجاه هذه القضية كانت ولا تزال وستبقى المؤشر الفعلي إلى عافية هذه الأمة من عدمها.

ما الأسباب التي دفعتك لرفض إخراج جزء ثان من مسلسل «الغالبون» رغم النجاح الذي حققه الجزء الأول؟
اكتفيت بما أنجزته في الجزء الأول. أسعدني كثيراً النجاح الذي حققه «الغالبون» وأنني قدمت جانباً من هذه الملحمة البطولية والإنسانية، ملحمة الإنسان اللبناني المقاوم من أجل حرية وطنه. آثرت ألا أكمل العمل في الجزء الثاني لاعتبارات كثيرة، لكنني أتمنى التوفيق للعاملين فيه والاستفادة من صعوبات التجربة الأولى.

هل لديك مشروعات جديدة ستدخل من خلالها إلى عالم إنعاش السينما السورية؟
على الرغم من أهمية ما تقدمه الدراما التلفزيونية، إلا أنني على يقين بأن المستقبل سوف ينحاز للسينما. السينما السورية استطاعت رغم إنتاجها المحدود أن تقدم تجارب لافتة، لكنها تجارب لا تؤسس لحركة سينمائية متطورة وفعالة. في سورية كما نعلم جميعاً يغيب إنتاج القطاع الخاص وتبرز المؤسسة العامة للسينما كداعم وحيد للإنتاج السينمائي. فيلمي القادم «مريم» سيكون من إنتاج المؤسسة العامة للسينما وهو الفيلم الروائي الطويل الثاني بعد فيلم «الرسالة الأخيرة» الذي قدمته قبل عشر سنوات، وقدم آنذاك صيغة مختلفة لإنتاج القطاع الخاص، سواء من ناحية المضمون أم الشكل الفني، وقد اعتبره الناقدان المصريان علي أبو شادي وكمال رمزي بمنزلة فيلم «الأرض» السوري.

ماذا عن فيلم مريم؟
الفيلم مكون من مجموعة حكايات متداخلة بينها، تجمعها مصائر الشخصيات الرئيسية التي ينتمي كل منها إلى فترة زمنية محددة من تاريخ سورية المعاصر، بدءاً من عام 1918 وانتهاءً بعام 2011. بهذا المعنى لا يقوم الفيلم على سرد زمني متسلسل وإنما على تمازج الأزمنة وتداخلها. حيث تعكس كل فترة حالة تاريخية نموذجية كان لها تأثير واضح في تشكيل الوعي والوجدان السوري، الأولى مرتبطة بنهاية الحرب العالمية الأولى، نهاية الحكم العثماني لبلاد الشام التي كانت تواجه مستقبلاً غامضاً وخطراً إبان دخول قوات الحلفاء إليها. الفترة الثانية ترتبط بنكسة حزيران عام 1967 وتحديداً اليوم الأخير من الحرب التي تركت نتائجها انعكاسات سلبية وطويلة الأمد في الوعي والذاكرة. الفترة الثالثة سورية مطلع عام 2011 وانعكاسات الزمن الحاضر الذي تتمثل لغته بحلول ومواقف غير أخلاقية في جزء كبير منها. كل هذه الأفكار يتم التعبير عنها من خلال شخصيات نسائية، يباعد الزمن بينها ولكن يجمعهما قاسمان مشتركان. الأول اسم مريم، والثاني أن الحروب بمختلف أشكالها، العسكرية والأخلاقية والنفسية، كانت السبب الحقيقي في تدمير مصائر هذه الشخصيات وحرمانها من أبسط حقوقها في العيش بسلام وطمأنينة.

لماذا مريم؟
اسم مريم يعني باللغة السريانية القديمة: السيدة المعلمة. اختيار مثل هذا الاسم بالتأكيد له دلالاته التعبيرية والمجازية، ولكن ليس الرمزية، لأنني لا أعتقد بالحالة الرمزية في السينما والتلفزيون، فإذا كان للرمزية حضور قوي في الأدب والفن التشكيلي، فإن السينما والتلفزيون، بسبب طبيعتهما المختلفة لا تتحملان الترميز ولكن فيهما مجالاً واسعاً للمجاز والتعبيرية. إن «مريمات» هذا الفيلم عبارة عن شخصيات إنسانية بسيطة وجدت نفسها في سياق تاريخي واجتماعي صعب ومعقد، ومع ذلك كانت كل منهن تحاول مواجهة الوقائع بحيث لا تبقى مجرد ضحية لما يحدث حولها.

هل تعتبر أن الدراما السورية استطاعت أن تتفوق على غيرها من المصرية أو الخليجية؟
لا يمكن لأي دراما في أي بلد عربي أن تلغي غيرها، فالدراما المصرية عريقة ورائدة وقد استفدنا منها كثيراً، ولكن جاء الوقت الذي استطاعت فيه الدراما السورية أن تتفوق وتثبت جدارتها وتقدم اقتراحات على مستوى الأفكار والمواضيع والجوانب البصرية والجمالية ومن هنا كان تميزها وخصوصيتها. أرفض الأحكام ووجهات النظر الضيقة. نحن نتكامل من خلال تعاوننا المشترك الذي قدم نتائج متميزة.

ما جديدك؟
في الوقت الحاضر هناك مسلسلان قيد الدراسة، الأول بعنوان «ليل ونهار» وهو دراما اجتماعية معاصرة تتعلق بمقدمات الوضع الراهن الذي وجدنا أنفسنا فيه، وهو من تأليف شقيقي تليد الخطيب الذي سبق أن تعاونا معاً في مسلسل «أنا القدس». والثاني دراما تاريخية بعنوان «ظلال العاشقين» من تأليف الكاتب اللبناني محمد النابلسي. إضافة إلى فيلم «مريم».

ماذا أعطاك والدك الراحل الأديب والشاعر الكبير يوسف الخطيب؟
أنا مدين بكل ما في حياتي إلى والدي رحمه الله. لولاه ما كنت تمكنت من تحقيق ما حققته ولما كنت أنا على ما عليه اليوم. أمضينا معاً قرابة خمسين عاماً، كان خلالها يقف معي، يمدني بالنصح والمشورة. على المستوى الإنساني علمني الكثير.. أن يكون الإنسان حراً في أعماقه أولاً وهذه الحرية تتحقق بألا ينتظر شيئاً من أحد وأن يعتمد على نفسه ويتحلى بالصبر والجلد في مواجهة الحياة. تعلمت منه أن الإنسان الذي يخون مبدأه مرة واحدة لن يكون بوسعه الحفاظ على علاقة نزيهة تجاه الحياة. على المستوى الآخر أشعاره وقصائده أثرت فيّ ويعود الفضل إليها في السمة الشعرية التي تطبع أعمالي.

نرى أن مسلسلات السيرة الذاتية تستهويك؟
لهذا النوع من الأعمال أهميته لأنه يعرفنا إلى حياة أشخاص مؤثرين لا يزالون من خلال ما قدموه في حياتهم في ذاكرة الناس ووجدانهم. هناك فضول لمعرفة تفاصيل حياة هؤلاء الأشخاص. كل عمل من هذه الأعمال يختلف عن غيره فمسلسل نزار قباني يختلف في مضمونه وتوجهه عن ناصر أو بلقيس أو أسد الجزيرة. كل منها يحمل دلالة معينة فمسلسل نزار قباني لم يكن مسلسلاً تلفزيونياً بقدر ما كان محاكاة شعرية تلفزيونية لحياة هذا الشاعر الكبير. في مسلسل ناصر أردنا أن نتحدث عن الزعيم العربي جمال عبد الناصر وعن التحولات الجذرية التي حدثت في مصر. القاسم المشترك في هذه الأعمال أنها تتيح لنا التعرف إلى عوالم هذه الشخصيات وفي الوقت نفسه وبدرجة لا تقل أهمية، التعرف إلى الزمن الذي كانت تعيش فيه، هذا الزمن الذي لعب دوراً أساسياً في تشكيلها وجعلها على ما كانت عليه.

ديما ديب

المصدر: الوطن 

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...