المواطنون غير المسلمين في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة

02-02-2009

المواطنون غير المسلمين في المجتمعات ذات الغالبية المسلمة

في ضوء الخريطة الأولية للاتجاهات الإسلامية يمكن القول إن تيار المجددين نجح في أن يعبر عن الخبرة المصرية للإسلام مستوعبة المنظومات الفقهية الإسلامية من جهة، وفاعلة فيها من جهة أخرى. لقد كان ما قدمه الفقهاء قبل منتصف القرن الثاني الهجري في ما يتصل بغير المسلمين «لا يعدو شذرات متناثرة. والواقع أن صوغ منظومة للعلاقات الاجتماعية من الناحية الفقهية كانت تحتاج الى وضوح نظري في البداية في مسألة صلة الإسلام بالشرائع الأخرى، ... ونجد هذا التنظير أول ما نجده عند أبي حنيفة (-150 هـ)، وذلك في رسالته العالم والمتعلم...»، ويعود ذلك الى أن الإسلام كان يواجه بأوضاع مختلفة في كل مكان امتد إليه، وعليه كثرت الاختلافات بين الفقهاء حول كثير من القضايا. بيد أن المستقر هو أنهم ما داموا «جزءاً في المجتمع يكون لهم التمتع بخيراته شأنهم في ذلك شأن الفئات الاجتماعية الأخرى، إذ... الناس (بحسب أبي عبيد في الأموال) شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار».
ومع التطور السياسي لمصر ظهر الى جانب التيار الرئيس للخبرة المصرية للإسلام الكثير من الاتجاهات كانت له خطابات مغايرة حول غير المسلمين.

الإسلام السياسي

أولاً: الإخوان المسلمون: يقول الأستاذ حسن البنا في الرسائل نصاً: «لا بأس من الاستعانة بغير المسلمين - عند الضرورة - وفي غير مناصب الولاية العامة»، يكشف النص عن أن إسلامية الحكومة لا تستوعب سوى المسلمين في الأحوال العادية، وتتسع لتشمل غير المسلم عند الضرورة في غير مناصب الولاية العامة. ويعني ذلك «أن حضور غير المسلم في الحكومة الإسلامية موقت، استدعائي، يغلب عليه الاحتياج أكثر ما يجسد الحق الأصيل في المشاركة في السلطة. هذه النظرة تعبر عن «ذمية مستبطنة» إن صح التعبير، ولا يمكن تبريرها بالعودة الى ظروف المرحلة التي ظهرت فيها هذه الآراء. المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين نشأت عام 1928، أي بعد ثورة 1919، وصدور دستور 1923، وهو الذي شهد الولادة الحقيقية للمواطنة، وخطا خطوات متقدمة على طريق بناء الدولة الحديثة التي تستند الى المساواة والحريات.
لقد تراوح الموقف الإخواني من غير المسلمين بحسب اللحظة التاريخية، والبيئة السياسية التي يتحركون فيها، من جانب، كذلك غلبة الاتجاه المحافظ في الغالب الأعم من جانب آخر، على رغم كثير من عبارات التطمين الشفاهية، والاقتراب من الأخذ بمبدأ المواطنة إلا أنها لم ترق الى حسم هذه المسألة في شكل واضح.
ثانياً: الجماعة الإسلامية والجهاد:
(1) الجماعة الإسلامية:
ورد في المراجعات حول نصارى مصر ما يأتي: يقول البعض: «إن نصارى مصر محاربون، وذلك أنهم لا يدفعون الجزية ولأن عهد الذمة تكون الجزية ركناً مهماً فيه فإن العقد يكون منتقضاً، والنصارى هنا يكونون ناقضي العهد. فما هو رأيكم؟
وكانت الإجابة كما يأتي:
«عقد الذمة تكون الجزية ركناً أساسياً فيه في بعض الأحوال، وإلا فإن نصارى تغلب قد عقد لهم الفاروق عمر عقداً أضعف عليهم فيه الصدقة ولم يذكر جزية، أما نصارى مصر فإنهم لم يمتنعوا عن دفع الجزية، بل إنهم ظلوا يدفعونها الى أن أسقطها سعيد والي مصر عنهم لما قرر إدخالهم الجيش ومشاركتهم في الدفاع عن البلاد. واستند في فعله الى فتوى لبعض المتأخرين بأن أهل الكتاب إذا اشتركوا في الدفاع عن بلاد الإسلام سقطت عنهم الجزية، لأن الجزية إنما أخذت منهم نظير دفاع المسلمين عنهم، وأن أبا عبيدة قد رد الجزية لبعض نصارى الشام لما اضطر الى الانسحاب من مدينتهم ولم يدافع عنهم، وهو وجه مقبول في فتوى لبعض المتأخرين. إذاً هم لم يمتنعوا عن أدائها بغض النظر عن صحة هذه الفتوى أو عدم صحتها حتى يوصفوا بأنهم نقضوا العهد. وإنما الذي ألغاها هو حاكم البلاد، ورفض أخذها منهم، وإنهم الى هذا العهد كانوا يدفعونها.
فالعهد قائم لم ينتقض، وحقوقهم كأهل ذمة قائمة، وهم لم يطالبوا بالجزية حتى نقول إنهم امتنعوا، وفارق كبير بين إنشاء عهد نقول إن الجزية من هذا العهد، وبين دعوى نقض عهد تستلزم لإثباتها امتناعاً ومنعاً لم يحدث.
وعليه فهم باقون على عهدهم وذمتهم، وحقوق الذمة ما زالت سارية في حقهم».
(2) جماعة الجهاد:
كان الموقف التاريخي للجهاديين هو أن الأقباط هم «كفار محاربون» كما جاء في كتاب الجامع، حيث ذكر فيه نصاً أن «... إسقاط الجزية عن أهل الكتاب ومساواتهم بالمسلمين بما يعني مخالفة الشروط العمرية يكون عهدهم قد انتقض وعادوا كفاراً محاربين»، ... ويضيف أنه «سواء كان انتقاض عهد الذمة من جهتهم أو من جهة الحاكم الكافر كما صنع الخديوي سعيد ومن تلاه في حكم مصر، فإن هذا لا يؤثر في النتيجة، فالكافر لا يعصم نفسه وماله من المسلمين إلا أمان معتبر من جهتهم»... كما ينتقد كتاب الجامع أخطاء المعاصرين الذين يسقطون أحكام أهل الذمة في دار الإسلام حيث جاء فيه ما نصه «... القول بإسقاط العمل بحكم أهل الذمة في دار الإسلام، والدعوة الى اعتماد مبدأ المواطنة كبديل، وهو ما قامت عليه الدساتير العلمانية الكافرة».
صحيح أن الشيخ سيد إمام في ما يسمى مراجعات الجهاد من خلال كتابه الوثيقة تراجع عن تعبير «الكفار المحرابين»، ... ولم يعد يعتبر «أرواحهم وأموالهم مستحلة»، ... ولا الدساتير الحالية «كافرة»، ... ولا يكفر من يقول بمبدأ المواطنة الوارد فيها بما يتضمنه. وينص في الوثيقة على المساواة بين «المواطنين سكان البلد الواحد في الحقوق والواجبات».
بيد أنه على رغم كل هذا التغيير الإيجابي حول موقف الجهاد من الأقباط إلا أن ضياء رشوان يقول: «تبقى بعض المسائل المحورية التي نحتاج الى مزيد من التوضيح والكشف عن الموقف الحقيقي منها، ويبرز هنا أولاً مصطلح «أهل كتاب غير معاهدين» الذي استخدمه الشيخ لوصف الوضع الحالي لأهل الكتاب في بلاد المسلمين، فهو وضع لا يتسق على الإطلاق مع الأحكام التي اعتمدها في تعامل المسلمين مع أهل الكتاب، فمعروف أنه يعني فقهياً البقاء في حالة حرب معهم وليس حالة ود وإحسان وموادعة كتلك التي فصل الشيخ أحكامها.
وهناك ثانياً، بعض الأحكام المهمة التي تبناها الرجل في كتابه القديم «الجامع»، ولم يتطرق إليها في الوثيقة، وهي تحتاج لإيضاح منه لخطورتها.

الدعويون

أولاً: السلفيون: يميل الاتجاه السلفي الى النصية، وإحياء السنن، ومحاربة البدع والمنكرات. ويتجه خطابه الى استلهام التراث السلفي من خارج السياق المصري، ومن ثم فإن الخبرة المصرية غير حاضرة في خطابه ومن ثم الآخر. وستجد موقفه متى طلب منه إجابة خاصة حول غير المسلم الى أنه سيتراوح بين كتابات فقهية وافدة لا تعبر عن الخبرة المصرية، أو الإسلام السياسي مثل سيد قطب، أو النص في صورته النقية.
ثانياً: الدعاة الجدد: يعطي الدعاة الجدد الأولوية للتقوى والعبادات والمعاملات، ويستعينون بالعلوم الحديثة من علم نفس وتربية لدعم خطابهم الدعوي لذا نجد مفرداتهم حديثة كي تجتذب الشباب. وهم ليس لهم موقف محدد من غير المسلمين ولكنهم أقرب للتعايش العملي الأقرب الى الخبرة المصرية من جهة، والى فقه المجتهدين.

المجتهدون

المجتهدون هم الذين حاولوا في مواجهة ما أثير حول قضايا غير المسلمين أن يقدموا اجتهادات تتجاوز الرؤى التي أعادت النظر في وضع غير المسلمين في مصر، من جهة واستعادة المسار الطبيعي للخبرة المصرية للإسلام كما أسلفنا. وقد تدرج الاجتهاد كما يأتي:
ويُعتبر الشيخ يوسف القرضاوي من أبرز من حاول الاجتهاد ووضعوا الأسس التي تحدد طبيعة العلاقة بين غير المسلمين والدولة الإسلامية، والوظائف التي يمكن أن يتولوها. ويذهب القرضاوي الى أن لأهل الذمة الحق في تولي وظائف الدولة كالمسلمين، إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية كالإمامة، ورئاسة الدولة، والقيادة في الجيش، والقضاء بين المسلمين، والولاية على الصدقات ونحوها من الوظائف الدينية. ويرى أن من علامات تسامح الإسلام قبول أن يتولى الذمي وزارة «التنفيذ» - بمعنى أن يتلقى أوامر الإمام ويقوم بتنفيذها - وليس وزارة «التفويض» - التي يعهد فيها الإمام الى الوزير تدبير الأمور السياسية والاقتصادية والإدارية على النحو الذي يراه.
من بعده تدرج الدكتور محمد سليم العوا في اجتهاده، فبداية قال بسقوط عقد الذمة تاريخياً، حيث قال: «الغالب على الدول الإسلامية المعاصرة أن شعوبها تتكون من نسبة كبيرة من المسلمين، ونسبة أصغر من الذين يدينون بغير الإسلام من المسيحيين، الذين يسن بهم سنة أهل الكتاب. والعلاقة المعتادة بين هؤلاء وهؤلاء هي علاقة المشاركة في الدار والأخوة في الوطن. والوشائج الرابطة بين الفريقين ثابتة لا تهزها محن طارئة تعترض حياة الفريقين أو حياة واحد منهما. وأواصر هذه العلاقة تشتد وتقوى إذا تعرض الوطن كله لمحنة».

سمير مرقص

المصدر: الحياة

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...