المنتحر في سورية «ضحية» لا تجد من يصغي اليها

16-04-2009

المنتحر في سورية «ضحية» لا تجد من يصغي اليها

«انتحار سوري هجرته حبيبته»... «انتحار سوري من ضيق العيش»... «انتحر لعدم إيجاده فرصة عمل»... «سجين شنق نفسه في سجن حمص المركزي»... وغيرها من الأخبار المشابهة، تتصدر بشكل متكرر عناوين الصحف المحلية، لتنذر بأن الانتحار ليس حكراً على المجتمعات التي يفتقر شعبها لفيتامين «د» بفعل عدم سطوع الشمس إلا شهرين في السنة، بل في بلاد دافئة تداعب خيوط الشمس وحرارتها القلوب المفعمة بالحب والود الاجتماعي، كما تقول الرواية.
وفي حين يصل عدد المنتحرين سنوياً بحسب دراسة حديثة قامت بها منظمة الصحة العالمية، إلى مليون ومئة ألف حالة، أي بمعدل حالتين كل دقيقة، تُظهر سجلات الطبابة الشرعية أن قلوب السوريين لم تعد تعيش بدورها ذلك الدفء الرومانسي وقد وجد اليأس طريقه إلى عقول الكثيرين، شباباً وكهولاً.
وعلى رغم غياب الإحصاءات الرسمية التي تخص حالات الانتحار المسجلة في سورية، ومن دون ذكر محاولات الشروع في الانتحار التي تستقبلها المشافي الخاصة والعامة في شكل متكرر، تظهر ملفات الطبابة الشرعية أن 84 حالة انتحار سجلت العام الماضي، بحسب صحيفة رسمية، ويشكل الذكور 54 في المئة منها، والإناث30 في المئة، وذلك بطرق ووسائل مختلفة من التسمم بالأدوية إلى الموت شنقاً، أو حتى باستخدام الأسلحة النارية، أو عبر استنشاق جرعات زائدة من الهيروين.
ومع اختلاف الوسيلة التي يختارها المنتحر لموته، تختلف الأسباب التي دفعت تلك القلوب النابضة إلى التوقف عن العمل بينما تحتل الأسباب العاطفية والاقتصادية الدرجات المتقدمة، واللافت أيضاً أن أعلى نسبة فئة عمرية للانتحار كانت من نصيب الذكور بين 31 و40 سنة، والفتيات ما بين 21 و30 سنة، يقطن معظمهم في الأحياء الشعبية الفقيرة.
«إذا كان البعض يعيش حياته برغد وهناء فهذا ليس حال الجميع، هذا ليس حال المساكين مثلنا»، تؤكد أرملة، رفضت ذكر اسمها، توفي زوجها عن 33 سنة انتحاراً بسبب عدم قدرته على سداد ديونه المتراكمة.
وتضيف يائسة: «لا مال لدينا ولا حيلة، أمضى زوجي أشهره الأخيرة حبيس الفراش بعد أن بقي أكثر من أربع سنوات حبيس البطالة وفقر الحال. إلى أن جاء ذلك اليوم الذي استيقظت فيه ولم أجده بقربي بل معلقاً على شجرة في أرض الديار، ميتاً وقد لف حبلاً أسود حول رقبته النحيلة». تخونها الكلمات والدموع أيضاً، هي اليوم زوجة «ذاك العاق الضعيف وغير القادر على الصمود»، كما تعتبره عائلته التي نبذته ونبذت زوجته وطفله الحديث الولادة. خانها زوجها وتركها وحيدة مع إرث ديون لا ينتهي. وتستدرك باكية: «ليته أخبرني، كنت هربت معه».
وتعلق ميساء (24 سنة، عاملة تطريز) على أخبار الانتحار المتكررة باستغراب اذ لا تستطيع أن تتصور كيف يمكن أن يقرر أي شخص إنهاء حياته مهما كانت الحال التي يعيشها مزرية: «لا أستطيع إلا أن أنظر له على أنه مريض نفسي». أما جمال (20 سنة، دهّان)، فيعترف بأنه فكّر مراراً بالانتحار وبخاصة بعد رسوبه في البكالوريا مرتين ولكنه لم يستطع يوماً التجرؤ على تنفيذ مخططاته.
ربما كان المنتحر مريضاً نفسياً، وأكثر من ذلك، في مراحل المرض المتقدمة ولكنه بلا شك مريض لم يجد من يستمع له في مجتمع «لا يعترف بثقافة العلاج النفسي».
وتظهر دراسات نفسية اعدت في جامعة القامشلي قبل عامين، أن الانتحار «هو نتيجة ظروف بيئة محيطة يائسة، تجد أرضها الخصبة في النفوس التي تعيش معاناة طويلة، فتتحول إلى ردود فعل تبدأ بالانعزالية والعدوانية وتنتهي بتحويل المنتحر إلى ضحية صامتة».
وفي حين يعتبر القانون السوري الانتحار أو الشروع فيه أو التحريض عليه جرماً، إذ تنص المادة 539 من قانون العقوبات على معاقبة «من حمل إنساناً بأي وسيلة كانت على الانتحار، أو ساعده بطريقة ما على قتل نفسه بالاعتقال عشر سنوات على الأكثر، إذا تم الانتحار، وبالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين في حالة الشروع بالانتحار إذا ما نجم عنه إيذاء أو عجز دائم وتشدد هذه العقوبة إذا ما كان الشخص المحمول أو المساعد على الانتحار حدثاً دون الخامسة عشرة من العمر أو معتوهاً». ويعاقب ورثة المنتحر وعائلته عقاباً مضاعفاً ليتحولوا بدورهم إلى ضحية حيّة معزولة إلا من دهشة صمت المحيطين ونظراتهم المخزية.

بيسان البني

المصدر: الحياة

التعليقات

سيجد الموت دائما سبباً يعلله. منذ يومين كنا في وارد الحديث عن الفن و السياسة, تذكرت خليل حاوي الذي اطلق روحه للموت من فوهة بندقية إبان الاجتياح الاسرائيلي لبيروت. ينتحر الساسة هرباً من الفضيحة, و ينتحر القادة لأنهم لا يجيدون المشي للخلف, ينتحر الشعراء لأن الورد يجرحهم و السياسي يثير اشمئزازهم و لأنهم بالموت يتغلبون على القتلة و المحاربين برسم لحظة شجاعة خاصة يرتبون طقوسها بحيث يذكرها التاريخ. ينتحرون لنهم لا يعترفون بالموت المجاني و لييسوا أقوياء كفاية للعراك. الشعراء و الفنانين تحركهم جياد الرغبة و تلجمهم ادواتهم عن الفعل الأكثر حيوانية, عن الفعل الأكثر طبيعية : عن القتل... في بلادنا لا ينتحر الشعراء اليوم و لا الروائيين. فقد رؤوا كيف ينفض الحضور من حول الساسة بمجرد سجنهم. و رؤوا كيف ان التاريخ يغفر للساسة أخطاءهم و كيف ان البقاء للأقوى و كيف ان الجرائد المستقلة ترفع من يخشاها و تتحاشى من تخشاه. في حفلة النفاق الجماعي هذه حيث يختلط السياسي بالفنان و تاجر المخدرات و الصحفي , يقرر الفنان بحدثه الحيواني البسيط و بحسبة تاجر دمشقي أن يوفر رأسه لصباح يوم جديد. في بلادنا الانتحار اليوم يصبح الرقم االذي أغفله الرياضيون و منظري الاقتصاد و فلاسفة السوق. الانتحار هو العملية الخامسة بعد ان تفشل القسمة و الضرب و الطرح و الجمع. يختفي الجسد و تختفي معه ذاكرته و آلامه أو بعضها بينما يتوزع ما تبقى على الأحبة و المقربين جداً. يرحل المنتحرون متسربلين بخطاياهم مسرحين من همومهم يثقلهم ذنب ما اقترفت أيدديهم. يرحلون بدون رحمة و لا صلاة على نفوسهم الحزينة.

اقتباس : وفي حين يعتبر القانون السوري الانتحار أو الشروع فيه أو التحريض عليه جرماً: التشريع السوري لا يعتبر الانتحار ولا الشروع فيه جرماً,بل يعتبر الشخص الذي يساعد شخصاً على الانتحار أو يشدد عزيمة المُنتحر مجرماً يستحق العقاب وهذا بالضبط ما نصت عليه المادة 539 الواردة في المقال. الجدير بالذكر أن التشريع الفرنسي كذلك لا يعاقب المنتحر على الانتحار او الشروع فيه مدنياً أو جزائياً. ولكن التشريع الانكلوسكسوني يعاقب مثل هذه الأفعال.

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...