الـثـنـائـي سـاركـوزي: قـصـة طـلاق مـعـلـن!

16-10-2007

الـثـنـائـي سـاركـوزي: قـصـة طـلاق مـعـلـن!

هل يمكن الوثوق بصاحبة مكتبة سبعينية تبيع صحف الصباح، وترفض الخروج من جحرها، كشك الجرائد، في الدائرة الثامنة من باريس، رغم تجاوزها سن التقاعد، وتصر على اجتهاد دستوري يصعب الأخذ به: الجمهورية علمانية، والزواج مدني أكيد.. لكن الطلاق كاثوليكي.
بمعنى آخر، فإن طلاق نيكـولا من سـيسيليا يخلع معه ساركوزي من الإليزيه.
فالجمهورية بأسرها تطلّق متى شاءت إلا رئيسها، فهو مقيد بأغلال مادة ما من الدستور الفرنسي، قرأتها صاحبة المكتبة مدام بريغو، تنص على أنه لا رئاسة لعازب أو مطلّق.
لكن المادة التي تحدثت عنها مدام بريغو، تفرض رئيسا متزوجا لدى دخوله الإليزيه، ولا تحرّم طلاقه، وهو ما تحاشى الإعلان عنه صبيحة أمس الأول المتحدث باسم الإليزيه ديفيد مارتينون وصديق الثنائي ساركوزي المقرب، وعزز بجوابه «أن أحدا لم يقل لي (أي الرئيس) شيئا عن الطلاق»، مصداقيةَ النبأ الذي نشرته صحيفة «الايست ريبوبليكان»، وبإصرار الواثق، للمرة الثانية خلال أسبوع، وأعلنت فيه قرب انفصال سيسليا ونيكولا.
ولم يعد مقنعا للصحافة الفرنسية جواب مارتينون بأن الطلاق في الإليزيه مجرد شائعات. وكان ممكنا للرئيس ساركوزي، حتى الأمس أن يعتمد على صداقته بأصحاب الصحف الكبرى، كسيرج داسو ومجموعة «لوفيغارو»، وآرنو لاغاردير ومجموعة «باري ماتش»، لمنع تحويل الشائعة الى موضوع فرنسي يومي.
وكانت صحف أخرى تخشى الخوض في الشائعة، بعد أن أصبحت سيسيليا ونيكولا قصة طلاق معلن ومستمر منذ سنوات، تخللتها فضائح وعشيقات وعشاق، وانفصال ثم اتصال.
وتزامن الإعلان عن قرب وقوع الطلاق مع سجال فرنسي في تعريف الخاص وحق السياسي بالحميم، وما إذا كان الحديث في طلاق الرئيس تلصصا على حياته الخاصة.
وتستفظع الصحف الفرنسية الجادة الخوض في الحيز الخاص للسياسيين وغرف نومهم، لأن الخيانات الزوجية لا تستهوي القراء، رغم أنها تشكل رياضة الفرنسيين الوطنية المفضلة.
ثم تغيّر الموقف منذ أن فرضت سيسيليا نمطاً في تعاطي السياسة، يخلط العام بالخاص من دون تمييز، ولم تعد «لبيراسيون»، بسبب الموقع الخاص الذي احتلته سيسيليا في المسيرة السياسية لساركوزي، صحيفة اليسار الأولى، تأنف الحديث عن قضية حميمية تخص «الرئيس» وليس نيكولا.
وقدمت بذلك نبأً في أسفل صفحاتها عن اعتقادها بقرب انفصال ثنائي الإليزيه. وبلغ مؤشر المصداقية حداً، أصبح الجدال معه صعباً، عندما نشرت صحيفة «التريبيون» الاقتصادية الرصينة، والمتجهمة، بشكل مفاجئ، أنها تعتقد أن قرار الطلاق سيصدر غدا أمام محكمة ناننتير.
وبات مقبولا أن تتناقل الصحف الحدث، لأنه يفيض عن الحيز الخاص إلى السياسة المباشرة، وبسبب المكانة التي تحتلها سيسيليا في شبكة العلاقات الواسعة التي نسجتها في خدمة نيكولا للوصول إلى الرئاسة، والدور الذي أدته في صعوده السياسي، وحتى في تشكيلة الفريق الوزاري والمستشارين المحيطين به، ومنهم من قامت باختياره لمواكبة نيكولا، ولا سيما وزيرة العدل رشيدة داتي، التي ترشحها الشائعات لاحتلال قلب الرئيس.
وكانت صحيفة «الايست ريبيوليكان» توقعت أن يقدم الإليزيه على الإعلان رسميا بالأمس عن الطلاق. وهو ما كان يجب أن يحدث الجمعة الماضي، لكن انعدام الاتفاق بين سيسيليا ونيكولا على بعض التفاصيل أدى إلى تأجيله حتى اليوم.
ويمكن الاعتقاد بصدق ما نشرته الصحيفة، ذلك أنها كانت الوحيدة التي حصلت على مقابلة مع السيدة الفرنسية الأولى، تحدثت فيها عن دورها في إطلاق الممرضات البلغاريات من السجن الليبي، ووساطتها الفعالة لدى العقيد معمر القذافي. ويمكن الحدس بأنها حصلت على معلوماتها عن قرب الطلاق مباشرة من السيدة الأولى، التي لم تنف أو تؤكد النبأ بأي حال، فيما اكتفت المتحدثة باسمها كارينا ألفونسو مارتان بالقول «إنه لا يمكن التعليق على شائعات كهذه».
وتستعد مجلة فرنسية لنشر سبق وصور خاصة بالمناسبة، كانت قد التقطتها بموافقة سيسيليا، التي تحضر للطلاق، للتعليق على «طلاق القرن» في فرنسا، إذ لم يسبق لرئيس أن انفصل عن زوجته إبان ولايته في ظلال الجمهورية الخامسة.
وتوقع الصحافي الذي يدير مجلة «الإكسبرس» كريستوف باربييه طلاقا سريعا «ذلك أن انفصالهما سر شائع».
منذ العشرين من الشهر الماضي لم تطأ قدما السيدة الأولى رخام الإليزيه. وعلى الرغم من احتفال اليسار بها لمقاطعتها وليمة دعيت إليها مع نيكولا إلى مزرعة جورج بوش إبان عطلتهما الصيفية في الولايات المتحدة، إلا أن ما قادها إلى ذلك، هو مزاجها الحاد والاستقلالي، أكثر مما قادها إليه عداؤها لابتذال بوش، واعتدادها بنفسها، في قول ينسب إليها، «بأن نقطة دم فرنسية واحدة، لم تخالط مزيج الدم الإسباني والروسي الذي يجري في عروقها».
وتراكم التمرد على الانخراط في حياة رئاسية، حيث غادرت سيسيليا مائدة في مؤتمر الدول الصناعية الكبرى تاركة لنيكولا أمر الاعتذار من مضيفتها انجيلا ميركل. ثم غابت عن زيارة بلغاريا إلى جانب الرئيس، مقاطعةً الاحتفال الذي كان سيكرسها بطلة معترفا بجميلها الذي لا تنساه الممرضات البلغاريات الخارجات من السجن الليبي.
وسيكون صعبا على الرئيس تلافي بعض النتائج السلبية لصورته لدى الرأي العام الفرنسي، خصوصا لدى النساء، ويشهد سلم شعبيته هبوطا متزايدا من السبعين في المئة إلى أقل من الستين، ولن يساعده الطلاق في صعوده مجددا، وهو يباشر إصلاح الأنظمة التقاعدية، فيما تلوح النقابات بأصعب المعارك في شوارع فرنسا هذا الأسبوع.

محمد بلوط

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...