الإنشاد الديني في حياة الدمشقيين

27-09-2009

الإنشاد الديني في حياة الدمشقيين

اشتهرت دمشق عبر الزمن بتقاليدها الروحانية و تراثها الديني الإسلامي لكثرة الطرق الصوفية التي ازدهرت فيها ما شكل نسيجاً من العادات والطقوس الداخلة في تكوين حياة أهلها ومن هذه الطقوس الإنشاد الديني وما يتفرع عنه من طرق الأذان وأذكاره والتواشيح الدينية الخاصة بمناسبات معينة في أوقات محددة من العام.

ويقول الباحث الموسيقي أحمد بوبس  إن تاريخ الإنشاد الديني المعروف في مدينة دمشق يعود إلى نحو ثلاثمئة سنة ومؤسسه الشيخ عبد الغني النابلسي المولود في دمشق عام 1641 م وهو فقيه ومحدث ومنشد ديني وشاعر صوفي.

ويضيف أن الشيخ النابلسي كان يلقي الدروس في الجامع الأموي ويقيم فيه حلقات الذكر وعندما توفي دفن في حي الصالحية ومقامه الآن ضمن جامع يحمل أسمه بالقرب من جامع الشيح محي الدين بن عربي.


ويوضح بوبس أن الشيح النابلسي هو من وضع تقاليد الإنشاد الديني في الجامع الأموي بدمشق ومنه انتشرت إلى المساجد الأخرى في المدينة وبعدها إلى بقية المناطق في سورية والتي تضم جوانب عدة منها الآذان الجماعي والتذكير والتسابيح والتراحيم والصمدية والتواشيح الدينية.

ويقول الباحث إن الشيخ النابلسي وضع الكثير من التواشيح الدينية بكلماتها ونغماتها والتي ضاع معظمها و لم يصلنا منها إلا القليل و من أجمل تواشيحه موشح يا جمال الوجود وتنوعت موضوعات موشحاته ما بين الابتهال لله تعالى و المديح النبوي والمناسبات الدينية مثل مولد النبي الكريم وليلة القدر وليلة النصف من شعبان وشهر رمضان المبارك ومناسبات أخرى.

ويضيف أن الإنشاد الديني في دمشق تواترت عليه أجيال من المنشدين الذين توارثوا تقاليده التي وضعها الشيخ النابلسي ولم يصلنا إلا القليل من أسمائهم مثل مصطفى الفرا وعزت عريجة وعبد الله أبو حرب.

ويؤكد بوبس أن الإنشاد الديني في دمشق ازدهر منذ أواخر الأربعينيات من القرن العشرين و بشكل خاص بعد افتتاح إذاعة دمشق عام 1947 فظهرت الكثير من فرق الإنشاد الديني بأصوات جميلة وثقافة موسيقية واسعة ومن هؤلاء المنشدين مسلم البيطار وعبد العال الجرشة وتوفيق المنجد وسعيد فرحات وسليمان داود وحمزة شكور.

ويقول الباحث إن فرقة رابطة المنشدين التي ظهرت عام 1954من اندماج فرقتي عبد العال الجرشة وتوفيق المنجد ثم توسعت مع بداية السبعينات من القرن الماضي بانضمام فرقة حمزة شكور وفرقة سليمان داود كانت تقدم إنشادها عبر أثير إذاعة دمشق سواء في برامج إذاعية دينية أو من خلال نقل الإذاعة للمناسبات الدينية من الجامع الأموي ثم عبر التلفزيون ما رسخ أساسيات الإنشاد الديني الدمشقي.

ومن جانبه يقول المنشد رضوان درويش إن الأسماء الكبيرة التي أسست للإنشاد الديني في دمشق مثل حسن أديب والملحن زهير منيني وغيرهما تركت مخزوناً هاماً من الموشحات والأناشيد التي تعتبر مرجعاً لأي منشد في الوقت الحاضر كما ان التعرف على هذا الموروث يساعد المنشدين حالياً على معرفة أصول الإنشاد من ناحية الشعر الموزون و اللغة العربية السليمة و طريقة صياغة المواضيع المحددة بأسلوب سلس وموسيقي بالإضافة إلى الألحان الهامة والجميلة المعبرة وطريقة إنشادها.

ويضيف أن المنشد الديني يجب أن يكون متمكناً من اللغة العربية ومخارج الحروف ومثقفاً دينياً وتاريخياً كي لا يقع بأخطاء من هذا النوع وعلى معرفة بعلم العروض وشعر التفعيلة بالإضافة إلى ثقافته الموسيقية بالنغمات والإيقاع وقدرته على التنقل بين النغمات بسلاسة على أذن المستمع وهذا يتطلب مقدرة صوتية وخاصة لكونه لا يوجد آلات موسيقية تضبط التنقل بين النغمات كما في الغناء.

ويوضح درويش الذي ألف الكثير من الأناشيد الدينية الناجحة أن الكثير من المنشدين الجدد في الوقت الحاضر يقومون بتأليف موشحات وأناشيد دينية ويلحنوها بأنفسهم دونما دراية أو علم بالشعر أو التلحين وهذا يسبب حالة من الفوضى والأخطاء الكثيرة في ساحة الإنشاد الديني ويجب على المنشد الراغب بالتطور البحث عن الشعر الديني الغنائي المتوازن ومراعاة الموضوع المناسب واللحن المناسب عبر الشاعر المختص والملحن المختص بالألحان الدينية كون هذه القصائد بحاجة إلى طبيعة خاصة.

ويرى مدير فرقة الرضا للإنشاد أن الأجر المادي يجب أن لا يكون الهدف الأساسي للمنشد الديني بل عليه الانطلاق من محبته لله وللرسول الكريم في تأدية هذا المدح والإنشاد وإن كان المردود المادي المعقول يساعد هذه الفرق الإنشادية على الاستمرار لكثرة نفقاتها كما أن السوق وإقبال الناس هو الذي يتحكم بإعطاء

القيمة الجماهيرية للمنشد وهناك الكثير من المواهب و الطاقات المغمورة في هذا الاختصاص لم تأخذ فرصتها أمام الناس حتى الآن.

بدوره يقول المنشد يوسف عربشه إن الإنشاد الديني في تطور بفضل المخزون التراثي الإنشادي الغني لدينا و بوجود المنشدين المجتهدين و ظهور الخامات الصوتية الجديدة المثقفة موسيقياً والتي تحتاج فقط لمن يكتشفها ويوجهها ويتبناها وهذا يتطلب وجود شركات إنتاج للإنشاد الديني على غرار شركات الإنتاج الفني ليتم تكريس ودعم هذا التراث الهام و إيصاله للعالم.

ويرى كل من المنشدين درويش وعربشه ضرورة وجود جمعية أو نقابة للمنشدين تنظم العمل الإنشادي وتضبطه ويكون القائمون عليها من ذوي العلم والمعرفة في هذا الاختصاص وعلى دراية بضوابطه و أساسياته وتراثه الزاخر بالأعمال الهامة.

كما يعتقد المنشدان أن الشكل الجديد لرابطة المنشدين بعد انضمام كل من المنشدين عماد رامي وإيهاب أكرم يصب في إطار التطوير المدروس للإنشاد الديني الدمشقي الذي يزاوج بين تقديم التراث الإنشادي إلى جانب الموشحات والأناشيد الجديدة التي تتوافق مع العصر الحالي بالكلمة السريعة والجملة الموسيقية القصيرة.

بدوره يرى المؤلف الموسيقي معن خليفة الذي قدم عملاً موسيقياً روحياً ضخماً منذ فترة قصيرة في دار الأوبرا أن دمشق تتميز بهذا اللون الإنشادي الديني على مستوى العالم ولدينا طاقات فنية وأصوات كبيرة في هذا المجال وعلينا الاهتمام بتطوير هذا التراث وتقديمه للعالم ليأخذ فرصته ليكون رسالتنا الحضارية والروحانية المتسامحة التي تنقل صورتنا الحقيقية لشعوب العالم وتعبر عن الغنى الفني والروحاني لدينا.

يذكر أن المنشد الراحل حمزة شكور كان له جهد كبير في نشر التراث الصوفي والإنشادي الديني الدمشقي للعالم من خلال حفلاته التي أقامها في عدة دول غربية وعربية بمشاركة جوقة الفرح والتي كان لها أصداء إيجابية كبيرة على المستوى العالمي وقدمت الوجه الحقيقي للتعايش والتسامح الديني بين أبناء سورية.

 

محمد سمير طحان

المصدر: سانا

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...