الإخوان.. من التكفير إلى الهجرة

30-07-2013

الإخوان.. من التكفير إلى الهجرة

العنف الذي اندلع في مصر بين «جماعة الإخوان» والقوى الأمنية النظامية يفسد الكثير من عملية التحوّل الديموقراطي الذي طبع الثورة المصرية. الثورات بطبيعتها تنطوي على عمليات عنف لإزالة القديم وإقامة الجديد. العنف المعنوي موجود دائماً في العلاقات السياسية والاجتماعية، أما العنف المادي فهو
يدل على أزمة في الاحتكام إلى السياسة وحدها. في الواقع العربي لم تكن لدينا معطيات راسخة لأولوية السياسة على العنف. الخروج من الاستبداد ليس فقط إسقاط الحاكم والسلطة الحاكمة، بل هو عملية مجتمعية كاملة لتغيير الثقافة السياسية التي تدير علاقة الحاكم بالمحكوم وعلاقات القوى السياسية في المجتمع.
من حسن الحظ أن المجتمع المصري لا يعرف ثقافة الحروب الأهلية كغيره من المجتمعات العربية. العنف الشعبي الذي نعرفه في مصر على مدى تاريخها المعاصر هو عنف الإسلام السياسي المأزوم دائماً والذي واجه ثورة عبد الناصر بمحاولات الاغتيال، ثم تمادى في اعتناق وسائل الاغتيال والتكفير والقتل من الرئيس السادات إلى العديد من المفكرين ثم إلى ممارسة الإرهاب في أواسط التسعينيات. يمكن تفسير ذلك بالاختناق السياسي للمجتمع المصري نتيجة الاستبداد وعدم وجود المساحة الكافية من الحرية. لكن مع الثورة وبعد الثورة لم يكن العنف الذي مارسه «الإخوان» إلا دليلاً على أزمة المشروع، أزمة فكرهم «الحصري» أو التسلطي الإلغائي للآخر، وأزمة عدم قدرتهم على مواجهة حاجات الشعب المصري ونزوعهم الى «تشكيل المجتمع» على صورتهم ومثالهم. أُعطوا الحرية فأساؤوا استخدامها لعطب جوهري في تكوينهم يرجع إلى المشروع العقائدي، فضلاً عن القيادة والرموز والسلوكيات غير المنسجمة مع صورة رجال الدولة.
في السياق نفسه، سقطت «براءة الإخوان» أي الصورة النضالية الوطنية، ليس فقط لأنهم لم يمسّوا اتفاقية كامب ديفيد، بل لأنهم أعلنوا تعاونهم مع إسرائيل، وأداروا اتفاقية الهدنة بين «حماس» وإسرائيل، وتوجهوا إلى الغرب أكثر مما كان في العهد السابق، ونسجوا علاقات ومواقف عربية لا تعبّر عن الأمن القومي المصري. كل ذلك رسم سياسة تسلطية جديدة كاملة مناقضة لرغبات الشعب وثقافته ولتطلعاته في الكرامة الإنسانية والوطنية. ما لم يكن مدركاً في شعارات الإخوان صار مدركاً في سلوكهم وهو أنهم جماعة أولويتها العقيدة وجغرافيتها العقيدة وقيمها العقيدة على حساب كل شيء آخر. كانوا انقلابيين على الثورة، وكانوا استبداديين على الشعب، وكانوا مبادرين إلى العنف، فكان لا بد من إزالة تسلّطهم. تعايش المصريون مع عقيدة الإخوان وتشاركوا معهم في التغيير لكنهم رفضوا فكرة الحصرية والغلو في فرض العقيدة بالقوة وباستخدام الدولة أداة في ذلك.
عندما خرجت الملايين غير المسبوقة ضد نهج الإخوان صارت ديموقراطية الصناديق ثانوية عند الذين اقترعوا في الشوارع. فإذا كان الجيش المصري قد بادر إلى محاولة إخراج مصر من نزاع أهلي بين الشوارع فهو مارس عملاً إنقاذياً بصرف النظر عن طموحات المؤسسة العسكرية وأهدافها الضمنية. لكن النظر إلى هذه العملية فقط من زاوية الصراع السياسي الداخلي لا يأخذ في الاعتبار ما بدأ يتكوّن من جماعة الإخوان كميليشيات مسلحة في سيناء وغير سيناء وتعاونها مع التنظيم الدولي للإخوان في سبيل مشروع أكبر من الاستيلاء على السلطة في مصر.
انكشف الدور الإقليمي للإخوان. هم مثل كل جماعة عقائدية أولوياتها المشروع العقائدي لا المرجع الوطني أو المصالح الوطنية. لكن الظرف الإقليمي في نزاع خطير يتناول اقتسام المصالح العربية بين دول طامعة إقليمية فتناغموا مع السياسة التركية حتى وهي تتقهقر نتيجة انكشاف أهدافها التوسعية السياسية.
لم يسقط فقط تنظيم الإخوان في مصر بل سقط مشروع الإسلام السياسي في المنطقة الذي كان يعد بإمكان توازن مقبول بين هوية المنطقة وثقافتها التاريخية وانخراطها الفاعل في العالم المعاصر وتحدياته. واجه الإسلام السياسي بكل مكوّناته عروبة المنطقة ومصالحها القومية كما واجه بالإنكار تنوعها وغنى هذا التنوع الإثني والثقافي والمذهبي وجنح إلى تسطيح مكوناتها ونفي تاريخها المشترك وتعايشها المسالم. جنح الإسلام السياسي أخيراً في اتجاه الحصريات السياسية الطائفية قديمها والمستجد بفعل المنظومات الحزبية وأعاق التحويل الديموقراطي وعطل السياسة لمصلحة العنف الذي يرتد عليه عزلة وحصاراً وفشلاً.

سليمان تقي الدين

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...