اقتصاد الناس بعيون عمال النظافةفوارق في القمامة حسب الأحياءالسكنية

18-02-2010

اقتصاد الناس بعيون عمال النظافةفوارق في القمامة حسب الأحياءالسكنية

يحاول أبو وسيم نقل مكان عمله إلى منطقة أكثر ثراء في العاصمة دمشق أملاً في الحصول على غلة يومية أكبر أسوة ببقية العاملين في تلك المناطق والذين يصل دخل أحدهم اليومي «البراني» ما بين 500 إلى ألف ليرة يومياً. 
 حال أبو وسيم وهو اسم مستعار لأحد عمال النظافة هو حال الكثير منهم ممن يحاولون الانتقال إلى منطقة سكنية مترفة ولو كلفهم ذلك دفع بعض النقود حتى يتمكنوا من الانتقال فعمال القمامة يستطيعون وبنظرة واحدة داخل كيس القمامة تقييم مستوى معيشة الحي الذي يعملون فيه وبالتالي معرفة كم من النقود أو حتى الملابس أو الطعام سيحصلون عليها من السكان كإكرامية جراء جمعهم للقمامة من أمام أبواب المنازل والمباني السكنية. عمال النظافة هم الأدرى بواقع حال المنطقة التي يقومون بتنظيفها لأنهم وببساطة شهود العيان على ما تفرزه المنازل كل يوم من قمامة ناجمة عن أعمال الحياة اليومية التي تعيشها الأسرة القاطنة في المنطقة ذاتها وعلى ماذا تنفق الأسرة نقودها وحجم مصاريفها وإلى أين تذهب نقودها على اعتبار أن عامل النظافة يفتح أكياس القمامة باحثاً فيها عما يمكنه الاستفادة منه حتى وصل الأمر بكثير منهم أن يعلقوا أكياسا بلاستيكية كبيرة الحجم على أطراف عرباتهم غالبا ما تملأ بما تجود به القمامة من طعام أو مخلفات بلاستيكية أو قطع وحلي وملابس. الوطن سألت بعضاً من عمال النظافة الموزعين في عدة مناطق من العاصمة دمشق حول واقع ومستوى معيشة المواطن كما يرونه فصنفه كل منهم وفق مشاهداته اليومية للقمامة الخارجة من المنازل وما تحتويه من مخلفات.

كيس رز وفخدة خروف
أجمع عمال النظافة الذين التقتهم الوطن في منطقة كفرسوسة وخاصة قرب المولات حيث أن سكان هذه المنطقة هم من رجال الأعمال والأغنياء وقمامتهم في ازدياد من ناحية الكم والنوع وهي على حد قول أبو وليد من النخب الأول يلقيها السكان مرتين يوميا.
ويضيف أبو وليد وهو اسم مستعار لعامل نظافة في المنطقة تضم قمامتهم ما نسبته 30%من كراتين التغليف والأكياس المطبوعة «للمطاعم المشهورة والماركات المعروفة ومجمعات النجوم الخمسة التجارية» ولا يخلو أسبوع إلا ويجد العمال مخلفات خاصة بتجديد الديكور وكراتين التحف إضافة إلى قشور لجميع أنواع الفواكه والمعلبات والشراب الطبيعي والكثير من عبوات المياه المعدنية الفارغة أما أغطية قطع البسكويت فمكتوب عليها باللغة الأجنبية وهي بالتأكيد غالية في حين يتراوح ثمن أكياس البطاطا (الشيبس) الفارغة من 25 إلى 150 ليرة إضافة إلى عبوات خاصة بطعام القطط والكلاب. القصة الأكثر غرابة حول مستوى المعيشة يرويها أبو وليد قائلا : وجدت منذ نحو الأسبوع كيساً أسود اللون أمام أحد الأبنية السكنية وفيه كمية تعادل الخمسة والعشرين كيلوغراماً من أرز المندي المطبوخ القابل للأكل وبجانبه كيس آخر يحتوي على فخذه خروف مستهلك منها حوالي 70% مع الكثير من الفواكه الطازجة الموجودة ضمن الكيس والتي لا تزال صالحة للاستهلاك البشري وما كان منه إلا أن أخذها إلى منزله. ويضيف أبو وليد المستفيد الأكبر من سكان المنطقة هو البواب المسؤول عن كل بناء لكونه يحصل على الملابس والأطعمة والألعاب ولا يعدم بعض الإكراميات من سكان المنطقة.
الباحث الأقتصادي د.عابد فضلية أوضح للوطن أنه وبناءً على استقراء استطلاع عدد من آراء عمال النظافة فالنتيجة التي توصل إليها التحليل هو تأكيد للرأي العلمي الاقتصادي الموضوعي في إطار نظرية الاستهلاك لشرائح مختلفة بين المواطنين فمن المعروف تماماً أن مرونة الطلب بالنسبة لشرائح الأغنياء هي ضعيفة بمعنى أنه لو ارتفعت الأسعار لا يقل الطلب بالنسبة لشريحة الأغنياء بنفس نسبة ارتفاع الأسعار إما بنسبة أقل أو أكثر والسبب هو الدخل العالي جداً لهذه الشريحة فالطبقة الغنية جداً تحافظ على استهلاكها بشكل شبه ثابت ولو ارتفعت الأسعار ولو انخفضت الدخول أيضا لكون دخول الأغنياء العالية لن تنخفض إلى المستوى الذي سيوثر على الإنفاق الاستهلاكي لهذه العائلات وخاصة الإنفاق الغذائي والاستهلاكي اليومي.

فئة ميسوري الحال
ووفق عمال نظافة آخرين فإن سكان المالكي ومشروع دمر والمزة من ميسوري الحال مع بعض الأغنياء والذين ينتمون بالأكثر للمغتربين والمستأجرين الأجانب قمامتهم وفق قول أبو خالد في ازدياد يوميا وعلى مدار الشهر تجمع بمعدل مرة واحدة يوميا ولكن بنوعية أقل من مستوى الأعوام الماضية من حيث النوع حيث بدأ الكثير من سكان هذه المناطق يستعيضون عن الطعام الجاهز بالطبخ بدليل كثرة أكياس الخضار وقشورها.وهناك الكثير من سكان المنطقة الذين يعطوننا إكراميات قد تكون شهرية أو أسبوعية وذلك من أجل الصعود إلى الأبنية وإنزال القمامة من أمام الشقق.
ويضيف أبو خالد يلاحظ انخفاض في نسبة كراتين الأطعمة الجاهزة نسبياً قبل ومع هذا فالقمامة لا تخلو من بقايا اللحوم الحمراء والبيضاء والأسماك وعلب العصير الفارغة وأغطية أكياس البطاطا والبسكويت الفارغة المتوسطة السعر مع بعض العبوات الخاصة بطعام الكلاب والقطط.

متوسطو الحال
أما مساكن برزة والبرامكة والمهاجرين فهي وفق ما ذكر عمال نظافة يعملون في تلك المناطق هي مناطق السكان المختلطة والمتوسطة الحال والتي تضم الموظفين والأعمال الحرة فقمامتها أيضاً في ازدياد لكن هي دون مستوى وترمى بشكل يومي تقريباً.
وتضم القمامة وفق قول عدنان (اسم عامل نظافة مستعار) نحو 20% كراتين الأطعمة الجاهزة مع علب المشروبات والمعلبات إضافة لأغلفة أكياس البطاطا والبسكويت من نوع 10 و5 ليرات وتزيد القمامة أكثر في فترة الصيف بسبب قدوم المستأجرين ويضيف عدنان في كل شهر تقريبا يتكرم علي أهالي المنطقة ببعض الملابس والحلويات أثناء فترة الأعياد إضافة إلى بعض الأشخاص الذين يعطونني إكراميات من أجل الاهتمام أكثر بمدخل البناء الذي يخصهم. وبالنسبة للشرائح المتوسطة عموماً في الأزمات الاقتصادية يضيف فضلية: عادة ما تتأثر الشرائح المتوسطة والفقيرة، فالشرائح المتوسطة تبقى ضمن مستوى معيشي مقبول ولكن مستوى معيشتها قياساً بإنفاقها الاستهلاكي على الحاجات اليومية يتراجع وبالتأكيد هذه الشريحة تتقلص وخاصة في المرحلة الانتقالية ما بين الاقتصاد الموجه واقتصاد السوق الاجتماعي ففي هذه المرحلة جزء من هذه الطبقة المتوسطة يصبح فوق المتوسطة والغنية وجزء كبير منها يصبح بعداد ما تحت المتوسطة..

محدودو الدخل
عمال النظافة في بعض أجزاء منطقة المزة وحي تشرين أوضحوا أن أهالي تلك المناطق من الموظفين وهم النسبة الكبيرة من السكان ذوي الإقامة الدائمة وبشكل عام تكون قمامتهم وفق قول وحيد (اسم مستعار لعامل نظافة) قليلة وليست بشكل يومي بل متقطعة ولكنها تنشط فقط بداية كل شهر وعادة تحتوي على بقايا قليلة من الطعام ولا أرى العظام إلا في بداية الشهر مع استلام الراتب وعادة يكون العظم مجرداً من أي أثر للحم وقليلا ما أجد بقايا مشروبات غازية أو بقايا قشر الفواكه إضافة أنه من النادر أن تجد لعبة أو كرتونة لوجبة من مطعم مشهور إلا أمام عدد من البيوت ويضيف وحيد: ما تقدم هي بعض من المؤشرات التي تدل على أن السكان من أصحاب الدخل المحدود ويمكن أن تعرف المستوى المعيشي لهذا الحي من منظر القطط التي تجزم بأنها جاءت من جنوب إفريقيا.
ويرى فضلية أن أصحاب الدخل المحدود أصبحوا نوعين نوعاً بدأ يعمل في القطاع الخاص وهم من الكفاءات العالية ومعظمهم من موظفي القطاع العام وهذه الخبرات والكفاءات يحصلون على رواتب عالية حالتهم الاجتماعية والاقتصادية تحسنت بشكل أفضل بكثير مما لو كانوا يعملون في القطاع العام كون قوانين العام تحدد سقف الأجور والجزء الآخر الذي يعمل لدى القطاع الخاص العادي وهؤلاء رواتبهم بقيت في حدود المتوسط وزيادة رواتب القطاع العام مازالت محدودة ولم تتماش مع ارتفاع الأسعار الذي بدأت عام 2007 وحتى الآن ورغم أنه حصل انخفاض لأسعار كثير من السلع إلا أن مستوى السعر اليوم بمعنى التضخم مازال موجوداً فارتفاع الأسعار مع ثبات نسبي للرواتب والأجور يعني انخفاض القوة الشرائية لمن يعمل في القطاع الخاص العادي أو القطاع العام كون الرواتب شبه مجمدة.

قطط مصابة بعمى الألوان
لعمال النظافة في منطقة الحجر الأسود ودف الشوك رأيهم أيضا في تقييم مستوى معيشة السكان فهم ووفق قول أبو سامر (اسم مستعار لعامل نظافة) من الموظفين البسطاء والعمال اليوميين ويلاحظ أن قمامتهم قليلة ومتقطعة وبحسب حركة السوق وما بجيوبهم من نقود وهي لا تختلف كثيراً عن الموظف العادي إلا في وجود بعض الكراتين من مطاعم المدينة مع وجود لفوارغ أكياس البطاطا من نوع 2 بـ5 و5 ليرات من المشروبات الغازية إضافة إلى وجود بعض قشور الفواكه وبعض العظام المنحوتة اللحم حتى إن قطط هذا الحي تكون مصابة بعمى الألوان لكثرة تحديقها في القمامة على أمل أن تستخرج منها ما هو صالح للأكل.
ويرى فضلية بالنسبة لأصحاب الأعمال الحرة الذين يعتمدون في معيشتهم على قوتهم وحرفيتهم ففي المرحلة الانتقالية هناك جزء منهم بقي على حاله ولكن هناك جزء كبير تراجع نتيجة اعتمادهم على النشاط الاقتصادي المتأثر بالأزمة المالية إضافة إلى دخوله مرحلة التحول إلى اقتصاد السوق مع التضخم الذي حصل لأسباب داخلية وخارجية كل هذه العوامل تجعل كل من يعتمد في قوته اليومي على دخله الحر تراجع إلى البطالة بسبب تناقص فرص العمل وخاصة خلال السنوات الماضية وهي العمالة الزراعية فهذه الشريحة تضخمت كونهم فقدوا عملهم وأصبحوا من جيش العاطلين على العمل يبحثون عن عمل فازداد عرض العمل من هؤلاء بينما عرض فرص العمل بقي ثابتاً أو تقلص نتيجة الركود الذي يعانيه الاقتصاد السوري مثله مثل الدول المجاورة بسبب الأزمة المالية.
ويضيف فضلية : إن استطلاع الاراء كالذي بين أيدينا تم بسؤال عمال النظافة يؤكد الفرضيات التي تحدثنا عنها والمعروفة وما يؤكد هذه الفرضيات ما جاء بهذا الاستطلاع الذي يوازي تماماً الفكر الاقتصادي العلمي حول التطور الاقتصادي والاجتماعي لمجتمع ما يجد نفسه في مرحلة انتقالية من نظام شمولي وتخطيط مركزي موجه إلى اقتصاد سوق اجتماعي ففي هذه المرحلة الانتقالية يحدث هناك خلل اقتصادي اجتماعي هذا الخلل يعود إلى التوازن ولكن على المدى المتوسط والبعيد أما في مرحلة الخلل فهناك طبقة الأغنياء التي تزداد غنى وطبقة الفقراء التي تزداد فقراً وشرائح متوسطة جزء منها يذهب نحو الأعلى وجزء منها نحو الأسفل وتزداد أيضاً الأسعار نتيجة إنفاق الشرائح الميسورة وارتفاعات الأسعار تقلل من القوة الشرائية فهذه المرحلة مرحلة عادية طبيعية ولكن لمرحلة انتقالية أتمنى ألا تطول على أن تتخذ من قبل الجهات الحكومية كافة الإجراءات والسياسات التي تقصر من عمر المرحلة الانتقالية والتي غالباً ما ينعكس أثرها على الطبقات المتوسطة والضعيفة. ويؤكد الاستطلاع أيضاً أنه في مرحلة الانتقال إلى اقتصاد السوق هناك أغنياء يزدادون غنى طبقة التجار والصناعيين والتنافسيين وأيضاً تجار العقارات وأصحاب المال الذين يشغلون أموالهم في المؤسسات والأسواق المالية أو في المؤسسات الإنتاجية فهناك أثرياء يزادون غنى كون الفرصة متاحة لهم في تسهيل النشاط الاقتصادي والتجاري والصناعي وأيضاً في هذه المرحلة تزداد المضاربة على العقارات البيع والشراء بحيث يزداد نشاط التجار والعاملين في قطاع العقارات وتزداد معها التسهيلات الائتمانية والقروض فمن كان نشاطه التجاري والصناعي محدوداً وأصبح في المرحلة الانتقالية نتيجة وجود المصارف الخاصة والتسهيلات الائتمانية أصبح يستطيع أن يتحرك بشكل أفضل وأقوى عن السابق وبالتالي فإن المال يأتي بالفائدة ويأتي بالربح فيزداد الغني غنى وتظهر طبقات متوسطة أتيح لها تسهيلات ائتمانية وشراكات معينة أن تتحول من متوسطة إلى غنية ولكن إذا لم تتح هذه الفرصة للعديد من أبناء الطبقة المتوسطة تتراجع نتيجة عدم زيادة الدخل مقارنة مع ارتفاع المستوى العام للأسعار أو التضخم.

مؤشرات
اضافة لمؤشر تراجع القوة الشرائية التي تنفق يومياً هناك مؤشر آخر بغض النظر عن التراجع الاقتصادي أو انخفاض الدخول وهو سبب آخر يتمثل بشراء عشرات الآلاف من السوريين للسيارات بالأقساط واقتراضهم من المصارف لشراء سلع معمرة أو لشراء بعض التجهيزات المنزلية فهذه القروض تمتد على خمس سنوات والآن تزايدت بشكل كبير إضافة إلى تكلفة الموبايل وتعدد أجهزة الموبايل في البيت الواحد مع انتشار ثقافة استهلاكية بتغيير الموبايل مع الموضة والتطور إضافة لارتفاع أسعار الطاقة والهاتف، حيث إن الشراء بالتقسيط يعني أن يذهب جزء كبير من دخل الأسر الشهري من أجل تسديد القسط فمثلاً من اشترى سيارة على أقساط أربع سنوات فسيخصص جزءاً كبيراً من دخله الشهري إذا كان يعمل أعمالاً حرة من أجل دفع هذه الأقساط فلو تصورنا أن عشرات الآلاف من الأسر السورية يخصصون جزءاً كبيراً من دخلهم الشهري لدفع هذه الأقساط فإن هذه الأقساط لن تذهب إلى الإنفاق المباشر في السوق الاستهلاكية ما جعل الإنفاق الاستهلاكي الدائر اليومي والشهري يتقلص أو يتجه نحو سلعة أقل قيمة من أجل توفير ذلك الجزء من الأقساط.

محمد عمر الخطيب

المصدر: الوطن السورية

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...