إدلب حلب.. هوب هوب

29-01-2009

إدلب حلب.. هوب هوب

الجمل - خطيب بدلة: من زمان، يعني منذ أكثر من ستين سنة، شعر أهل منطقة إدلب بالغبن، فبلداتهم وقراهم وكفورهم ودساكرهم.. وحتى مركز منطقتهم مدينة إدلب، تابعون لحلب من كل النواحي، إدارياً وتعليمياً وتجارياً ورياضياً وفنياً، فإذا أراد شاب إدلبي (مشورَب) أن يتزوج فتاة إدلبية (كويسي)، بعد أن غرف قلبه عليها، سيجد أهلها يشترطون عليه، أو يُبَيِّنون له، والبيان يطرد الشيطان، مطاليبهم التي لا يحيدون عنها، مستخدمين أداة الشرط الإدلبية المعروفة (كْوَا)، قائلين له:
 - (كْوَا) بدك تشتري جهاز العروس والذهب والملبس والضيافة من حلب!
وأما إذا كانت العروس من بلدتي (معرتمصرين) فإن أهلها يستخدمون فعل الشرط (كْوَهْنة) بدلاً من (كْوا).
 وإذا تعطلت (الترمبة) التي تزود (حاووظ) إحدى بلدات ريف إدلب بالمياه، وحضر المهندسون والفنيون الأدالبة لإصلاحها، وشعر الناس الذين ينتظرون إصلاحها بفارغ الصبر أن الأمور (معصلجة) فإن أحد الحاضرين المتفرجين على عملية الإصلاح يقول:
 - يا أخي ليش ما بتجيبوا مهندسين من حلب وبتخلصونا من هذه الخَيلة؟
 وإذا استعصى مجموعة من قطاع الطرق في مكان صعب الاقتحام، وعجز شرطة إدلب عن القضاء عليهم، يقولون للناس بقصد أن يطمئنوهم إلى أن الأمور بخير:
- لا تاكلوا هم، طلبنا (قوة) من حلب، وبمجرد ما تصل القوة سنقضي عليهم إن شاء الله! وسنجعلهم يمثلون الجريمة فوراً.
 إذن، في تلك الأثناء، أعني قبل ستين سنة، (استحفظت) إدلب- على حد تعبير أستاذنا الراحل حسيب كيالي- أي طلبت نفسُها أن تكون محافظة، وشرع وجهاؤها أينما يجلسون، وحيثما يجتمعون مع المسؤولين في الدولة يطالبونهم بإصدار فرمان (يقصدون: مرسوم) بجعل إدلب محافظة، عسى أن يخلص أهلها من هذه التبعية لحلب.
 وراحت أيام، وجاءت أيام، وإذا بحلم الجماهير العربية في الوحدة التي (ما يغلبها غلاب) يتحقق، وإذا بالوحدة مع مصر الشقيقة تتحقق، وإذا بالرئيس الأسمر المهيوب جمال عبد الناصر لا يكتفي بإسماع الجماهير العربية الممتدة من المحيط إلى الخليج خطاباته الرائعة من الإذاعة، بل إنه أتى، بجلالة قدره، ليزور الإقليم الشمالي، في أواخر سنة 1959، ويزور المناطق الشمالية من الإقليم الشمالي، حتى وصل إلى منطقة إدلب، فاقترب منه الناس، ورأوه عن قرب، وسلموا عليه، وهو بدوره سألهم:
 - ما هي مطاليبكم يا أهل إدلب؟
 قالوا: نريد أن تكون إدلب محافظة.
 فاستجاب لهم، وأصدر مرسوماً بجعلها محافظة اعتباراً من السنة التالية 1960.
 خمسون عاماً مرت على إحداث محافظة إدلب، وأهل إدلب (يا دوب) استطاعوا أن يتخلصوا نفسياً من عقدة التبعية الإدارية والاقتصادية والرياضية والفنية لحلب، وإذا بنقابة المعلمين بإدلب تتخذ قراراً غريباً عجيباً يوقف اللقمة في الحلق، والريق في الزلاعيم، يقضي بإرسال المرضى أصحاب العلل الدائمة الذين تصرف لهم النقابة نسبة من ثمن الأدوية بموجب وصفات دائمة.. إلى حلب!
 منذ عدة سنوات وهذه النقابة لا هم لها غير (لهوجة) هؤلاء المرضى المساكين، فبعد أن كانت تصرف لهم الوصفات التي يحضرونها موقعة من أطباء معتمدين لديها بموجب قوائم، مختصين بالعلل الكبرى (قلب وأورام وأعصاب وداء سكري وبيل وضغط سرياني)، أوعزت لهم أن يذهبوا إلى نقابة الأطباء بإدلب، لكي يتعرضوا للفحوصات والتحاليل، ذهبوا إلى النقابة فتبين أن النقابة لا تعلم شيئاً عن هذا، ثم (أوعزت) لهم أن يأتوا إلى مقر النقابة حيث يتواجد أحد الأطباء ينقل الوصفة التي يحملها المريض من طبيبه الخاص بحذافيرها، ويتناول أجرة المعاينة ويصرفه!   
المهم إن هذه النقابة ما تزال تتفنن في إرسال هؤلاء المعلولين من مكان إلى مكان، مثل القطة الولدانة، وكل مدة قصيرة تطلع لهم بنغمة ما، بقصد إزعاجهم، ولكن نغمة إعادة التبعية لحلب بعد كل هذا النضال التحرري.. أقسم بالله لم تكن على البال!

 

 

الجمل

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...