«نهار ربيعي رائع» الترجمة الفرنسية لرواية لي ييون

28-06-2011

«نهار ربيعي رائع» الترجمة الفرنسية لرواية لي ييون

قد تكون اللغة، العائق الأكبر في معرفتنا بآداب الصين، إذ عمليا، لا نجد مترجمين من تلك اللغة إلى العربية، لذلك تقتصر معرفتنا بهذه «القارة» الأدبية على ما ينشر من ترجمات بلغات أخرى، قد يكون أبرزها الفرنسية والإنكليزية. من هنا، لا نستطيع الفكاك من لغة وسيطة كي ندخل إلى قلب ذلك العالم الذي نتقصى عنه لماما. عالم، لا نعرفه على حقيقته الكاملة، إذ يجب أن نعترف أن غالبية الكتب التي يمكن أن نقع عليها في الترجمات الغربية، لا بدّ وأن تصور لنا ذاك المجتمع من طرف واحد، أي من وجهة النظر الغربية التي لا ترى في الصين إلا هذا «الشرّ» المطلق بصفتها لا تزال واحدة من البلاد الشيوعية في العالم، أو تلك النظرة التي يكتبها بعض الصينيين والتي يعيدون فيها محاكمة فترة ماو، أو الفترة التي تلت حكمه، ليشيروا فيها إلى الانزياحات المخيفة والكبيرة التي عرفتها تلك البلاد بكل ما كانت تحمله من عنف وقسوة واضطهاد.
من الكتب التي تنتمي إلى هذه الفئة الأخيرة، تأتي رواية لي ييون «نهار ربيعي رائع» الصادرة في ترجمة فرنسية عن منشورات بورغوا في باريس، ضمن سلسلة الجيب 10×18 حيث تروي لنا الكاتبة أحداث قصتها التي جرت في العام 1979، أي في الفترة التي أعقبت الحقبة الماوية.
المراجعة
منذ البداية، تدخلنا الكاتبة في الإطار العام الذي تجري فيه سلسلة الأحداث التي تشكل في النهاية الخيط الذي يجمع الرواية ويشكل لحمتها: إنها قصة غو شان، التي كانت تنتمي في ما مضى إلى الحرس الأحمر. كانت مناضلة «شرسة» لا ترى غير القائد ولا تستمع إلا له، لكن مع مرور الوقت، بدأت تكتشف هذه الأوهام التي كانت تسيطر على كل شيء، وأن الثورة لم تكن في نهاية الأمر سوى خيبة كبرى، أو لنقل كانت حفلة قتل لا نهاية لها. من هنا، تبدأ تحولاتها الفكرية، لتصبح واحدة من «المعادين» للثورة وللنهج الذي وعد بالكثير.
هذا التبدل الفكري، الذي استتبع وراءه تحولا في الممارسة، أوقعها في المحظور، أي تمّ إعدامها في ظروف غير إنسانية. إزاء هذا الحدث الذي صدم الكثيرين، وبخاصة ذويها، قرر والداها، البروفسور غو وزوجته (أمها)، كما بقية العائلة أن يستقصوا الأسباب لكي يفهموا ما حصل. سرعان ما يقتنع البروفسور بنتيجة تحقيقاته الخاصة، إلا أن زوجته ترفض منطقه جملة وتفصيلا لترفض تاليا هذه «الجريمة» وتعتبرها أمرا غير مقبول، بل غير إنساني. كان أهل القتيلة، يعيشون في قرية صغيرة تقع على نهر فانجور، من هنا يأتي الإعدام كنقطة مفصلية في بداية الرواية، أي إنه يشكل «مناسبة» ليدخلنا إلى مناخات تلك القرية، كما إلى فضاءات السكان، عبر حيواتهم اليومية وتفاصيلهم المتفرقة. أي تبدأ الرواية هنا، لترسم لنا لوحة عن عينة من الشعب الصيني بكلّ الخاصيات التي يتنشقون هواءها.
وانطلاقا من هذه النقطة المحورية التي تشكل مفترقا هاما في السياق الروائي، أي يفتح أمامها آفاقا أخرى، تبدأ لي ييون بتشكيل مجرى أحداثها المتنوعة، كما تدخل عميقا في قلب شخصياتها. هؤلاء الشخصيات الذين تأثرت حيواتهم، بشكل مباشر أو غير مباشر، من هذا الإعدام، إذ جعلهم، على الأقل، يبدأون في طرح الأسئلة على هذه القضية.
على مرّ الرواية، نبدأ بمتابعة هذه الشخصيات، نراقب تحركاتها، ندخل معها في رحلة الوعي هذه إن جاز التعبير، نقع على: السيد والسيدة هوا، جامعي القمامة، الشاب تونغ وكلبه أوراي، نيني، الطفلة الصغيرة المعوقة جسديا، باشي وجدته، كاي، مذيع الأخبار في الإذاعة، جيا لين الذي يقرأ كتبا وأدبا لا يحبها النظام، بل يعتبرها تفسد العقول.
بدقة متناهية، تدخلنا الكاتبة إلى قلب تفاصيل هؤلاء الناس اليومية، تفاصيل ترسم لوحة بانورامية عن الصين الواقعة في متاهاتها في تلك الحقبة. حيث تدخلنا أيضا في إخلاص السيد هوا وزوجته في طريقة تربيتهما المنهكة، لتلك الفتيات الصغيرات اللواتي كانا يجدانهن بين القمامة، عملية انتزاع تونغ من منزل جديه بعد أن كان والداه وضعاه هناك حين كان في السادسة من عمره، حياة نيني السيئة التي عانت طويلا من الجوع قبل أن تعمل خادمة لتعرف طمأنينة ما، انعزال باشي وعيشه وحيدا بعد أن رفضه المجتمع بسبب أفكاره المختلفة، زواج كاي المرتب لتصبح شبه خادمة في منزل حميها بعد أن فرض عليها ذلك.
وضمن هذه البورتريهات إن جاز التعبير، تتابع الكاتبة بشكل مواز، كتابة صعود موجة الغاضبين، «المعادين للثورة» الذين ثاروا بعد مقتل غوشان، إذ قرروا، في رحلة وعيهم هذا، أن يتخلصوا من الاستعباد السياسي.
لكن ما هو هذا النهار الربيعي المشرق، الذي تجعل منه الكاتبة عنوانا لروايتها؟ ليس سوى يوم «شينغ مينغ» الذي يعتبره الصينيون يوم الأموات، إذ يقرر «أعداء الثورة» أن يقيموا فيه تظاهرة كبرى ذات «يوم ربيعي مشرق»، حيث توقعوا مشاركة العديد من المناصرين، على الرغم من توقعهم بأن قمع السلطة سيكون قويا وحاضرا بعنف، وأنه نتائجه لن تكون محمودة سلفا.
نحن أمام رواية قاسية، حول مجتمع لم يجد نفسه سوى سجين لهذه المثل والأيديولوجيات المسمرة والتي أفقدت المجتمع كل حيوية ممكنة. إنها أيضا رواية عن اليأس، هذا «اليأس الجاهلي»، البطريركي الذي أدخل الصين في تلك الحقبة المميتة على جميع المستويات. ويأتي ذلك كله بأسلوب آسر، مليء بالأسى الموجع الذي يدخلنا عميقا في قلب ثورة لم تعرف سوى قتل شعبها في نهاية الأمر.

اسكندر حبش

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...