«المصالحة» الفلسطينية: شيطان التفاصيل في الأمن والحكومة

06-05-2011

«المصالحة» الفلسطينية: شيطان التفاصيل في الأمن والحكومة

انفض سامر الاحتفال بالمصالحة الفلسطينية وغادرت معظم الوفود العاصمة المصرية. ولكن بقيت مهمة المصالحة كما هي، وربما في النقطة التي كانت فيها منذ حوالى عام ونصف عام.
فما أنجز حتى الآن هو التوقيع على الورقة المصرية وعلى ورقة التفاهمات حول التحفظات، وبقي البدء بالتنفيذ. ومن الجائز أن من يرى أن الفكرة تسبق العمل يبدي تفاؤلا بأن الإنجاز الحقيقي آت، وأن الانتخابات ستجري، وأنه قبل ذلك ستتشكل حكومة فلسطينية جديدة. ومن الجائز أيضا أن هناك من يعتقد أنه بالوسع التغلب على العراقيل التي تضعها إسرائيل وأنصارها في الحلبة الدولية أمام المصالحة وأمام إعلان الدولة. علم حركة «فتح» يُرفع للمرة الأولى منذ العام 2007 في ساحة الجندي المجهول في غزة خلال احتفال بالمصالحة أمس (أ ف ب)
غير أن غالبية الفلسطينيين ممن حضروا احتفالات المصالحة والتوقيع على أوراقها خرجوا من هذه الاحتفالات، بمثل ما دخلوا. وينقسم هؤلاء طولا وعرضا بين أكثر من رؤية وأكثر من تساؤل. إذ هناك قناعة لدى بعض الفلسطينيين، وخصوصا من فصائل منظمة التحرير، بأن الأمور منتهية وأن اتفاق حماس وفتح على المحاصصة، مبرم. ويشهد مستقلون على أن كل جوانب تنفيذ الاتفاق منتهية ومصقولة، وأنه خلال أيام أو أسابيع قليلة ستعلن الحكومة الجديدة. وبين هؤلاء وأولئك من يذهب إلى حد الإعلان عن أن التفاهمات تتضمن نوعا من قبول الطرفين بالواقع المختلف القائم في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة.
ولكن إلى جانب هؤلاء من يعتقد بأن الاتفاق شكلي، وأن الشيطان يكمن في التفاصيل وأن الخلافات كبيرة. ويشدد هؤلاء على اختلاف فهم كل من حماس وفتح للاتفاق، وأنه بالنتيجة ليس هناك اتفاق، لا على هدف الاتفاق ولا حتى على طريقة تنفيذه. وبرغم أن الورقة المصرية تحوي آليات تنفيذ إلا أن هذه الآليات بحاجة إلى آليات لتوضيحها وترجمتها على الأرض.
وبعيدا عن الأسئلة العملية في الشأن الأمني، هناك تناقض تام بين مفهوم الأمن في قطاع غزة ومفهوم الأمن في الضفة الغربية، ومن غير المستبعد أن يشكل هذا التناقض مركز الخلاف التنفيذي الأول. فالرئيس محمود عباس يرى أن سعيه من أجل تنفيذ برنامج إعلان الدولة حتى أيلول المقبل يتطلب منه التشدد في فرض الأمن في الضفة الغربية، والتجاوب مع اشتراطات الراعي الأميركي والدولي للسلطة. ولهذا فإنه لم يخفِ في لقاءاته مع قادة حماس إصراره على مواصلة تنفيذ خطته الرامية إلى منع العمل المسلح ضد إسرائيل ومنع «تبييض الأموال» لمصلحة تنظيمات تمارس العمل المسلح ضد إسرائيل. وهو يعتبر أن هذه من أوليات التزامات السلطة إزاء الأسرة الدولية من أجل كسب التأييد لدولة تحت راية الشرعية الدولية.
ومن شبه المؤكد أن رؤية حماس الأمنية، وخصوصا في قطاع غزة، تتناقض مع هذه الرؤية، وترى أن الأمن يجب أن يخدم المقاومة ويساعدها. وهكذا ففي جانب أولي يمكن الجزم بأن أولى نقاط الخلاف المقبلة ستتمثل في رفض عباس وبالتالي فتح أي فتح لملف الأمن في الضفة وإصراره على فتح ملف الأمن في غزة.
وهكذا، على الأقل في الملف الأمني، الصدام محتوم وهوامش المناورة محدودة، برغم أن هناك من يؤمن أن بوسع الفلسطينيين تحت رعاية مصرية، إيجاد مخارج لهذا الخلاف.
وعلى الصعيد الحكومي، حدث ولا حرج. صحيح أن الكثير من وسائل الإعلام الفلسطينية والدولية نشرت أسماء المرشحين لرئاسة الحكومة، ونقلت عن مسؤولين في هذا الفصيل أو ذاك رفضهم لترؤس هذه الشخصية أو تلك للحكومة المقبلة، ولكن هذا النشر يفتقر جوهريا للدقة. فمن النقاشات التي جرت بين عباس ووفد حماس في القاهرة يتضح أن الرئيس يرفض من حيث المبدأ إخضاع الحكومة لاعتبارات فصائلية، حتى ولو باسم الوحدة الوطنية. وأبلغ عباس قيادة حماس بأن هذه الحكومة «حكومتي» وستتشكل من ذوي الكفاءات من المستقلين وكفى.
صحيح أن عباس لن يعمد إلى إذلال حماس عبر توزير من يناقضها، وقد يتقرب من هذه الحركة عبر اختيار أناس مقبولين منها، لكنه أراد من البداية القول بأن تشكيل الحكومة شأن يعود إليه لأنه هو من سيتولى أمر تسويقها إلى العالم. وهو في الغالب سيكون أميل لإرضاء الأسرة الدولية من ميله لإرضاء حماس برغم أنه لن يكون مندفعا لاستفزاز الأخيرة.
فعباس يرى مصلحة له ولخطه السياسي في توفر أساس، ولو شكلياً للوحدة الفلسطينية. وقد كرر أمام الحضور أنه يرفض تذرع إسرائيل بالانقسام في رفضها التقدم بالعملية السياسية مثلما يرفض تذرعها بالوحدة لرفض التقدم أيضا.
وهنا يكمن بيت القصيد. يقول العارفون ببواطن الخلافات إن حماس وقعت على الورقة المصرية لاعتبارات خاصة بها وهذا حقها، لكن توقيعها على هذه الورقة جاء في ظل واقع عربي مختلف، وفي ظل واقع فلسطيني مختلف. فتجربة حماس في غزة لم تقدم نموذجا يمكن لحماس العقلانية التفاخر به. ويمكن الحديث عن أن غزة بدل أن تكون منطلقا لحماس نحو مناطق أخرى شكلت ثقلا كبيرا على عنقها. وقادت هذه التجربة إلى نشوء خلافات شديدة داخل حماس نفسها.
وبرغم أن حالة فتح وعباس والتسوية السياسية في مأزق أيضا إلا أن هامش حركة فتح العربي والدولي قلص بعض الشيء من العواقب السلبية. وهكذا بدا أن فتح هي الرابح الأكبر من المصالحة في هذا الوقت، وأنها تريد الإفادة من هذا الإنجاز في امتلاك هامش مناورة أوسع مع حماس.

المصدر: السفير

إضافة تعليق جديد

لا يسمح باستخدام الأحرف الانكليزية في اسم المستخدم. استخدم اسم مستخدم بالعربية

محتويات هذا الحقل سرية ولن تظهر للآخرين.

نص عادي

  • لا يسمح بوسوم HTML.
  • تفصل السطور و الفقرات تلقائيا.
  • يتم تحويل عناوين الإنترنت إلى روابط تلقائيا

تخضع التعليقات لإشراف المحرر لحمايتنا وحمايتكم من خطر محاكم الجرائم الإلكترونية. المزيد...